الاستقرار المالي و تعزيز قدرة النظام المالي على تحمل الصدمات
تعرف السياسة الاحترازية الكلية على أنها السياسة التي يتم من خلالها تحديد ومراقبة وضبط المخاطر النظامية للحد من تراكم هذه المخاطر وتعزيز قدرة النظام المالي على تحمل الصدمات وذلك باستخدام مجموعة من الأدوات بناءً على مجموعة من المؤشرات الأساسية، ويقصد بالمخاطر النظامية: مخاطر التطورات التي تهدد استقرار النظام المالي ككل وبالتالي الاقتصاد بالكامل.
في ضوء جهود البنوك المركزية المستمرة لتعزيز استقرار القطاع المالي والمصرفي في المملكة وتحليل مصادر المخاطر النظامية للسيطرة عليها تم تأسيس دائرة الاستقرار المالي في البنك المركزي الأردني عام 2013، والتي تقوم بإصدار تقرير الاستقرار المالي السنوي للتركيز على أبرز المستجدات على القطاعين المالي والاقتصادي، ومن أبرز المواضيع التي يتم التركيز عليها ما يلي:
1.اختبارات الأوضاع الضاغطة: تعتبر اختبارات الأوضاع الضاغطة أداة هامة تستخدم من قبل البنوك في قياس قدرتها على تحمل الصدمات والمخاطر المرتفعة التي قد تواجهها، حيث تهدف هذه الاختبارات إلى تقييم الوضع المالي للبنك ضمن سيناريوهات شديدة ولكنها ممكنة الحدوث، وتعتبر اختبارات الأوضاع الضاغطة ذات بعد مستقبلي في تقييم المخاطر وبطرق تتجاوز الأساليب الإحصائية المبنية على معلومات تاريخية، كما تساعد هذه الاختبارات مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية العليا على فهم ظروف البنك في أوقات الأزمات. هذا وتعتبر اختبارات الأوضاع الضاغطة جزءاً أساسياً من عملية إدارة المخاطر. إلا أنها لا تستطيع أن تشمل لوحدها جميع جوانب الضعف في البنك حيث تعمل ضمن سياسة متكاملة لإدارة المخاطر لتعزيز سلامة ومتانة البنوك وتقوية النظام المالي ككل.
كما تعتبر اختبارات الاوضاع الضاغطة من الأمور الأساسية التي يجب على البنك الأخذ بها بالاعتبار عند القيام بعملية التخطيط لرأس المال (Capital Planning) بهدف الوصول الى رأس المال الذي يتوائم مع استراتيجية البنك وهيكل مخاطره، وفي عملية التقييم الداخلي لمدى كفاية رأس المال (ICAAP)، حيث يقع على عاتق البنك تطوير هذه العملية تحت إشراف مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية العليا وذلك من خلال قيام البنك بدراسة المخاطر التي يواجهها ومستويات رأس المال التي يحتاجها لمواجهة تلك المخاطر، وعليه فإنه من واجب مجلس إدارة البنك وإدارته التنفيذية العليا أن تحدد مستوى المخاطر المقبولة من خلال تقييم المخاطر المختلفة وتحديد مستوى رأس المال اللازم لمواجهة تلك المخاطر. ومن هنا فإن اختبارات الأوضاع الضاغطة تشكل جزءً مهماً من إدارة رأس المال حيث أن الطبيعة الصارمة والسيناريوهات الشديدة لاختبارات الأوضاع الضاغطة تعمل على تحديد مدى كفاية رأس مال البنك خلال الظروف الصعبة، كما يجب أن يكون لاختبارات الأوضاع الضاغطة دور هام في تحسين إدارة البنك لسيولته حيث أنها أداة أساسية في تحديد وقياس ومراقبة وضبط مخاطر السيولة، حيث يتم من خلال هذه الاختبارات تقييم سيولة البنك ومدى كفاية هامش السيولة في الظروف الصعبة سواء على مستوى البنك أو على مستوى السوق ككل.
و بعد الأزمة المالية العالمية الأخيرة، حيث أصدرت لجنة بازل للرقابة المصرفية في عام 2009 المبادئ الرئيسية لاختبارات الأوضاع الضاغطة والرقابة عليها، كما أصدرت اللجنة في عام 2012 ورقة عن مراجعة تطبيق السلطات الرقابية لهذه المبادئ، بالإضافة إلى قيام صندوق النقد الدولي بتطوير منهجيات شاملة لإجراء هذه الاختبارات، حيث أصبحت السلطات الرقابية في دول العالم والمؤسسات الدولية ذات العلاقة تركز على ضرورة مراعاة تطبيق تلك المبادئ، وفي ضوء هذه التطورات فقد أصدر البنك المركزي مسودة تعليمات جديدة لاختبارات الأوضاع الضاغطة وأرسلها للبنوك للحصول على ملاحظاتهم عليها تمهيداً لإصدارها بشكلٍ نهائي، ويمكن التعرف على تفاصيل الاختبارات التي تم إجرائها إلى الآن ضمن تقارير الاستقرار المالي المنشورة على الموقع الرسمي للبنك المركزي الأردني.
