في الواجهة

الترامبية حركة شعبوية أمريكية جديدة ( 1 )

آدم الحسن

يمكن وصف الترامبية التي يؤسسها الرئيس الأمريكي الحالي ترامب الذي رفع شعار ” أمريكا أولا ” بالحركة الشعبوية الأمريكية النابعة من رحم الوطنية الأمريكية الجديدة .
السبب الأساسي الذي أدى لظهور الحركة الترامبية و صعود بطلها الرئيس ترامب في الساحة الأمريكية هو حاجة أمريكا الملحة لمن ينقذها من الانحدار التدريجي نحو الهاوية .
بعد انتهاء الحرب الباردة و انهيار الاتحاد السوفيتي السابق صعد نفوذ أمريكا و اصبحت القطب الأوحد في الساحة الدولية لكنها بدأت بالسير نحو الهاوية عندما تحولت الى شرطي على العالم دون أن تجد من يدفع لها و دون أن تحقق منافع اقتصادية تغطي نفقاتها العسكرية الهائلة و حروبها العبثية التي كلفت الخزينة الأمريكية ترليونات الدولارات لفرض نظام عالمي وفق المقاسات الأيدولوجية للبرالية الغربية الجديدة .
كانت الهيمنة الاستعمارية بكل أشكالها السابقة مصدر ثراء للدول الاستعمارية على حساب الشعوب التي تخضع لها , أما في حالة الهيمنة الأمريكية لفترة ما بعد الحرب الباردة فقد كانت نتائج هذه الهيمنة مجرد نزيف مستمر للاقتصاد الأمريكي حتى أصبحت الديون المترتبة على أمريكا لصالح الكثير من دول العالم و منها دول يفترض بانها دول حليفة لأمريكا تقدر بعشرات تريليونات الدولارات على شكل سندات صادرة من الخزينة الأمريكية لسد العجز في ميزان المدفوعات الفدرالية للحكومة الأمريكية .
أهنالك أغبى من هذا الشرطي الذي وافق أن يكون شرطي على العالم و يتحمل هو نفقات و أعباء الحراسة دون أن تدفع الدول التي يحرسها و يحميها هذه النفقات …؟
إن لم يتم أيجاد حلول جذرية للمشكلات المتفاقمة التي تنخر بجسد المجتمع الأمريكي و بالدولة الأمريكية فأن الإمبراطورية الأمريكية سائرة بسرعة نحو الأفول .
ليس الأنفاق العسكري الأمريكي الهائل هو العامل الوحيد في سير أمريكا نحو الهاوية الحتمية بل هنالك عوامل أخرى تدفع بأمريكا بهذا الاتجاه , يمكن تقسيم هذه العوامل الى مجموعتين , مجموعة العوامل الاقتصادية و مجموعة العوامل المجتمعية .
مجموعة العوامل الاقتصادية :
اولا : الدين العام
استمر صعود الدين العام الأمريكي دون توقف منذ انتهاء الحرب الباردة و لحد الآن حتى وصل الى أرقام فلكية حيث تجاوز هذا الدين قبل نهاية سنة 2024 عتبة ال ( 35 ترليون دولار ) بعد أن كان لا يتجاوز 2 تريليون دولار سنة 1990 .
أن الأمر الأكثر خطورة في مشكلة الدين العام الأمريكي هو أنه لم تكن هنالك خطة لوقف صعود سقف هذا الدين , إن كل ما فعلته الإدارات الأمريكية السابقة هو ترحيل هذه المشكلة الى الإدارات التي تأتي بعدها و ذلك برفع سقف الدين العام , إذ في كل الحالات كان الذي يحصل هو توافق بين الحزبين الأمريكيين الديمقراطي و الجمهوري على رفع جديد لسقف هذا الدين تفاديا لحالة الاغلاق التام لنشاط حكومة امريكا الفدرالية .
في برنامج الرئيس الأمريكي ترامب مساعي جادة تهدف لتقليص حجم الدين العام بشكل تدريجي من خلال زيادة ايرادات الحكومة الفدرالية و تقليص نفقاتها خصوصا تلك التي تنفق للمساعدات الخارجية للعديد من الدول مع تقليص نفقات الجهد العسكري لحماية دول حلف الناتو و تحميل هذه الدول كلف هذا الجهد من خلال زيادة مساهمتهم في ميزانية الحلف لتصل الى ما لا يقل عن 5% من الناتج المحلي لهذه الدول .
