الحتمية التاريخية
الحتمية التاريخية
خالد بطراوي
يظن البعض أن الأمور ستزداد ترديا مع وصول اليمين الصهيوني المتطرف قبة البرلمان ( الكنيست). لكنه، في حقيقة الأمر، وبغض النظر عن الفكر الذي يتبناه هذا الحزب الإسرائيلي أو ذاك، يساريا كان أم يمينيا، معتدلا أم متطرفا، فإن كافة الاحزاب في كيان لاحتلال تعمل لذات الأهداف والتي تتجسد في تحقيق الحلم التوراتي ببسط السيادة الصهيونية التلمودية من ” النيل الى الفرات”.
ولو تتبعنا على الأقل ما بعد حرب حزيران عام 1967 والتي أسفرت عن إحتلال الكيان الصهيوني لباقي فلسطين أو ما يعرف بالضفة الغربية ( بما فيها القدس) وقطاع غزّة، لوجدنا أن لاحتلال برر إحتلاله آنذاك بالقول أن حربه كانت “دفاعية” وليس “هجومية” ليس أكثر وأنه سوف يدير دفة الأراضي المحتلة ملتزما بالقانون الدولي وبشكل خاص باتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب وأنظمة لاهاي لعام 1907. بل وأمعن بإصدار اوامر عسكرية تؤكد سمو هذه الوثائق على قراراته، وأعلن أنه جاهز للتوصل الى تسوية يتم من خلالها إنهاء الاحتلال مقابل اعتراف متبادل وفق لقرارات الشرعية الدولية.
وفي الثلاثين سنة الأخيرة من القرن الماضي تنافس على مقاعد الكنيست الصهيوني بشكل رئيسي حزب الليكود وحزب العمل، وتعاقبت حكومات إسرائيلية من كلا الحزبين، وكان البعض يتنفس الصعداء عند فوز حزب العمل وخسارة حزب الليكود، لأنهم يعتقدون – لسذاجتهم – أن حزب العمل أفضل من حزب الليكود. لكن المتتبع لمجريات التاريخ كان شاهدا على أن حزب العمل كان ليكوديا أكثر من حزب الليكود. ومن منا ينسى سياسة القبضة الحديدية التي أعلن عنها حزب العمل مطلع ثمانيات القرن المنصرم ومارس خلالها شتى أساليب القمع والعقاب الجماعي والهدم والإبعاد والإعتقال الإداري وتوجها إبان الإنتفاضة الأولى المجيدة بسياسة تكسير العظام حيث شاهدنا جميعا تصويرا لقيام جنود الإحتلال بتكسير عظام مجموعة من شبان قرية سالم / قضاء نابلس باستخدام قطعا صخرية، ومن منا ينسى تقرير لجنة “لانداو” التي أجازت لجهاز الشاباك الصهيوني “إستخدام الضغط الجسدي والنفسي ” بغية إنتزاع إعترافات من المعتقلين الفلسطينيين.
أما عن الاحزاب التي كانت تسمي نفسها يسارية وتؤيد حل ” الدولتين” فقد كانت محدودة التأثير بل وهامشية وإستمرت على هذا النحو الى يومنا هذا وتراجعت مكانتها وأكثر ما كان يصدمنا في مواقفها إلتزامها الصمت وقت ” الميمعة”، فقلما نسمع تنديدا منها للعدوان الوحشي على أهلنا في قطاع غزة وقت العدوان وهذا أضعف الإيمان، بل نسمع تنديدا خجولا بعد إنتهاء العدوان لا يغني ولا يسمن من جوع كما يقولون.
ومع تراكم إنتهاكات الاحتلال على مدار السنوات، بات المواطن في دولة الإحتلال يعيش مرعوبا على مدار الساعة ويده “على الزناد” بل وحاصر نفسه داخل جدار للفصل العنصري فهو يعلم تمام العلم أن أفعاله هي التي قادته الى هذا المصير، وأنه لا مجال للتراجع، فأمعن في طغيانه وجبروته وأزداد تطرفه وهو في داخله على قناعة أن كل ما يفعله لن يثني الفلسطيني والعربي عن مواصله نضاله لتحرير الأرض والانسان وأن زوال كيانه جراء محصىلة أفعاله التراكمية مسألة حتمية حتى لو حظي باسناد عالمي من قوى الظلم والطغيان ومن في ركبهم.
