الاكتفاء الذاتي يحمي السكان من أثار وتبعات الازمات الدولية
سيامند حسين إبراهيم
وصلنا إلى عصر اقتصادي صعب جدا حيث تحول المجتمع الى طبقتين غنية جدا وفقيرة حيث أن الطبقة المتوسطة بدأت تتلاشى وتتحول إلى الطبقة الفقيرة وذلك نتيجة لعوامل كثيرة اهمها الكورونا والعملة الالكترونية والحروب والتغير المناخي. حيث أن كورونا اوقفت عمل الاف الشركات والمصانع واثرا سلبا على العمال والموظفين واما العملات المشفرة فقد اصبحت سوقا للاغنياء واصحاب رؤس الاموال وهي عبارة عن سوق وهمية مخفية على الانترنت ومربحة جدا فقد أصبح الكثير من اصحاب رؤس الاموال يستثمرون بها بدلا من فتح مشاريع حقيقية على ارض الواقع وتشغيل الناس أو انتاج مواد تفيد في الاستهلاك البشري واما الحروب التي بدأت منذ عشر سنوات في الوطن العربي وحاليا شرق اوربا فهي ادت لهجرات مليونية على مستوى العالم وأدى ذلك إلى تكثيف الضغط على الاستهلاك في الدول الغربية وإلى فقدان اليد العاملة في الدول المهاجرة. أما اهم العوامل السلبية تاثيرا على الاقتصاد لدى الطبقة الفقيرة والمتوسطة فهو التغير المناخي الذي أدى الى ضعف كبير في الانتاج الزراعي والحيواني الذي يعتبر العمود الفقري في الاقتصادات العالمية ومن أثره الجفاف الذي يضرب اسيا والشرق الاوسط وافريقيا منذ سنتين. في الحقيقة أي اقتصاد قوي ورائد لدى الدول المتقدمة اساسه هو (الاكتفاء الذاتي) وهذه الجملة هي مصطلح اقتصادي شامل حيث انها تعني توفر المواد الاولية للمصانع والمعامل لتسهيل الانتاج والتصريف أي أن الدولة ليست بحاجة إلى استيرادها. من الوهلة الاولى تبدو جملة بسيطة وسهلة التحقيق ولكن في الواقع، الاكتفاء الذاتي هو افضل واشمل نظامي اقتصادي يمكن تطبيقه لتحسين نوعية وجودة حياة سكان أي دولة.
الاقتصاد الفعلي مؤلف من عدة مجالات اولا الزراعة، ثانيا الصناعة، ثالثا التجارة.
كل مجال من هذه المجالات يحوي الكثير من الفروع ولكن بالنتيجة مرتبطة ببعضها البعض ولكن المؤكد هو ان هذه المجالات الثلاث متداخلة فيما بينها وتعتمد على بعضها البعض، فعند توفر المواد الزراعية من الانتاج المحلي سيكون من السهولة على التجار واصحاب رؤس الاموال وحتى الدولة نفسها افتتاح معامل اغذية والبسة والى ما هنالك من معامل، وعند توفر المنتوجات البضائع من المعامل والمصانع المحلية سينجذب التجار من داخل البلاد ومن خارجها على شراء هذه المواد وتصديرها وعند تصريف هذه البضائع بسرعة سيزداد الطلب من التجار وهم بدورهم سيزيدون من طلباتهم للمعامل وهي ستزيد من طلباتها على المزارعين وسيستفيد التجار والصناعيون والمزارعون من أموال هذه التجارة. بشكل عام هذا هو الاكتفاء الذاتي. ببدو الأمر سهل التنفيذ ولكن يتطلب شرطا وحيداً يصعب تواجده في العالم العربي وفي دول العالم الثالث الأ وهو وجود حكومة نزيهة هدفها إعمار البلاد وخدمة السكان وتحسين وضعهم المعيشي لأن الاكتفاء الذاتي يبدأ من مشاريع حكومية في دعم اصغر القطاعات او اكثر القطاعات فقرا وضررا وإدارة الدعم إلى حين تحوله إلى رؤية استراتيجية وفكرة شاملة لتغيير اقتصاد الدولة، مثلاً كل الدول العربية فيها أنهار ومجاري مائية كثيرة لا يتم استغلالها للزراعة الا بشكل ضعيف وخاطئ فلو أن اي دولة قررت انشاء سدود زراعية وتوزيع المياه على المزارعين سيزرع كل شخص منهم الحبوب او الخضار يستطيع شرائها. ولكن لو أن الحكومة وزعت الحبوب والبذور التي تريد هي ان تزرع بالدين على المزارعين واستحصلت منهم ثمن البذور والسماد عند حصاد الموسم ستكون بذلك قد تحكمت في نوعية المنتج الذي تود زراعته وايضا زرعت مساحات هائلة لأن الفلاح لم يتكلف مصاريف كثيرة عند الزراعة وهذا سيشجع كل الفلاحين على الزراعة، لنفترض بأن الدولة تريد تحقيق اكتفاء ذاتي من مادتي السكر والزيت النباتي، فان عليها توزيع بذار عباد الشمس والذرة على الفلاحين بالاضافة للسماد وايضا توزيع مياه الانهار والسدود بشكل عادل على الفلاحين بالإضافة لترخيص اسعار الوقود للاليات الزراعية كالجرارات والحصادات، اثناء فترة الزراعة والنمو والحصاد ستكون الدولة قد جهزت مصانع لإنتاج السكر والزيت، في ضواحي المدن التي ينتج ريفها المواد الأولية لهذه المواد وهذا لعدة اسباب أهمها توفير فرص العمل لابناء المدن، ثانيا كون المدن مراكز تجمع للمواصلات ويسهل نقل البضائع اليها. بهذه الطريقة تكون الحكومة قد وفرت الزبت والسكر للسكان ووفرت الاف الفرص وفتحت مجالات صناعية وزراعية اخرى مرتبطة بانتاج السكر والزيت النباتي مثل معامل لصناعة اكياس السكر وايضا معامل لانتاج علب الزيت ومعامل لتحويل مخلفات الذرة إلى علف للحيوانات وايضاً ورشات للتصليح وصيانة الالات الزراعية ومعامل لانتاج السكاكر والمعجنات التي تعتمد على السكر.
عند نجاح اي مجال زراعي او صناعي ستزداد رغبة الناس بالاستثمار والعمل فيه وهذا بدوره سيزيد من الانتاج والذي بدوره سيزيد التصدير وسيرفع ارباح الدولة وهي تكون قد حققت فرص عمل لسكانها وعبدت طرق لنقل البضائع ووفرت مواد غذائية مهمة للشعب. هذا كان مثالا بسيطاً وذلك بسبب فقدان هاتين المادتين بعد الحرب الروسية على اوكرانيا.
إذاً الاكتفاء الذاتي يحتاج الى حكومة وطنية نزيهة وجادة في العمل فقط لا غير لأن الشعب مهما يكن مجتمعا غير متعلم او مثقف أو حرفي في عمله من السهل تدريبه وتعليمه في حال وفرت له ظروف ووسائل مناسبة للانتاج. الاهم من ذلك أن انجاح اي مشروع سينعكس طردا على زيادة ميزانية الدولة والتي تستطيع حينها فتح مشاريع اخرى في منطقة اخرى اعتمادا على توفر المواد الطبيعية الموجودة في تلك المنطقة وهكذا تستطيع تحويل كل سكانها الى عمال ومزارعين وموظفين منتجين كل منطقة حسب مواردها. إن كل ما سلف في حال طبق بشكل نموذجي فعال سوف يحمي السكان من اثار الحروب والمشاكل العالمية وسيوفر المواد الغذائية لهم ولن يجعل السكان في حالة حصار حقيقية حتى لو تم محاصرة دولتهم لأن الانتاج المحلي سيغنيهم عن الاستيراد.