التقويم العالمي والزمن الشبحي، وأعياد النوروز

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

في يوم، 21 آذار، يحتفل نحو 300 مليون شخص بعيد النيروز، في غرب ووسط آسيا، وقد بدأ احتفال الأكراد بهذا اليوم باعتباره رأس السنة منذ العام 612 قبل الميلاد، أي أنهم سيدخلون العام 2634 هذه السنة. أما الفُرس، فاحتفلوا به العام 621م، وبالتالي هم الآن في سنة 1401.
ومن المعروف أن جميع دول العالم تعتمد حالياً ما يعرف بالتقويم الميلادي، وبناء عليه نحن الآن في العام 2022، ومع ذلك، لدى كثير من الشعوب تقويمات مختلفة، تنبع من ثقافاتها المختلفة، وبناء على العام الأول الذي اعتمدته بداية لتقويمها.

فمثلاً في اليابان السنة الحالية هي 3 فقط، ذلك لأن التقويم التقليدي يبدأ باعتلاء آخر إمبراطور للعرش، حيث تبوأ الإمبراطور ناروهيتو عرش اليابان سنة 2019.

وكوريا الآن في سنة 4355، إذ بدأ تقويمها بتأسيس «جوجوسيون»، سنة 2333 ق.م. والصين الآن في سنة 4720.

بالنسبة للأمازيغ فالسنة مقرونة بالسنة الفلاحية بغرض ضبط دورة المناخ، وتبدأ في 12 كانون الثاني، وحددت سنة الصفر للتقويم الأمازيغي سنة 950 ق.م، وهي سنة تولي شيشناق حكم مصر، وبالتالي نحن الآن في سنة 2972 في التقويم الأمازيغي.
في التقويم العبري نحن الآن في سنة 5782، أي أن التقويم العبري أقدم من الصيني!

وفي هذا مغالطة تاريخية فاضحة، فالديانة اليهودية تأسست في القرن الخامس قبل الميلاد بعد إعادة كورش للمسبيين من بابل إلى أورشليم، وبالتالي عمرها لا يزيد على 2500 سنة، وحتى لو افترضنا جدلاً أن اليهودية بدأت مع النبي موسى (القرن 13 ق.م) فهذا يعني أن عمرها لا يتجاوز 3300 سنة، ولو أرجعناها إلى عهد النبي إبراهيم (القرن 18 ق.م) سيكون عمرها لا يتجاوز 3800 سنة.. وكل هذا التضارب في التواريخ سببه رغبة مؤرخي اليهود ومحرري التوراة بابتداع واختراع تاريخ قديم لليهود، وقد أعادوه إلى قرون كثيرة لا علاقة لهم بها.

أما العرب والمسلمون فيعتمدون التقويم الهجري، والذي أقر بعد سنتين من خلافة عمر بن الخطاب، ليكون يوم 1 محرم من العام 17 للهجرة بداية أول سنة هجرية الموافقة لسنة 622م، وبالتالي نحن اليوم في العام 1443 هجري.

علما أن هجرة النبي محمد إلى المدينة حدثت يوم 22 ربيع الأول، (واللافت للنظر أنها نفس السنة التي اعتمدها الفُرس بداية للسنة في عيد النيروز).

قبل الإسلام كانت القبائل العربية تعتمد التقويم القمري، وكانوا يدركون عدم توافقه مع التقويم الشمسي، وتخلفه بـ11 يوماً، وما ينشأ عن ذلك من اختلاف في مواقيت الأشهر، ولحل هذه المشكلة كانوا يضيفون شهراً كل 32 شهراً، ويسمون تلك السنة بالنسيء، وبذلك تظل الأشهر العربية ثابتة في مواسمها، لتنظيم الزراعة والتجارة والمواسم الدينية، فيأتي ربيع الأول في الربيع، ويأتي رمضان في الخريف، وذو الحجة في الشتاء، وهي أشهر مناسبة من حيث الحرارة مع أشهر الصيام ورحلات الحج، وتأتي الأشهر الحرم مع موعد تكاثر الطيور وحيوانات الصحراء، فيتوقف فيها الصيد، أما صَفر، فهو الشهر الذي يصبح فيه الفرق بين طول الليل والنهار صفراً، وجمادى الأولى بداية جماد الحبوب في سنابلها، وفي ذي القعدة تشتد الرياح فيقعد الأعراب عن الرحلات الطويلة.