أختلف مع الشاعر المرحوم محمود درويش عندما قال أن “على هذه الأرض ما يستحق الحياة” لأنني مقتنع تمام القناعة أن على هذه الأرض كل الحياة. إننا نراها في كل فعل فلسطيني وعربي مقاوم مهما صغر ولو ” بشق تمرة”.
هناك في مدينة طولكرم الفلسطينية الشاعر عبد الناصر صالح، وقد كتب قصديته ” المجد ينحني أمامكم” عندما كان معتقلا اداريا في سجن أنصار 3 – في صحراء النقب خلال عام 1988 يقول فيها:-
المَجدُ للحَجَرْ.. ألمَجدُ للسَّواعدِ التّي تُقاتِلْ
ألمَجدُ للمُخَيماتِ والقُرى المُحَرَّرَه
وللمدائنِ التّي غَدَتْ بُيوتُها مَعاقِلْ
ألمَجْدُ للمُلَثّمِ الذّي يَسْتَوْقِفُ المُجَنْزَرَهْ
وللعُيونِ، رَغْمَ عُنْفِ القَصْفِ والرَّصاصِ
تَبْقى ساهِرَهْ
ألمَجْدُ للمِقْلاعِ .. للمِتْراسِ
للكوفِيَّةِ السَّمْراءِ
للشَّوارِعِ المُسْتَعِرَه
ألمَجْدُ للأَطْفالِ والشَّبابِ والنِّساءِ
والجُدْرانِ والمنَازِلْ
وللذينَ يَحْرُثونَ في الصَّباحِ أَرْضَهُمْ
ويَزْرَعونَها فَتَزْدَهي سَنابِلْ
ألمَجْدُ للأَسْرى الذّينَ قاوَموا سَجَّانَهُمْ
وأَعْلَنوا عِصْيانَهُمْ وحَطَّموا السَّلاسِلْ
ألمَجْدُ للشَّهيدِ،
يَبْزُغُ النَّهارُ من شِرْيانِهِ
ومن عَيْنَيْهِ يَطْلُعُ القَمَرْ
وتَبْدأُ الحياةُ من يَدَيْهِ
تَصْهلُ الخُيولُ من أَهْدابِهِ
ويَخْرُجُ المُلثَّمونَ من دِمائِهِ
ويورِقُ الشَّجَرْ
مُلَثَّمٌ يُوّزع البَيانْ
وآخَرٌ يَكْتُبُ بالحِبْرِ على الجُدرانْ
وثالِثٌ يراقبُ المكَانْ
ورابعٌ يُلْقي على الرِّفاقِ شارةَ الأَمانْ
وخامِسٌ يُزَيّنُ الأسْطحَ بالرّاياتِ
يُعْلِنُ العِصْيانْ
وسادِسٌ يَنْهَضُ في بَسالَةٍ لِيُشْعِلَ النّيرانْ
وسابعٌ يَصيحُ: قد أَتَوْا
فَلْيَخْرج الفُرْسانُ للمَيْدانْ
وثامِنٌ يَشُدُّ من عَزيمَةِ الرِّفاقِ يُطْلقُ العَنانْ
وتاسِعٌ يَهْتِفُ أَنْ تَقَدَّموا
لا خائِفٌ مِنّا ولا جَبانْ
وعاشِرٌ يَسْقُطُ في دمائِهِ مُضَرَّجاً
يَسْتَنْطِقُ الزَّمانْ.
ألمَجْدُ للذَّينَ يَحْملونَ روحَهُمْ على أكُفِّهِمْ،
ويُطْلِقونَ أُغنياتِ النَّصْرِ
يَقْذِفونَ جُنْدَ اللّيْلِ بالحِجارهْ
ألمَجْدُ للذّينَ حَوَّلوا أَحْزانَنا لِفَرْحَةٍ
وعَصْرَنا لِثَوْرَةٍ
وأَنْقَذوا من الرَّدى تاريخَنا
وغَيَّروا مَسارَهْ
يا أَيُّها المُلَثَّمونْ
يا مَنْ بِرَغْمِ عَنْجَهيَّةِ الجَلاّدِ تَصْمُدونْ
يا أَيُّها الّذينَ عَنْ دَوْلِتنا تُدافِعونْ
وتَصْنعونَ من دِمائكُمْ مَنارَهْ
ألمَجْدُ يَنْحَني أَمامَكُمْ
وتُشرِقُ العِبارَهْ.
علموا أيها ألأحبة أطفالكم هذه القصيدة ورددوها في أرجاء الوطن العربي كي ….. تشرق العبارة.