التوحيد بين الأصالة والهوَس
التوحيد بين الأصالة والهوَس
الكلام عن التوحيد محور الخطب والدروس المسجدية والكتب والرسائل والمطويات القادمة من الخليج، كلها تركز على التوحيد الخالص، محاربة الشرك، تنقية العقيدة، اتباع السلف في صفات الله، التجسيم والتعطيل…إلى درجة أن يتساءل الناس هل ضيع المسلمون عقيدتهم إلى هذه الدرجة؟ مع العلم أننا كأمة نشكو جميع السلبيات إلا توحيد الله فهو ثابت حي في القلوب والعقول حتى لدى العصاة فضلا عن أهل الاستقامة…فلم كل هذا الغلو؟ إن المبالغين في الكلام عنه يريدون بالتوحيد مجرد ألفاظ تحفظها عل ظهر قلبك، بعيدا عن واقعك، متقوقعا على نفسك لا تقدم و لا تؤخر، بل هو جزء من تلك الموضوعات الدينية التي تستعمل لتخدير الناس وإلهائهم عن قضاياهم الكبرى…إن المسلمين موحدون وليسوا مشركين كما توحي – بل تصرح – أدبيات المدرسة الوهابية، لا يحتاجون إلى مجلدات في التوحيد ولا شروحها ولا حواشيها ، تكفيهم رسالة العقائد الاسلامية لابن باديس، ورسالة الشرك ومظاهره لمبارك الميلي، حيث البساطة واليسر والوسطية، وما أقبح خطأ من يظن أن حفظ ما في كتاب التوحيد المشهور لابن عبد الوهاب يجعل منه بالضرورة رجل عقيدة، في الحقيقة قد يجعل منه عالم عقيدة أما رجل العقيدة فلا بكل تأكيد، لأن هذا التوحيد الذين يدندنون حوله هو مجرد طبعة منقحة بل مشوهة لعلم الكلام القديم الذي تجاوزه الزمن و ما بقي لنا من حاجة إليه، وتصرفات أصحابه الغلاة جافت الإسلام العظيم ونفرت الناس منه وصرفتهم عنه بسبب التعقيدات والمماحكات وتوضيح الواضحات وتحويل الآيات المحكمات والأحاديث الصريحة إلى مادة للجدال والخصام والتنابز والتكفير…ألا نراهم يقولون عن مملكة بني سعود “بلاد التوحيد حفظها الله” و كأن باقي البلاد الاسلامية مشركة و تعبد الاوثان؟
إن معركة التوحيد ليست مع من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله بل مع الملاحدة وأصحاب عقيدة التثليث…لقد أثبت الواقع أن الإفراط في تجريد التوحيد لله يجعل من المرء إرهابيا تكفيريا، يفكر في القتل و سبي النساء وإراقة الدماء “إرضاء لله تعالى”، أي يفقد إنسانيته ويتخندق مع أشد الآراء الكلامية وأكثرها شذوذا من غير اعتبار لنصوص الشرع ولا مقاصده ولا فقه المآلات، وهو ما جرّ على الأمة من الويلات ما تجرّ ذيوله إلى اليوم لأن التوحيد تحوّل على يد التيار الوهابي الى سجل تجاري لأغراض لا علاقة لها بالتقوى والاستقامة، وأي توحيد هذا الذي يدعو إلى تأليه الحُكام وطاعة الطواغيت كما كان يطيع المسلمون الخلفاء الراشدين؟ أما باقي متطلبات الإسلام ومقتضياته فهي عنده أشياء ثانوية، ما هذا التوحيد الذي يجعل من “العلماء” مرجئة مع الحُكام وخوارج مع الأمة؟ التوحيد الخالص هو ما لا ولاء فيه لطاغية، ولا اعتراض فيه على حكم من الله، ولا طعن في آية محكمة او حديث ثابت،
إن توحيدا يحاول التقرب من الكيان الصهيوني ويصفه بكل أنواع السماحة والنبل ويدعمه في احتلال ارض فلسطين ، وفي المقابل يقوم بشيطنة أصحاب الحق المقاومين من أجل استرجاع أرضهم وحقوقهم ، و ينعتهم بصفات الإرهاب لتوحيدٌ في حاجة إلى التصحيح وإعادة النظر، والتوحيد الذي لا يصنع مسلما صالحا خلوقا رحيما عزيزا أمينا صادقا قويا هو مجرد مجموعة معلومات للجدل لا علاقة له بما كان عليه السلف، والتوحيد الذي لا يصنع مسلما مستقيما فعالا مقداما هو مجرد صنم.
التوحيد في المنظور الإسلامي ليس ما سبق بل هو فلسفة كاملة للإنسان والكون والحياة نجني ثمراتها من
الآيات والأحاديث والآفاق لتستقيم حياتنا في الدنيا وندخل الجنة في الآخرة، إنه حركة في الحياة لا تتوقف
عند سؤال هل الله في السماء؟ بل تمتد إلى قوله تعالى “وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله”…في الأرض بدينه وشريعته وأمره ونهيه…فما فائدة المشاغبة بإثبات أن الله في السماء ونحن نرى شريعته تمتهن في الأرض؟
عبد العزيز كحيل