التنف السورية: هل استوعبت أمريكا “رسالة الأسد الصغيرة”؟
الدكتور خيام الزعبي
بعد إجراء مراجعة سريعة لمجريات الأحداث في سورية، نجد أن هناك فعلاً مساع كبيرة لتحقيق الأمن والاستقرار فيها، ولکن وفي نفس الوقت هناك نوايا خبيثة ومساع مضادة من بعض الدول التي تبذل قصارى جهدها من أجل تأخير وعرقلة هذه المساعي لإنهاك سورية وتدمير مقدراتها وزعزعة استقرارها، لتحقيق أهدافها وأطماعها الاستعمارية وفق المنطق الغربي.
اليوم … لم يعد هناك مكاناً للشك في أن الطرف الأساسي الذي يقف کحجر عثرة وکمعرقل رئيسي للسلام في المنطقة هي “أمريكا” تحت إشراف ومتابعة الإستخبارات الغربية، خصوصاً وأن العالم يعلم جيداً بمدى تورطها في المسائل المتعلقة بالتدخلات السافرة في شٶون المنطقة، والذي نراه واضحاً هنا هو أن إستراتيجية واشنطن ومصالحها تقتضي عدم القضاء على العصابات الارهابية وذلك لتحقيق أهدافها في المنطقة.
على خط مواز، هناك أدلة قاطعة لقيام الولايات المتحدة بتدريب إرهابيين في قاعدة التنف العسكرية، بعد تسليحهم لشن هجمات على مواقع الجيش السوري في البادية السورية والمعابر الحدودية مع العراق، وبذلك يعود من جديد استمرار ذريعة بقاء القوات الأمريكية في سورية بحجة محاربة هذه التنظيمات المسلحة، وهذا ما أكده الرئيس الأسد بقوله: “هناك أدلة على قيام أمريكا بتدريب الإرهابيين في منطقة التنف، وليس من المستبعد أن يتم إرسالهم للقتال في أوكرانيا ضد روسيا، ماذا تستفيد الولايات المتحدة من وجودها في هذه المنطقة في قلب منطقة صحراوية؟ ليس هناك شك في أن لديها معسكرات للإرهابيين مع عشرات الآلاف من الأشخاص مع عائلاتهم “.
إن استهداف الحافلات العسكرية والمدنية هو إشعار بعودة الجماعات الارهابية، ومقدمات لظهورها من جديد، وهي رسالة أميركية واضحة أنها غير راضية عن الوجود السوري- الروسي –الإيراني شرقاً، في سياق ذلك تستغل الجماعات الارهابية البادية السورية، مستفيدة من العامل الجغرافي هناك.
مما لا شك فيه، إن رهان الولايات المتحدة الآن على الجماعات المسلحة هو لعب في الوقت الضائع، ولم تعد تخبّطاتها وسلوكياتها لتجدي نفعاً، ولا لتحقق هدفاً، فصمود هذه المجموعات لن يستمر طويلاً، كما سقوطها لم يأخذ كثيرا من الوقت، لأن سورية أوشكت أن تطوي صفحة هذه الجماعات وإرهابها، لذلك هي تترنح وترقص رقصة الموت بعد أن بلغ بها اليأس من الاستمرار في مواجهة الجيش السوري، فهي أصبحت تدرك أن نهايتها وشيكة بعد التقدم الكبير للجيش في مختلف الجبهات، وهو الانتصار الذي تحاول واشنطن وتركيا وتل أبيب وحلفاؤهما عرقلته دون جدوى.
إن الرهان على إضعاف سورية وإسقاطها فشل وهي ترفع شارة النصر، فالتطورات الميدانية والسياسية تفيد بأن خطاب النصر الذي سيلقيه الرئيس الأسد قد بات قريباً جداً بغض النظر عن التوقيت، فالمؤشرات كلها اليوم في هذه الحرب تؤكد أن التنظيمات المتطرفة المسلحة ومن ورائها على عتبة النهايات. لذلك من المأمول آن تدرك القيادة الأمريكية حجم مغامرتها اليائسة في سورية، وتبادر الى مراجعة حساباتها، وتجنب التورط بقدر الإمكان بالمستنقع السوري.
ومن هنا كانت الرسالة التي نقلها الرئيس الأسد لكل من يهمه الأمر، واضحة لا لبس فيها، بأن العصابات الارهابية ستزول من سورية لكونها آداة مأجورة للضغط والترهيب لتحقيق مكاسب سياسية، انتهى مفعولها بعد تثبيت أساس وحدة سورية عن طريق الحوارات واللقاءات الوطنية بين أبناء شعبها، كما أثبتت دمشق للعالم أجمع بأنها الأقدر على لجم أمريكا ومن يلتف معها خلف الكواليس، لذلك فأن الخبراء السياسيون والعسكريون السوريون يجمعون على أمر واحد هو أن أمريكا ليس بمقدورها مهما فعلت أن تلحق الهزيمة بالمقاومة الشعبية السورية، وليس أمامها من خيار إلا أن ترحل عن سورية، لأنها لم تعرف قدر سورية ولم تدرك مكانتها الإقليمية والدولية التي تحرق كل من يريد الإقتراب منها.
وأختم بالقول: أن كل هذه المناورات لن تنفع الولايات المتحدة، ولن تفلت من المقاومة الراغبة بطردها من المنطقة. ولعل كلام الرئيس الأسد أثناء زيارته لروسيا ولقاءه بوتن حول ضرورة خروج القوات الأمريكية من شرق سورية خير دليل على ذلك.