وفيما يلي تعليمات و تعميم اختبارات الأوضاع الضاغطة :
تعليمات اختبارات الأوضاع الضاغطة
تعميم اختبارات الأوضاع الضاغطة
2.مديونية الأفراد: يشكل إقراض الأفراد سبباً أساسياً لتحسين نوعية حياتهم من خلال تمكينهم من الحصول على احتياجاتهم السكنية والاستهلاكية، مما ينعكس إيجاباً على زيادة قدرتهم على الإنفاق والاستهلاك ويحفز النمو الاقتصادي، ونتيجة لاتساع وتنوع هذا القطاع فإن إقبال البنوك المدروس على تمويله يؤدي إلى تنويع توظيفات البنوك وبالتالي التقليل من المخاطر وتعزيز ربحيتها، إلا أنه وفي الوقت نفسه فإن لارتفاع مديونية الأفراد نسبة لدخلهم وثرواتهم آثاراً سلبية على الاستقرار المالي والاقتصادي في أي بلد، حيث يؤدي إلى تراجع قدرة الأفراد على السداد مما يزيد من نسب التعثر لدى البنوك ومؤسسات التمويل الأخرى، كما أن ارتفاع هذه النسبة يضعف من قدرة الأفراد على الإنفاق والاستهلاك مما يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي.
ولعل من أهم أسباب الأزمة المالية العالمية التي بدأت في عام 2007 الإفراط في التمويل العقاري الذي رفع أسعار العقار بشكل كبير وأعطى البنوك شعوراً زائفاً بالأمان عندما كانت تقرض عملائها الأمر الذي نتج عنه خلق فقاعة في سوق العقارات وتعرض البنوك الكبير (غير المباشر) لهذا السوق، كما توسعت البنوك في الإقراض لقطاع الأفراد الذين أصبحوا مكبلين بالتزامات فاقت الدخل المتاح لهم مما أدى لعدم قدرتهم على سداد ديونهم وحتى بعد بيع العقارات المرهونة. ومن هنا تبرز أهمية قيام السلطات الرقابية بتحديد ومراقبة هذه المخاطر واختيار الأدوات المناسبة لتقليل تراكمها وتعزيز قدرة النظام المالي على مواجهتها، ومن أهم الأدوات التي يتم استخدامها لتقليل تراكم هذه المخاطر:هامش رأس المال لمواجهة التقلبات الدورية (Countercyclical Capital Buffer CCB)، وضع سقف على نسبة القرض إلى القيمة ((Loan to Value LTV، وضع سقف على نسبة المديونية إلى الدخل (DTI Debt to Income) أو (Debt Burden Ratio DBR) ، وتعتبر أداتي LTV وDTI الأكثر شيوعاً تليها تدابير السيولة ورأس المال، ويمكن استخدام هاتين الأداتين كونهما من الأدوات القطاعية التي تستخدم لاستهداف المخاطر الناجمة عن قطاعات محددة من الاقتصاد دون التأثير على الاقتصاد الأوسع نطاقاً ويمكن التعرف على تفاصيل نتائج قياس مديونية الأفراد وتقييم مخاطرها على القطاع المصرفي ضمن تقارير الاستقرار المالي المنشورة على الموقع الرسمي للبنك المركزي الأردني.
3.تعرض البنوك للقطاع العقاري: يعتبر القطاع العقاري محركاً هاماً للنمو الاقتصادي، كما يعتبر من أهم مكونات الاستثمار الحقيقي حيث أن جزءً هاماً من مدخرات الأردنيين تتوجه لهذا القطاع الذي يتسم بتأثيره المباشر على تحريك القطاعات الاقتصادية المختلفة ويعمل على توفير فرص عمل تشغيلية للأيدي العاملة، ويخلق نشاطاً ملحوظاً للخدمات المساندة، إضافة إلى تطوير قطاعات البنية التحتية، وقد ازداد الاهتمام بمخاطر القطاع العقاري والتمويلات الممنوحة له بعد الأزمة المالية العالمية 2007 وما تبعها من آثار طالت معظم اقتصادات العالم .