البطالة .. إحصاء العاطلين عن العمل و أنواع البطالين
محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
تعد البطالة من أهم المشكلات المعاصرة في العديد من المجتمعات الإنسانية، والتي تعني عدم وجود عمل مناسب للأشخاص الذي يمتلكون المهارات والخبرات التي تؤهلهم لشغل بعض المناصب والمسميات الوظيفية، وتعد ظاهرة البطالة من الظواهر التي تؤخذ بالاعتبار عند قياس قوة الاقتصاد بالنسبة للدول من خلال ما يعرف بمعدل البطالة العام في الدولة، حيث تسعى الدول بشتى الوسائل إلى زيادة فرص التشغيل، وتخفيض نسبة البطالة إلى أدنى درجة ممكنة.
والبطالة من الخصائص الهيكلية التي تميز الاقتصاد المعاصر في البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء، فالانكماش الاقتصادي الذي شهدته البلدان الغربية عقب أزمة النفط الأولى (1973)، والسياسات النقدية التقييدية التي انتهجتها الحكومات رغبة في كبح جماح التضخم أنهت كلها عقودا من التشغيل الكامل للعمالة الذي شهدته هذه البلدان خلال ثلاثين عاما امتدت من عام 1945 وحتى عام 1975.
وقد أصبحت البطالة منذ 1975 جزءا لا يتجزأ من المشهد الاقتصادي العام في كل البلدان، وبدأ الحديث في الأوساط الأكاديمية عن “معدل البطالة الطبيعي” الذي لا يمكن النزول عنه من دون التسبب في التضخم.
حساب معدل البطالة :
إن معدل البطالة هو النسبة المئوية لعدد العاطلين عن العمل من إجمالي السكان القادرين على العمل، ويشمل مفهوم السكان القادرين على العمل وفق تعريف منظمة العمل الدولية جميع الأشخاص الذين ما زالوا في سن العمل، سواء كانوا يعملون فعلا أو يبحثون عن عمل، وسواء كان عملهم مأجورا أم غير مأجور.
وليس كل من لا يعمل يعد عاطلا عن العمل، فلكي يحسب الفرد عاطلا في الإحصائيات الرسمية لا بد من أن يكون عاكفا على البحث فعليا عن العمل، ولهذا فالتلاميذ والطلبة ومن استغنوا عن العمل ومن توقفوا عن البحث عنه لا يعتبرون من العاطلين، ولا يؤخذون بالحسبان عند قياس معدل البطالة.
معدل البطالة الطبيعية :
وهو المستوى الذي لا يمكن النزول عن مستواه من دون أن يؤدي التدخل الحكومي عبر السياسة النقدية أو الانفاقية إلى تسريع التضخم .ويحدث ذلك بسبب انعدام المرونة في سوق العمل حيث يحول الحد الأدنى للأجور دون انخفاض الأجور إلى المستوى الذي يحفز التشغيل عندما ترتفع البطالة . وتعمل مرونة السوق في العادة إلى تخفيض معدل البطالة الطبيعية ونقلها إلى مستوى البطالة الاحتكاكية .
النمو والبطالة :
يلعب النمو الاقتصادي دورا هاما في تراجع معدلات البطالة ، وقد أثبتت الدراسات وجود علاقة طردية بين النمو والبطالة ، وقد يكون قانون “إرثر أوكن” نموذجا لهذه العلاقة الطردية . يفترض قانون أوكن أن كل ارتفاع في الناتج المحلي الاجمالي مقداره 3% يقابله تراجع في معدل البطالة بمقدار نقطة مئوية واحدة . ويختلف تطبيق قانون أوكن من بلد إلى آخر حسب الحالة والنهج الاقتصاديين إذ تؤثر نوعية الأنشطة الاقتصادية الانتاجية على النمو الاقتصادي فالخدمات تستهلك عددا أكبر من اليد العاملة في حين تستهلك أنشطة أخرى عددا أقل مثل المنظمات التي تعتمد الأتمتة والبرمجة والآلات المبرمجة .
أنواع البطالة :
تتمثل في وجود مجموعة من الأنواع التي يكون بها الأفراد غير قادرين عن القيام بالمهام الوظيفية التي يتقنونها ، ومن أنواع البطالة المعروفة والمصنفة دوليا يمكن أن نذكر:
البطالة الاحتكاكية:
توجد البطالة الاحتكاكية عندما يكون هناك نقص في التكيف بين الطلب على العمالة وتوريدها. وينجم ذلك عن نقص المعرفة من جانب أرباب العمل حول توافر العمال أو من جانب العمال أن العمل متاح في مكان معين.
البطالة الموسمية:
تنتج البطالة الموسمية من التقلبات الموسمية في الطلب. فالعمل في معاصر الزيتون مرتبط بموسم القطاف والعمل في مصانع الثلج ومراكز الاصطياف مرتبط بفصل الصيف.
البطالة الدورية:
تنشأ البطالة الدورية بسبب التقلبات الدورية في الاقتصاد. تتكون دورة العمل من فترات متغيرة من فترات الازدهار والركود. وعند انخفاض دورة الأعمال ، ينخفض الدخل والإنتاج مما يؤدي إلى انتشار البطالة.