في ولايته الأولى هدد الرئيس ترامب دول حلف الناتو بانسحاب أمريكا من هذا الحلف إن لم تلتزم دول الحلف في إنفاق ما يتوجب عليها انفاقه لتغطية نفقات الحلف , في هذه الولاية الثانية ليس مستبعدا أن يعيد الرئيس ترامب تهديده بانسحاب امريكا من الناتو و قد يكون هذا التهديد بسخونة أكبر من التهديد السابق , فهو يرى أن ليس من المعقول تحمل امريكا للجزء الأكبر من نفقات الناتو و هذا الحلف قد تأسس بالأساس لحماية الدول الاوربية .
الأمر لا يتعلق بحجم مساهمة دول حلف الناتو في تغطية نفقات هذا الحلف فقط بل سيمتد تطبيق هذا المبدأ ليشمل دول خارج الحلف , فمن يحتاج للحماية الأمريكية عليه أن يدفع لأمريكا مقابل هذه الحماية ,
ثانيا : الخلل في الميزان التجاري
اصبح الميزان التجاري لأمريكا مع الدول الأخرى يميل لصالح دول عديدة على حساب المصالح الأمريكية حيث أصبح هذا الخلل خطرا على مستقبل أمريكا الاقتصادي بتحولها الى سوق للدول الأخرى لتصريف بضاعتها مما يسبب في تراجع النشاط الصناعي في أمريكا .
بدأ الرئيس ترامب تنفيذ برنامجه الجاد لتقليص حجم اجمالي العجز في الميزان التجاري و الذي يصب الآن في مصلحة دول عديدة على حساب مصلحة أمريكا .
حين يتعلق الأمر بالعجز في الميزان التجاري لا فرق لدى الرئيس ترامب بين دولة حليفة و أخرى غير حليفة , لذا فقد بدء بفرض رسوم جمركية على السلع الواردة من كندا و المكسيك بمقدار 25% , ثم علق تنفيذ هذا القرار لمدة شهر لإعطاء فرصة لإيجاد حل لهذا الخلل من خلال المفاوضات مع هاتين الدولتين حيث أن هذه الرسوم ستكون قابلة للزيادة و النقصان أو للإلغاء و ذلك حسب نتائج هذه المفاوضات .
لقد فرض الرئيس ترامب ايضا رسوم جمركية بمقدار 10% على البضائع الواردة من الصين صاحبة اكبر فائض تجاري لصالحها يقدر حاليا بأكثر من 300 مليار دولار سنويا , هذا الإجراء مجرد بداية لمواجهة تجارية حادة بين أمريكا و الصين ستدفع بالدولتين للدخول في حرب تجارية مكلفة للدولتين , من المؤكد أن هذه الحرب التجارية ستدفع الصين باتجاه توثيق علاقتها الاستراتيجية الشاملة مع روسيا و الاندماج بقدر أكبر بالجنوب العالمي اقتصاديا و سياسيا , عندها ستدرك أمريكا أنها أرادت الخروج من مأزق فدخلت في مأزق أكبر ليس بإمكانها الخروج منه .
أن الرئيس ترامب يعتبر الصين العدو الأول الذي يهدد الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي لكونه لا يدرك أن عصر الهيمنة قد انتهى و لم يعد بمقدور أي قطب من الأقطاب فرض هيمنته على العالم الذي أصبح متعدد الأقطاب .
أما إجراءات الرئيس ترامب تجاه الدول الأوربية فهي قادمة حيث ستكون هنالك حرب تجارية بين أمريكا و هذه الدول , حرب حادة لها انعكاسات سياسية كبيرة على الصعيد الدولي , ستكون من نتائجها ضعف الدور الأمريكي في الساحة الدولية .
لن يستثني الرئيس ترامب أي دولة في العالم من إجراءاته الحاسمة لتنفيذ شعاره ” أمريكا أولا ” عدا إسرائيل التي ستحظى بالأولوية في كل شيء حتى لو كان ذلك على حساب المصالح الأمريكية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى