التقارب بين الولايات المتحدة وقسد: شيك سياسي بلا رصيد
التقارب بين الولايات المتحدة وقسد: شيك سياسي بلا رصيد
الدكتور خيام الزعبي- كاتب سياسي سوري
اليوم هناك قرار أمريكي بعزل سورية عن محيطها بالكامل وأفشال كل الجهود الإقليمية والعربية الرامية الى إيجاد حلول تدريجية للأزمة السورية والعمل على عدة مشاريع تدميرية بالاعتماد على الأدوات العميلة الفاعلة على الأرض في مناطق سيطرة قوات الاحتلال الأمريكي خاصة في شمال شرق سورية.
لم تغب الولايات المتحدة عن قيادات ايقاعات الاشتباكات في منطقة شرق الفرات، وهي تقود هذه الاشتباكات نحو تثبيت واقع جديد ، فبعد الزيارة الأخيرة للجنرال كوريلا (قائد القيادة المركزية) إلى شرق وشمال شرق سورية، كان من الواضح أن الأمريكيين أعدوا خطة جديدة لهذه المنطقة، وقد توصلوا إلى نتيجة مفادها بأنه ينبغي عليهم إعطاء هذه المناطق لقوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني، وجعل هذه المنطقة موحدة في المستقبل.
في الوقت نفسه، فإن العشائر العربية في هذه المنطقة، الذين كانوا حلفاء للولايات المتحدة خلال السنوات القليلة يشعرون بعدم الرضا والانزعاج الشديد وقد حملوا السلاح لأن الأمريكيين باعوهم للأكراد مجاناً، وعلى عكس توقعات الأمريكيين، تكبدت قوات “قسد” على الرغم من امتلاكها الكثير من المعدات والأسلحة القتالية، خسائر فادحة في المعركة مع العشائر السورية، ولم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم، ورأينا قوات “قسد” كيف تركوا العديد من مواقعهم في شرق سورية وفضّلوا الفرار.
إن التوقيت الذي اندلعت فيه الإشتباكات شكل مأزقاً كبيراً للولايات المتحدة خاصة وأنها قامت باستحضار تعزيزات عسكرية من مجلس دير الزور العسكري لمواجهة الجيش السوري وحلفائه إلا أن هذا الأمر انقلب عليها، فبدلاً من ذلك اشتدت الخلافات الداخلية بين القوى التابعة لها واحتدم الصراع بين “قسد” وأفراد العشائر العربية.
أن هذه المعركة أحرجت الأمريكيين كثيراً وشكلت ضربة قوية للسيناريو الذي كانت ترسمه هناك وهو الاعتماد على العشائر العربية بالذات لإخراج الجيش السوري من القرى السبع التي يتواجد فيها مع حلفائه في شرق الفرات ومن ثم ربط المنطقة الواقعة بين شرق الفرات ومناطق نفوذها في التنف وبالتالي إغلاق الطريق الذي يربط سورية بالعراق وإيران .
وعلى الطرف الأخر، تعتمد الولايات المتحدة على قوات قسد بشكل أساسي في تبرير وجودها على الأراضي السورية تحت ستار محاربة داعش حيث دخلت الى سورية في العام 2015 ضمن تحالف دولي سمي حينها عملية العزم الصلب لكن تواجدها اليوم هو مرتبط بصراعات المنطقة وخاصة بعد ترسيخ الوجود الإيراني والروسي في سورية.
لذلك يقف الأكراد شمال وشرق الفرات على أرض زلقة محاطة من كل جانب بخصوم لا قدرة لها على مواجهتهم، من دون دعم أمريكي، وهو دعم لن يستمر للأبد، فجنوباً على الضفة المقابلة للفرات يتربص الجيش السوري مدعوماً بحلف مركب من طهران لبيروت مدعوم هو الآخر من موسكو، وشمالاً تتربص تركيا بالمشروع الكردي على حدودها.
عموماً، اعتقد أن قيادة “قسد” وبقدر استنادها للحماية الأمريكية، إلا أنها تدرك أن هذه الحماية لن تدوم ولن تجدي طويلاً في هذه المنطقة المقتولة استراتيجياً لصالح حلفاء الدولة السورية، وهنا لا بد من التذكير بأن “قسد” التي تسيطر على قطاع كبير من المناطق السورية تلعب دور “حراس” الموارد النفطية من خلال الدعم الأميركي لها، وتزامناً مع ذلك، تتمسك الولايات المتحدة بالسيطرة على هذه المناطق، لضمان استمرار سرقة النفط والتحكم بالممرات البرية في شرق سورية لذلك يحاول البيت الأبيض تبرير سرقته للنفط ، بذريعة محاربة الإرهاب، وحماية الديمقراطية الدولية ومصالح الأكراد الذين يعملون أيضاً ضد الحكومة السورية، بينما الرئيس الأمريكي أعلن في أكثر من مرة بأنه يريد النفط السوري.
ومن الواضح أن واشنطن ستبدأ عملية عودة قواتها المسلحة إلى وطنها بعد انهاء جرائمها على الأراضي السورية وستترك الشعب الكردي في مواجهة المسائل المعلقة كما تركت الشعب الأفغاني في مواجهة مسلحي طالبان، ويجب على الشعب الكردي بأكمله وقادته أن يدرك وضعهم كـ “ورقة مساومة” في أعين البيت الأبيض فيجب عليهم أن يتفهموا عدم جدوى المزيد من التعاون والمساعدة للجانب الأمريكي على أمل حل مشاكلهم، بمعنى أن الولايات المتحدة لا تهتم بمصير عملائها أبداً.
مجملاً… أمريكا التي خسرت أهم أهداف مشروعها التخريبي بالمنطقة وخاصة في سورية، وأمام هذه المعطيات، يبدو أن “قسد” أمام خيارات صعبة وضعتها بنفسها، فهي تلعب بالنار، فالمأمول هنا آن يدرك الأكراد حجم المغامرة التي يدفعها الأمريكي نحوهم، وأن يبادروا إلى مراجعة حساباتهم، وتجنب التورط بقدر الإمكان بالمستنقع السوري، وأن يتسارعوا بخطوات التنسيق والتعاون مع الحكومة السورية. وفي إطار ذلك يجب أن يتكاتف السوريون في هذه المرحلة الحساسة وأن يوحدوا صفوفهم من أجل تحقيق الأمن والإستقرار لوطننا الغالي “سورية” والتوحد حول المشروع الكفيل بمجابهة الهجمة على سورية وشعبها وبناء مستقبلها الزاهر. وفي تقديري فإنه في هذا العام سنشهد تدويراً للكثير من الزوايا في مجمل العلاقات الدولية، والأيام المقبلة وحدها ستجيب عن ذلك.
وأختم بالقول: إن الوجود الأمريكي في سورية هش ولا يملك عوامل الاستمرار لأنه غير شرعي ومرفوض كلياً من قبل الشعب السوري والقوى المقاومة التي اتخذت قراراً استراتيجياً بإخراج الأمريكيين وتدمير أدواتهم في المنطقة، ومن هنا لا بد من التأكيد على أن المخطط الأمريكي في شرق سورية سيتحول إلى كابوس، ولا يوجد مصير سوی الهزيمة للمرتزقة والإرهابيين الذين تدعمهم أمريكا في سورية، والطريق الوحيد أمام الإرهابيين وأمريكا في سورية، هو مغادرة هذا البلد وتسليمه لشعبه وجيشه.