البطالة الهيكلية:
تنتج البطالة الهيكلية من مجموعة متنوعة من الأسباب. فقد تكون بسبب عدم وجود عوامل الإنتاج المتعاونة ، أو التغييرات في البنية الاقتصادية للمجتمع. تعني كلمة “هيكلية ” أن “التغيرات الاقتصادية هائلة ، واسعة النطاق ، عميقة الجذور ، تصل إلى تحويل الهيكل الاقتصادي ، أي وظائف الإنتاج أو توزيع إمدادات العمالة.
البطالة التكنولوجية:
وهي البطالة الناتجة عن وسائل الإنتاج الحديثة حيث تؤدي الابتكارات إلى اعتماد آليات واختراعات جديدة ، مما يؤدي إلى الاستغناء عن العمال الحاليين الذين يتحولون إلى عاطلين عن العمل. تساهم الأتمتة في تشريد العمال التقليديين والاستغناء عنهم نظرا لأن أي عمل جديد يتطلب عمالا أقل من ذي قبل .
البطالة المقنعة:
تعد البطالة المقنعة أو المخفية أو العمالة الناقصة سمة بارزة في البلدان المتخلفة. هذه البطالة ليست طوعية فالناس على استعداد للعمل ولكنهم غير قادرين على العثور على عمل طوال العام بسبب عدم وجود عوامل تكميلية. وتوجد هذه البطالة بين صغار المزارعين الذين لا أرض لهم وصغار المزارعين بسبب الطبيعة الموسمية للعمليات الزراعية والأراضي والمعدات غير الكافية لإبقائهم يعملون بشكل كامل. كما تكثر البطالة المقنعة في البلدان التي تعتمد أسلوب التوظيف الاجتماعي للعاطلين عن العمل بحيث تصبح المؤسسات متخمة بالعمال على حساب نوعية العمل.
البطالة الاختيارية:
البطالة الاختيارية هي الحالة التي ينسحب فيها شخص من عمله بمحض إرادته لأسباب معينة قد تكون سياسية أو اقتصادية أو معرفية .
البطالة الإجبارية:
البطالة الإجبارية هي تلك الحالة التي يجبر فيها العامل على ترك عمله أي دون إرادته لأسباب سياسية أو اقتصادية أو معرفية مع أنه راغب و قادر على العمل عند مستوى أجر سائد، وقد تكون البطالة الإجبارية هيكلية أو احتكاكية.
أخطار البطالة على المستوى الفردي والمجتمعي والوطني:
تسبب البطالة الكثير من الأخطار على المستوى الفردي والمجتمعي والوطني يمكن أن نلخصها بما يلي:
أخطار البطالة على المستوى الفردي :
• تدني احترام الإنسان لذاته.
• الشعور بالإحباط والكآبة .
• زيادة الأعباء المالية .
• القبول بوظيفة أقل .
• تكيف الفرد مع المتغيرات وعدم القدرة على التحكم بها.
أخطار البطالة على المستوى المجتمعي:
• هجرة الكفاءات العلمية وهروب الأدمغة.
• ارتفاع معدل الجريمة .
• ارتفاع مستوى تعاطي المخدرات .
• ارتفاع نسبة الطلاق .
• العنوسة .
• تأخر سن الزواج .
• عدم القدرة على تكون عائلة .
• ارتفاع معدل الانتحار.
• انخفاض القوة الشرائية .
أخطار البطالة على المستوى الوطني :
• زيادة التضخم .
• تدني الأجور .
• اضطراب الحياة الاجتماعية .
• اضطرابات نفسية مجتمعية .
• قلة الانتماء الوطني وهجرة الانتماء
• زيادة النقمة الشعبية.
• زيادة الارهاب .
• العجز في الموازنة العامة للدولة .
• نزيف الخبرات الوطنية نتيجة الهجرة .
• عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
نحو استراتيجية وطنية لمحاربة البطالة :
تعد البطالة بمثابة قنابل موقوتة تهدد الاستقرار وتشجع الإرهاب، يمكن اعتماد استراتيجية وطنية لمحاربة البطالة بأشكالها من خلال اتباع المقترحات التالية :
• تأهيل الشباب حديثي التخرج
• خلق خارطة معلوماتية قومية للوظائف المطروحة والباحثين عنها.
• تأسيس بنك معلومات قومي للخبرات والكفاءات ورعايتها.
• تنظيم عملية استقدام العمالة الأجنبية وتقنينها.
• ترشيد عملية استقدام العمالة الأجنبية وذلك من خلال حصرها في مهن محددة.
• تحسين الأداء الاقتصادي وتشجيع مناخ الاستثمار.
• تحقيق النمو الاقتصادي.
• زيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية وطرح التسهيلات.
• احصاء عدد السكان النشطين اقتصادية والتحرك السريع باتجاههم.
• مساهمة مؤسسات المجتمع المدني في تدعيم شبكات الأمان الاجتماعي .
• تمكين المرأة وتوظيف قدراتها ومشاركتها في الحياة العامة.
• تشجيع التعليم الفني المهني لكلا الجنسين .
• دعم عملية التدريب المستمر، وبخاصة التدريب التأهيلي والاستثمار فيه.
• دعم عملية التعليم المستمر للقوى العاملة، وبخاصة لمن هم دون الشهادة الثانوية.
وختاما للبطالة انعكاساتها على المجتمعات ماديا ومعنويا وعلى جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، مما يتوجب على الجميع أفرادا وحكومات الإسراع إلى تدارك المشكلة واحتوائها عن طريق إيجاد علاج مناسب لها للنهوض بالمجتمع ومؤسساته المختلفة.