التاريخ يراقب والاعتذار من دون تغيير خطيئة كبرى !
التاريخ يراقب والاعتذار من دون تغيير خطيئة كبرى !
قال تعالى في محكم التنزيل : ” يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ ۚ قُل لَّا تَعْتَذِرُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ ” .
احمد الحاج
وأنا أكتب هذه السطور كنت أتابع عن كثب كيف أخفق مجلس الأمن الدولي مجددا كعادته خلال جلسته الطارئة حول الاوضاع في الشرق الاوسط ، وكيف فشل بتمرير مشروعي قرار،الأول أمريكي يصب في صالح الكيان الصهيوني المسخ كليا، والثاني روسي يمسك العصا من الوسط آخذا بعين الاعتبار معاناة الشعب الفلسطيني ولو جزئيا “لا حبا بموسى بطبيعة الحال ،ولكن نكاية بفرعون” وذلك على خلفية رفع كل من روسيا وأميركا ما يسمى بحق النقض -الفيتو- الذي يتلاعب الاعضاء الدائميون من خلاله بمصائر الامم والشعوب، ليتباريا بينهما في سباق محموم أصبح سمجا ومملا للغاية لإفشال كل منهما مشاريع الآخر حتى أن كثيرين صاروا يتندرون ويتهكمون على هذا المجلس – الوهمي- وبما يحلو لهم تسميته بـ “مجلس العفن الدولي”، في وقت تشير فيه الاحصائيات الى أن أعداد الشهداء في قطاع غزة،علما أن الاحصاءات تتغير تصاعديا في غضون ساعات نتيجة العدوان الصهيوني الغاشم قد بلغت 6546 شهيدا، بينهم 2704 أطفال، و1584 امرأة ، و364 مسنا إضافة الى إصابة 17439 فلسطينيا بجراح مختلفة، منهم 756 شهيدا، بينهم 344 طفلاً ارتقوا خلال يوم واحد فقط ،أقول وأنا أكتب هذه السطور ترن في أذني العبارة التي جاءت على لسان منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة والتي قال فيها “إن التاريخ يراقب” ودعوني أصحح معلومة ومقولة مارتن غريفيثس، لأن العبارة الصحيحة هي “إن الله تعالى يراقب ويحاسب ، ومن ثم التاريخ ” .
وفي خضم هذه الابادة العرقية، وتلكم المجازر الجماعية التي ترتكبها حكومة النتن جدا ياهو الصهيونية والتي بلغت بحسب شبكة القدس الاخبارية ” أكثر من 33 طنا من المتفجرات ألقيت على كل كيلومتر مربع بقطاع غزة منذ بدء العدوان، وبما يفوق 12 ألف طن من المتفجرات ما يعادل القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما لتسفر عن خروج 12 مستشفى و32 مركزا صحيا عن الخدمة حتى الآن ، والحصيلة مرشحة للزيادة في أية لحظة لن ينفع معها الندم أو الاعتذار مستقبلا كما فعلت هولندا وكندا على استحياء، لأنها جرائم حرب ضد الانسانية لا تسقط بالتقادم،ولأن الاعتذارات المتأخرة من دون تعويض مادي ومعنوي للضحايا،ولا تغيير في الاقوال والافعال فضلا على النوايا = تعد جريمة وخطيئة مكتملة الأركان !
وأسأل كلا من بايدن الذي أكد على،إن”واشنطن تقف إلى جانب إسرائيل وتدعمها، ومستعدة لتلبية كل احتياجاتها ” كذلك زوج الست ماكرون الذي يريد تحشيدا دوليا لمحو غزة من الخارطة وتهجير أهلها عنوة بذريعة سحق حماس، وقد وصف عملية طوفان الاقصى بأنها “صفحة سوداء في تاريخنا”وفات الماكر رون بأن كل تاريخ فرنسا أسود، كذلك الهندوسي ريشي سوناك، الذي أكد بدوره على أن “بلاده بريطانيا تقدم كل أشكال الدعم لإسرائيل” زيادة على معظم رؤساء وملوك أوربا،هل نسيتم ماضي امريكا وفرنسا وبريطانيا وبقية الأوروبيين و تاريخهم الاستعماري الامبريالي الدموي ولقرون طويلة في معظم دول العالم ؟!
وعلى الجميع أن يعلم بأن الاعتذارات اللاحقة لن تجدي نفعا ولاسيما أن ما تقولونه بحق الشعب الفلسطيني ، هو ذاته الذي سبق لكم وأن رددتموه من قبل بحق الهنود الحمر حين وصفتموهم بأنهم جنس لعين وأمة متوحشة تستحق الزوال ، لأن الخلاص من الهنود الحمر أقل تكلفة من محاولة تمدينهم، لتعملوا على نشر وباء الجدري والطاعون والحصبة والأنفلونزا والسل والكوليرا بينهم عمدا وفقا الأنثروبولوجي الأمريكي هنري دوبينز ، في كتابه ” أرقامهم التي هزلت” فضلا على مجازر ذهب ضحيتها 10 ملايين هندي أحمر وصفت بأنها أضرار هامشية لنشر الحضارة الاوربية، فأي اعتذار يمكنه أن يعيد للضحايا اعتبارهم بعد قرون من التهميش المشفوع بالاقصاء والابادة الجماعية والعرقية والدينية ؟والانكى من ذلك كله هو تزوير التاريخ ، والنأي بالنفس عن تصحيحه ، وتقويمه وبإصرار ، بل واعادة استنساخه مجددا وبذات التلفيقات والاكاذيب في الشرق الاوسط !
هل تذكرون شعوب”الأمم الأولى” و”ميتيس” و”اينويت”الكندية ممن تعرضوا الى جرائم ابادة عرقية ودينية وثقافية زج خلالها اكثر من 150 ألف طفل منهم وبما يعادل 30٪ من أطفال السكان الأصليين بعد ابعادهم عن ذويهم قسرا وسوقهم إلى 139 مدرسة داخلية أشرف على إدارة 44% منها خلال 100 عام الرهبان وأعضاء من الكنيسة الكاثوليكية مات بداخلها أكثر من 6 آلاف قاصر،ما دفع بابا الفاتيكان فرنسيس الى تقديم الاعتذار المتأخر ثلاث مرات على خلفية اكتشاف العديد من المقابر الجماعية داخل المدارس الداخلية الكاثوليكية في كندا بواقع 1100 قبر بلا شواهد تضم رفات المئات من نزلاء المدارس الاجبارية وبعضهم لم يتعد عمره ثلاث سنين وكلهم قد تعرضوا للعنف والتجويع والقهر اضافة الى الاذلال ، والاغتصاب ،والاهمال ، والى محو اجباري للغة المحلية ، ومسخ مدروس للهوية الثقافية لعقود طويلة ولاسيما بين 1867 و 1939 داخل المدارس الداخلية وقد كشف النقاب مؤخرا عن أسماء 2800 طفل منهم توفوا داخلها حتى الآن فهل يجدي هذا الاعتذار نفعا؟!
وأذكر كل من يتحرك أو يريد إخراج الفلسطينيين من قطاع غزة الى صحراء سيناء أوالنقب بزعم اعادتهم إليها بعد انتهاء الأزمة وهيهات فما أخرج شعب من أرضه ودياره إلا وبقي في الخيام والمنافي والشتات طوال حياته إلا إذا عاد بالقوة، والقوة فحسب وما أخذ بالقوة لايسترد إلا بالقوة وبغير ذلك فلن يعيده أحد اليها قط وما يزال نصف الشعب الفلسطيني مشتتا و لاجئا في كل بقاع الارض منذ عام 1948 !
وأذكر بما تناقله وسائل الإعلام كاشفة عن أن الهنود الحمر ما زالوا يعيشون على الهامش ولاسيما في كندا حتى أن 86 شخصا من أقلية “كري” الهندية قد حاولوا الانتحار في غضون شهر واحد، إضافة الى أكثر 140 محاولة وتهديد بالانتحار سجلت بينهم خلال ثلاثة أشهر في قرية نائية زيادة على تسجيل مقتل او اختفاء 1182 امرأة هندية من السكان الأصليين في ظروف غامضة ما دفع جمعية الأمم الأولى التي تمثل السكان الأصليين الى إطلاق تحذير خلاصته أنها مأساة وطنية تتطلب إجراءات فورية فليست المخدرات والخمور وحدها من يفتك بهنود كندا ، وانما البطالة الخانقة والفقر المدقع والاكتظاظ داخل كامبات معزولة فضلا على استدعاء الماضي المأساوي لأجدادهم في نوستالجيا متواصلة تتناقلها اجيالهم كابرا عن كابر كذلك .
ولم يختلف الحال مع إعتذار هولندا المتأخر نزولا على ضغوط شعبية،ونيابية كبيرة لفتح ملف العبودية الهولندي على رؤوس الأشهاد ، مع عدم كفاية الاعتذار ما لم تعقبه أبحاث تاريخية،ومساءلات قانونية،وتعويضات مادية،لأحفاد المتضررين ،والمستعبدين ، حين قال رئيس الوزراء الهولندي (أتقدم بالاعتذار اليوم فقد مارست الدولة الهولندية وممثلوها وعلى مدى قرون العبودية وحرضوا عليها وأفادوا منها) وذلك في معرض حديثه عن جرائم “العبودية” الهولندية التي استمرت 250 عامًا يوم كانت هولندا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر تعد ثالث أكبر قوة استعمارية في العالم بعد إنكلترا وفرنسا وقد اسهمت بتجارة العبيد من خلال أسطولها البحري حيث استعبدت نحو 600 ألف افريقي تم نقلهم قسرا من افريقيا الى أمريكا الجنوبية والكاريبي يوم كانت لهولندا مستعمرات في سورينام ، وجزيرة كوراساو الكاريبية وجنوب إفريقيا وإندونيسيا حيث مقر شركة الهند الشرقية الهولندية ، وما يزال أحفاد العبودية الهولندية يحييون ما يعرف بـ (كيتي كوتي) أو (كسر القيود) في سورينام سنويا مطالبين بالتصدي للعنصرية في عموم هولندا اضافة الى التعويض واستعادة الأعمال المنهوبة والمساءلة والاعتراف بآثار الاستعمار وفقا لهيومن رايتس ووتش ، فضلا على تشكل لجنة مستقلة تضم حقوقيين ومؤرخين لإجراء أبحاث حول تلك الفترة بمشاركة (جامعة ليدن) وإنفاق 23 مليون جنيه استرليني على (متحف العبودية) وفقًا لهيئة المعلومات الهولندية .
فيما اضطر ملك هولندا وبعد فتح الجرح الغائر رغما عن أنفه الى اصدار أوامر للتحقيق بدور العائلة المالكة ومعرفة دور (بيت أورانج ناسو ) في التاريخ الاستعماري على حد وصفه حيث كان أسلاف الملك قد شاركوا في تجارة الرقيق عبر الأطلسي من خلال شركة الهند الغربية الهولندية الا أن الاعتذار وحده لا يكفي لأن الاسترقاق وتجارة الرقيق ذات تأثير مستمر على أحفاد المستعبدين لابد من التعويض المادي والمعنوي والادبي لأحفاد المستعبدين بالتشاور مع المجتمعات المتضررة بحسب هيومن رايتس ووتش .
ولاشك أن ما جرى على الهنود الحمر والسكان الاصليين في الامريكيتن وافريقيا ماضيا حيث محو الهوية ، والتهجير القسري ، والقمع الجماعي، والاستعباد ، والابادة العرقية ، والمجازر الجماعية ، والتمييز العنصري ، انما يراد استنساخه وتطبيقه على كل فلسطين لصالح الكيان المسخ مشفوعا بإتفاقات ابراهام ، وصفقة القرن ، والتطبيع ، وبمساندة المنبطحين والمتخاذلين من أبناء جلدتنا لبناء ما يسمى بهيكل سليمان على أنقاض الأقصى المبارك ، ولتحقيق حلمهم الوهمي ” من النيل الى الفرات ” ولكن هيهات ! أودعناكم اغاتي