أما الرومان فاعتمدوا تقويمهم الخاص، حتى قام يوليوس قيصر (ت 44 ق.م) بتعديله مستفيداً من علوم الفراعنة، فجعل السنة من 365 يوماً، يضاف إليها يوم كل أربع سنوات (السنة الكبيسة)، وجعل عدد أيام الأشهر الفردية 31 يوماً والزوجية 30 يوماً عدا شهر شباط، وسمّى الشهر السابع باسمه، ثم أطلق القيصر أغسطس اسمه على الشهر الثامن مقترضا يوماً من شهر شباط ليصير 28 يوماً. واستمر كذلك حتى استبدل بالتقويم اليولياني سنة 45 ق.م.

في سنة 532 للميلاد دعا الراهب الأرميني ديونيسيوس إلى جعل بداية التقويم بدءاً بسنة ميلاد المسيح، وحتى ذلك التاريخ اعتمدت أوروبا التقويم اليولياني، حتى قام البابا غريغوريوس بالأخذ بنصيحة الفلكي أليسيوس، وذلك لضمان أن يأتي عيد الفصح في الربيع، فأصدر مرسومه بتعديل التقويم اليولياني، وحذف 10 أيام منه، فتقدم التقويم من يوم 4 تشرين الأول 1582 مباشرة إلى يوم 15 تشرين الأول من نفس العام.

اليوم، ورغم ما نعرفه عن دقة التقويم الميلادي، توجد فرضية الزمن الشبحي، والتي ما زالت تثير جدلاً صاخباً، ويقول أصحابها إن ثلاثة قرون مختفية وأضيفت قسراً إلى التقويم الغريغوري، وهي الفترة بين 614 إلى 911م، وبالتالي فإن العصور الوسطى ليست سوى كذبة مختلقة، وشخصياتها التاريخية مجرد أساطير.

يقول هؤلاء المؤرخون إن الوثائق والمخطوطات المنتمية للعصور الوسطى زورتها واختلقتها الكنيسة الكاثوليكية، أو إنها نسبتها لغير زمانها.

أثار هذا الموضوع مؤرخاً ألمانياً اسمه هيربرت إيليج في مؤتمر تاريخي عُقد في ميونخ سنة 1986، وقد صدرت عشرات الكتب والدراسات حول فرضيته، بين مؤيد ومعارض.

تزعم هذه الفرضية أنه تمت إضافة 3 قرون للتاريخ، بمؤامرة دبرت بين الإمبراطور «أوتو الثالث» والبابا «سلفستر الثاني»، والإمبراطور «قسطنطين السابع»، والذين عاشوا خلال القرن السابع، وليس العاشر الميلادي حسب السردية الرسمية، لأن الإمبراطور أوتو أراد ببساطة، أن يؤرخ حكمه على أنه السنة الألف، ليتلاءم ذلك مع المعتقدات المسيحية السائدة التي كانت تروج لعودة يسوع المخلص في الألفية الثانية. فقاموا بإتلاف المخطوطات القديمة، بمبرر التحوّل من الحروف الكبيرة إلى الصغيرة، وبالتالي، كتبوا تاريخاً جديداً، ثم قام البابا غريغور بالإصلاح الشهير للتقويم، اعتماداً على ذلك.

وكانت أوروبا خلال تلك المرحلة غارقة في الجهل والأمية، وكان الناس يحتاجون لمعرفة التقويم إلى سؤال قسيس أو كاهن عنه، وهذا ما سهّل عملية التزوير.

من البراهين التي قدمها إيليج ومؤيدوه، خصوصاً النمساوي نيميتس، والألماني هورست فيرمان، غياب أدلة أثرية تعود لتلك الفترة، مثل الكنائس، والكتب، والعملات، وأنَّ نماذج العمارة في غرب أوروبا تعود للرومان، ويفترض أن هذا الطراز قد توقف في القرن الخامس الميلادي.

وحسب هذه الفرضية نحن الآن فعلياً في سنة 1725م ولسنا في سنة 2022!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى