الخطوبة المسيحية

 
عزيز سمعان دعيم
الخطوبة هي اتفاق بين شخصين تمهيدًا للارتباط بالرباط المقدس وهو الزواج.
وهي فترة استعداد، واختبار كلّ واحد للآخر، للتأكد من مشاعرهما والاستعداد معًا لتأسيس بيت الزوجيّة المبني على شخص الرّبّ يسوع، صخر الدهور.
من خلال كلمة الوحي المقدس، نستطيع استخلاص مجموعة أسُس ومعايير لخطوبة ناجحة تسير نحو زواج مبارك.
استُخدِمت الخطوبة في العهد القديم، كرمز وتشبيه لعلاقة المحبّة، الالتزام والارتباط بين الله وشعبه. يسجل الوحي المقدس في سفر النبي هوشع:
“أخطبك لنفسي الى الأبد. وأخطبك لنفسي بالعدل والحق والإحسان والمراحم. أخطبك لنفسي بالأمانة فتعرفين الرب” (هوشع2: 19 و20).
من هذا النص نستطيع استخلاص أساس بل أسس متينة للخطوبة الناجحة، منها:
1. علاقة ثابتة راسخة، مبنية على: العدل، الحق، الاحسان، المراحم، الأمانة. إذا تأملنا جيدًا في جميع هذه الأسس والمعايير نجد أنها تجلّت بوضوح في عمل المسيح على الصليب، فالرّبّ أمينًا دومًا تجاه مواعيده، وهكذا علينا نكون أمناء في الوعد والعهد، لمجد الرّبّ ولحياة أفضل.
2. هدفها: التقدم في معرفة الرّبّ. علاقة الخطوبة الناجحة تتقدم من خلال معرفة الرّبّ، فالصلاة والتأملات الفردية والمشتركة معًا بين الخطيبين، تعمل على توثيق علاقتهما مع الرّبّ ومع بعضهما البعض، للنمو والتقدم في مشيئة الرّبّ ومعرفة مشورته.
وقد استُخدِمت الخطوبة في العهد الجديد، كرمز وتشبيه لعلاقة المحبّة، الالتزام والارتباط بين الله وكنيسته (المؤمنين). فيقول الرسول بولس:
“فإني أغار عليكم غيرة الله لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح” (2 كورنثوس 11: 2).
هنا نرى أساس العلاقة المقدسة الطاهرة.
3. علاقة مقدسة طاهرة: مقدمة لشخص الرّبّ يسوع وأمامه، هو ثالثكم، وحافظ عهدكم، وراعي حياتكم، وباني بيتكم على صخرة شخصه المبارك. حقًا هنالك مسؤولية شخصية من كلّ منكما تجاه الآخر، لكي يُصبح اهتمام كلّ منكما بالآخر نهج حياة عملية مستدامة، ليتألق كلّ منكما بالحيوية والنضارة، فيفيض بالفرح والسعادة، وليكن الرّبّ سرّ ومنبع الفرح في داخلكما، ليفيض لكلّ من حولكما.
وفي نشيد الأنشاد نقرأ “مَنْ هذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ الْبَرِّيَّةِ مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا؟ تَحْتَ شَجَرَةِ التُّفَّاحِ شَوَّقْتُكَ، هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ أُمُّكَ، هُنَاكَ خَطَبَتْ لَكَ وَالِدَتُكَ. اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ، كَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ. لأَنَّ الْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَالْمَوْتِ. الْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَالْهَاوِيَةِ. لَهِيبُهَا لَهِيبُ نَارِ لَظَى الرَّبِّ. مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْفِئَ الْمَحَبَّةَ، وَالسُّيُولُ لاَ تَغْمُرُهَا. إِنْ أَعْطَى الإِنْسَانُ كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ الْمَحَبَّةِ، تُحْتَقَرُ احْتِقَارًا.” (نشيد الأنشاد 8: 5-7)
4. حياة فيها سند: مَنْ هذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ الْبَرِّيَّةِ مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا؟ كلّ واحد يسند الآخر، كلّ واحد معين للآخر. بالطبع سرّ ومنبع القوة والنصرة للحياة المشتركة، هو شخص ربنا يسوع المسيح، الذي يسندنا في طريقنا معه.
5. حياة مبنية على الثقة: من جهة هنالك الترابط الوثيق “اِجْعَلْنِي كَخَاتِمٍ عَلَى قَلْبِكَ، كَخَاتِمٍ عَلَى سَاعِدِكَ.” ومن جهة أخرى علينا أن نوجه الغيرة الحسنة، أي الغيرة المهتمة المسؤولة البناءة وليست المشككة المتهورة الهدامة، نحو الثقة الطيبة المبنية على المحبة والصراحة لئلا تهدم ما بنيناه لأن “الْغَيْرَةُ قَاسِيَةٌ كَالْهَاوِيَةِ. لَهِيبُهَا لَهِيبُ نَارِ لَظَى الرَّبِّ”.
6. حياة مبنية على المحبة: المحبة الحقيقية التي تتميز بمواصفات أنشودة المحبة في (1 كورنثوس 13)، وهي المحبة التي لا يمكن التعويض عنها بأي أمر آخر، مهما كان اعتباره ووجاهته، “مِيَاهٌ كَثِيرَةٌ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْفِئَ الْمَحَبَّةَ، وَالسُّيُولُ لاَ تَغْمُرُهَا. إِنْ أَعْطَى الإِنْسَانُ كُلَّ ثَرْوَةِ بَيْتِهِ بَدَلَ الْمَحَبَّةِ، تُحْتَقَرُ احْتِقَارًا.”
وفي اشعياء نجد العلاقة تتجلى بالفرح والجمال “فَرَحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ، مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا.” (إشعياء 61: 10)
7. فرح: فهي فرح في معرفة مشورة الله ومشيئته لحياتي مع من سيشاركني مسيرة الحياة. “… وَكَفَرَحِ الْعَرِيسِ بِالْعَرُوسِ يَفْرَحُ بِكِ إِلهُكِ.” (إشعياء 62: 5)
8. جمال: فيها كلّ شخص يهتم بأناقته ليكون في أجمل صورة من الداخل والخارج أمام من يُحبه. فكلّ من الخطيبين يُجمّل نفسه للآخر والعلاقة المباركة معًا تأتي بجمال ثمرها في رفع مستوى جمال الروح الداخلي والأناقة الخارجية المتجلية في كلا الخطيبين معًا.
وفي سفر عاموس يقول “هَلْ يَسِيرُ اثْنَانِ مَعًا إِنْ لَمْ يَتَوَاعَدَا؟” (عاموس 3: 3).
وهنا نجد:
9. وعد ومواعدة: فهو لقاء ليس بالصدفة، إنما ترتيب إلهيّ واتفاق بين طرفين، على الزمان والمكان والتفاصيل.
وفي سفر الجامعة “اِثْنَانِ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدٍ، لأَنَّ لَهُمَا أُجْرَةً لِتَعَبِهِمَا صَالِحَةً. لأَنَّهُ إِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا يُقِيمُهُ رَفِيقُهُ. وَوَيْلٌ لِمَنْ هُوَ وَحْدَهُ إِنْ وَقَعَ، إِذْ لَيْسَ ثَانٍ لِيُقِيمَهُ. أَيْضًا إِنِ اضْطَجَعَ اثْنَانِ يَكُونُ لَهُمَا دِفْءٌ، أَمَّا الْوَحْدُ فَكَيْفَ يَدْفَأُ؟ وَإِنْ غَلَبَ أَحَدٌ عَلَى الْوَاحِدِ يَقِفُ مُقَابَلَهُ الاثْنَانِ، وَالْخَيْطُ الْمَثْلُوثُ لاَ يَنْقَطِعُ سَرِيعًا.” (جامعة 4: 9-12).
10. نتاجها مبارك وفعّال. أجرتها صالحة. فيها فرح وتعزية ورفقة مؤنسة.
11. دفء الحياة المبنية على المحبة.
12. فيها نصرة بتكاتف الطرفين، وفي ارتباط وثيق لا ينقطع بوجود الرّبّ في الوسط.
لنثق أن الخطوبة المبنية على مشورة الرّبّ، والطالبة مشيئته للحياة، والمستندة على رعايته وحضوره في مركز الحياة، ستتقدم إلى بناء حياة زوجية مباركة، تنطلق منها أسرة مباركة، تؤلف كنيسة بيتية صغيرة مباركة تمجد اسم الرّبّ الذي هو مصدر كلّ البركات الأرضية والسماوية. فالخيط المثلوث لا ينقطع سريعًا، فهو مكون من ثلاثة خيوط مجدولة معًا بإحكام، فمتانته أقوى بأضعاف من متانة كلّ خيط لوحده. عندما يكون الرّبّ شريك في كلّ تفاصيل حياتكما، فلا تخافا، فهو فرحكما وقوتكما ونصرتكما وحمايتكما، وبه وحده روعة حياتكما المشتركة، والمنطلقة نحو الحياة الفضلى، الحياة الممتلئة بالنعمة والسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى