تعاليق حرةتقاريرتقارير وأخباررأي

الببغائية السردية المغتربة والمتحيزة = انحسار المعارف واحتضار الثقافات !

احمد الحاج جود الخير
نعم أدرك مليا ،وأعي تماما ،وأفهم يقينا لماذا يستشهد بعض الشباب المخلص وأمثالهم من أنصاف المتعلمين والمثقفين الصادقين ممن يطمحون بتسريع وتيرة الإصلاح القيمي والتغيير المجتمعي نحو الأفضل،مستعينين بين الحين والآخر بمقولات جاهزة لكبار المفكرين ولمشاهير الدعاة والمصلحين تمهيدا لنشرها على صفحاتهم ومنصاتهم في مواقع التواصل وكأنهم ينبئون مشكورين بلسان الحال فضلا على المقال بأن هذا هو أقصى ما يجدونه أمامهم ويقدرون عليه وبما يمثل جهد المقل وكلٌ بحسب قدرته لخدمة كلٍ بحسب فهمه واستيعابه ..ووولكن الذي لا أفهمه هو لماذا لايُنتج المتعلمون ،ولا يَبتكر المثقفون مقولات نافعة تصاغ من بنات أفكارهم لتخط بأناملهم وفقا لرؤيتهم مستلهمة من خلاصة ما قرأوه وتعلموه وفهموه واستوعبوه طيلة عقود من التعلم والتعليم ، فهل يعقل أن باحثين ومفكرين واكاديميين عراقيين معروفين يشار لهم بالبنان وبعضهم له من الكتب والمؤلفات والمصفنات والبحوث ما يغطي عين الشمس ،ثم لا يكتب أحدهم على صفحته سطرا واحدا من بنات أفكاره أو من مداد قلمه ليستشهد بدلا من ذلك على الدوام ، وعلى مدار الساعة ، وعلى خطى الشباب والمراهقين دونه من أنصاف المتعلمين والمثقفين بمقولات سبق وأن قالها وكتبها وصاغها وأبدعها من يناظرهم شهادة ومكانة وعلما في مصر وسوريا والأردن والمغرب وتونس والجزائر والخليج العربي مع فائق تقديري واحترامي للجميع ؟!
الحقيقة لقد أرقتني هذه الظاهرة كثيرا وأصابتني بالحيرة والدوار في محاولة مضنية لتفسيرها أو حتى تبريرها إذ لم أجد لها تفسيرا سوى “التعويل التام على السردية الببغائية لما أبدعه آخرون في النشر بغية التغيير والإصلاح حيث صفحات ومنصات عراقية بأكملها وإذا ما أرادت النصح والتوجيه والوعظ والإرشاد والتوجيه والتربية فإنها إما تسافر الى التاريخ فورا ، وإما أنها تهاجر الى الجغرافية القريبة والبعيدة بحثا عن نصوص تسعفهم ، وقلما تجد باحثا وكاتبا عراقيا يكتب جملة مفيدة واحدة من نظمه ومن عصارة جهده وفكره بناء على خلفيته الثقافية ،ومحصلته المعرفية ،وشهادته الاكاديمية ، وإن كان ولابد فعلى أقل تقدير ليكن اقتباسه من عراقي مثله ليقال وحين يقرأ أشقاؤنا العرب بعض أو جل ما نكتبه في صفحاتنا بأن عندنا من الأعلام مثلما عندهم ، وأننا نحترم ونُجٍلُ أعلامنا كما يَحترمون ويُجلون أعلامهم ، لنكتب على سبيل المثال وليس الحصر “قال عالم اللغة العراقي …قال المفكر العراقي ..يقول الأديب العراقي …يرى الواعظ العراقي ..لقد بين الفيلسوف العراقي ..وبحسب عالم الاجتماع العراقي – باستثناء علي الوردي طبعا -” وإذا بهم جميعا إلا ما رحم ربك ينشرون عبارات جاهزة ومقتبسة من سواهم ولاعيب في ذلك طبعا ، إلا أن الموازنة مطلوبة فتارة من هنا وتارة من هناك ، وإذا بجميع ما ينشرون مقتبس بالنص غير جديد في بابه ، ولا مبتكر في مضمونه، واذا بكل اقتباساته عبارة عن ” قال طه حسين ..قال العقاد ..قال محمد الماغوط ..قال نزار قباني …قالت غادة السمان …تقول أحلام مستغانمي ..يقول محمود درويش ” وهلم جرا هذا في حال كان النص عربيا أما في حال التغريب المقتبس عن المشاهير الأجانب ،فحدث ولا حرج ولاسيما وأن بعضهم مصاب بعقدة الخواجة الى حد التخمة ” ولا أدري لماذا لايقال ” قال الدكتور محمد فاضل السامرائي …قال انستاس الكرملي ..قال طه باقر ..قال بهنام أبو الصوف ..قال عماد عبد السلام رؤوف ..قال عبد الرحمن التكريتي ..قال مصطفى جواد ، قال محيي هلال السرحان ، قال عالم الاندلسيات عبد الرحمن علي الحجي، قال بشار عواد معروف ، وهكذا دواليك “ربما لأنه وعلى قول المثل الدارج مع الفارق الكبير في القياس بطبيعة الحال”إن مغنية الحي لا تطرب ” وأضيف وهذه من جعبتني ” إن مقولات وروائع الأقربين لا تعجب”وتعليلي لهذه الظاهرة بأن مردها يعود الى الخلفيات السياسية أو الدينية أو الطائفية أو القومية لمقتبسي النصوص اضافة الى الخلفيات المناظرة أو المتقاطعة مع كل مفكر من مفكرينا الكبار وعلمائنا الأعلام الأفاضل ، ما يدفع بعض مفكرينا وكتابنا واكاديميينا ومثقفينا لتخير مقولات بعض هؤلاء الأعلام – طائفيا وقوميا ودينيا – لغرض الاقتباس والاستشهاد دونا عن الآخر ، فمن يقارع الشيوعية فلن يستشهد ببيت للجواهري ،وإن كان يخدم غرضه ، وإن كان يوازي شعر أحمد شوقي برمته،ومثلهم من له موقف من القومية فهذا لن يستشهد ببيت لبدر شاكر السياب،ولو فاق بلاغة كل دواوين نزار قباني، كذلك من له موقف من الجمهورية فلن يستشهد ببيت للرصافي ولو فاق حسنا كل دواوين عشاق الملكية والعكس صحيح، من له موقف من الاسلاميين فلن يستشهد ببيت واحد للرائع وليد الاعظمي ولو فاق نظما كل دواوين أمل دنقل ، من يبغض نظام ما قبل 2003 فلن يستشهد ببيت لعبد الرزاق عبد الواحد ، ولو فاق نظما كل دواوين محمود درويش ، وقس على ذلك ما شئت فمن له موقف سياسي من العرب أو الكرد أو التركمان، السنة أو الشيعة ، المسيحيين أو المسلمين ، فلن يستشهد بمقولات لخيرة شعرائهم وأدبائهم ومفكريهم وروائييهم مفضلا السفر الى التاريخ بمركبة الزمن ، أو الهجرة الى الجغرافية بقارب النجاة بحثا عن نص ما يخدم غرضه المهم فيه أنه بعيد عن التعريق وبلاد ما بين النهرين ، أما ما يزيد من حجم حيرتي وبما يوازي أعباء الدين وهو أرق في الليل ومذلة في النهار ،هو أن لا ينشر باحث عراقي أو كاتب أو أديب أو مؤلف للعديد من الكتب بشهادته هو على صفحته نصا واحدا مقتبسا من أحد كتبه مكتفيا بسرد واقتباس ما جادت به قرائح وأنامل غيره وطبعت في كتبهم ، ولطالما سألت نفسي سؤلا حائرا مفاده لماذا لايكتب بعض الموما إليهم نصا ما ليضعه بين قوسين (…..) ليكتب بعده “هذا النص مستلهم من كتابي الذي يحمل عنوان كذا ، الصادر عن دار نشر كذا ،الطبعة الاولى ..الثانية ..الثالثة في سنة كذا ، صفحة كذا ؟ ألا يوجد في كل كتبك ومصنفاتك السابقة واللاحقة نصا مبتكرا وملهما واحدا يستحق النشر على صفحتك لتكتفي بنشر نصوص وابتكارات الآخرين وأحيانا حتى من دون ذكر أسمائهم ونسبة النصوص إليهم ؟ إلا إذا كان معظم ما ورد بين دفتي كل كتاب منها وفي الأساس عبارة عن سرد نصوص مقتبسة عن آخرين ليتم تجميعها ” كمعظم رسائل الماجستير الحالية ” وجلها عبارة عن تنضيد وتصفيط نصوص كركام بعضها فوق بعض لتجد في أسفلها وبما يشبه – الازدحام المروري – في الهوامش والإحالات والاقتباسات والمصدر السابق ، والمصدر نفسه ليقال ..واووو ..فعلا هذا الطالب تعبان على نفسه وقد بذل مجهودا يشكر عليه في بحثه وكل البحث من طق طق الى سلام عليكم عبارة عن سرد مصفوف لما كتبه وما قاله ولما ابتكره وأبدعه آخرون = لا جديد يُثري معارفنا، ولا مُبتَكرُ يغنيها !!
الحقيقة ومما قرأته مؤخرا وأعجبني جدا بعد أن وقع بصري عليه عبارة وردت في تعليق منشور في واحدة من الصفحات جريا على عادة ما سلف ذكره مقتبس عن قول منسوب لـ عزت بيغوفيتش ،وبما معناه “حين يشرع أناس ممن ملأوا رؤوسهم بالثقافات والقراءات والمعارف الغزيرة ولكن من دون أن يهضمونها جيدا ليصنعوا منها رؤيا رصينة تنفعهم في حاضرهم ومستقبلهم ، فإن أفواه هؤلاء تقذف عند الجدال والنقاش الحامي بقطع كاملة من: هيغل، وهيدغر، وماركس.. كمن يتقيّأ طعاماً نيّئاً بدون الهضم الضروريّ ” .انتهى
الخلاصة : ليس المهم أن تقرأ أو تتكلم كثيرا، المهم هو أن تنجز كثيرا بعد أن تفهم وتعي وتحلل وتهضم وتستوعب وتنقد كل ما تقرأ لترجمة ذلك لاحقا الى واقع حال نافع ومفيد ومتعدي الى الآخرين لخدمة البلاد والعباد ، وإلا قلي بربك كيف لأربعة أشخاص ظهروا في حفل تنصيب ترامب مجموع ثرواتهم بلغت 848 مليار دولار هم كل من مارك زوكربيرغ وإيلون ماسك وجيف بيزوس وساندر بيتشاي ، وهؤلاء الاربعة ممن يملكون أضخم شركات التكنولوجيا ومنصات التواصل وبرامج الذكاء الاصطناعي ،وكلهم من المدرجين في قوائم أكثر الشخصيات الـ 100 تأثيرا في العالم ، ومن المدرجين أيضا في قوائم فوربس لأثرى الاثرياء ، لو أنك قرأت سيرة حياتهم لهالك حجم الفوضى التي عاشوها اجتماعيا وأسريا ، ولعلمت بأنهم من قليلي القراءة والمطالعة النظرية العامة، إلا أنهم من شديدي التجريب والمغامرة وخوض غمار الجانب العملي والتطبيقي منها، وميزتهم هي أن قليل المعارف التي يقرأونها فإنهم يحرصون على فهمها واستيعابها جيدا ،تمهيدا لاضافتها الى عديد تجاربهم الحياتية التي خاضوها وبما كان كفيلا بكل هذا النهوض الإعصاري المدوي والمزلزل، يقابلهم أناس بين ظهرانينا وفي ظاهرة مقيتة لا أدري إن كانت رياء أو تباهيا أو تفاخرا أو جريا على العادات والتقاليد ، ينشر سنويا كم وعناوين الكتب التي يقرأها في كل عام ،ولو سألته عن”ما هو الحل الأمثل برأيك استنادا الى الـ 100 كتاب التي قرأتها في الاقتصاد والفلسفة والسياسة والإعلام والتاريخ والمنطق والرياضيات والقانون والطب والتربية والتعليم والأدب العالمي والشريعة والاجتماع ، للقضاء على الأمية الابجدية في العراق ..لحل كارثة المخدرات في العراق ..للتخلص من طامة البطالة في العراق ..لمواجهة مشكلة الطائفية في العراق ..للقضاء على أزمة الفقر في العراق ..لإرساء دعائم النزاهة في العراق ..ماهو السبيل الامثل لمواجهة الالحاد واللادينية واللا ادرية ..لمواجهة ظاهرة تواري الفضائل مقابل استشراء الرذائل بالاتكاء واستنادا الى ما قرأت ، وحفظت عن ظهر قلب من كتب ومجلدات ومتون وشروح وحواشي وهوامش وذيول وووو؟” لأجاب وعلى الفور، والله يا أخي الحبيب هذه يرادله معجزة الهية ، ألم تسمع بما قاله الفيلسوف ..المفكر ..الروائي ..القاص …الشاعر العالمي : ليلقي على مسامعك نصا كاملا كما هو من دون هضم ولا إضافة ولا تحليل ولا نقد ولا توصيف ولا قياس سرعان ما يستدعيه من ذاكرته ليستله كاملا على عواهنه من صفحة كتاب كان قد قرأه في عامه المنصرم من جملة ما قرأه تماما كببغاء ناطق يتفوه بكل ما يسمع داخل المنزل إلا أنه لم ولن يفهم جل ما يردده ويتفوه به صباح مساء نقلا عن أصحاب الدار نحو ” شكري ،سد الباب قاااق…سليمة طفي الطباخ ،قيييق…سلوان لا تظل تمعمع ،قوووق ..” والعائلة كلها تضحك وتقهقه عاليا كرد فعل طبيعي على عبارات الببغاء التي لايعيها ولا يفهمها البتة ، لأن المعلومة التي يرددها صاحبها من دون فهم مرادها ولا معناها ولا ترجمتها عمليا الى واقع حال نافع ومفيد للفرد والمجتمع والبلد هي بالفعل جديرة بالقهقهة ، والقهقهة فحسب وبما أنتج لنا منظومة قائمة على عبارات وأقوال مليارية ،مقابل نتائج ومنجزات وأفعال واقعية أو عملية صفرية !! اودعناكم اغاتي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى