الاحترام لا تصنعه الواجهات المزركشة.
—
—-
الخدمة العمومية؛ بعيدا عن المفاهيم التي جاء بها بعض الحقوقيين المهتمين بالادارة ونظامها وقوانينها من أمثال (ليون دوجي) وغيره.
والذي عرّف الخدمة العمومية على أنّها: ”كل نشاط يتم أداءه وتنظيمه ومراقبته من طرف الحكومات“. لأن هذا النشاط -كما يره هذا الباحث- ضروري لتحقيق وتطوير التماسك الاجتماعي. وغير ذلك من التعريفات والكلام النظري.
أمّا الواقع فشيء آخر.
بقيت الخدمة العمومية في الجزائر طيلة كل هذه السنوات؛ سنوات ما بعد الاستقلال. رهينة سياسات شعوبية أو شعبوية، وشعارات برّاقة فضفاضة تظهر في المحافل والاحتفالات الرسمية الموسميّة، ثم تختفي بُعيْد الانتهاء من الحملات. والشعب الجزائري سئم من هذه الشّعارات ”الزائفة“ والخطب الرنّانة ”الكاذبة“ التي لاتعكس حقيقة ما يجري في الميدان.
لقد سئم المواطن الجزائري من الطابوريات، ومن الإجراءات البيروقراطية الطويلة المملّة. كما قد سئم هذا المواطن من الطريقة التي يتعامل معه بها أعوان الدولة والادارة العمومية.
لقد بات هذا المواطن المحكوم عليه بجملة من الإجراءات والقوانين المفروضة، وأصبح يتملّكه الخوف بمجرّد وجوده داخل الهيئة العمومية.
إن الدولة الجزائرية التي تنفق الأموال الطائلة؛ حد الإسراف والتبذير، لبناء هياكل إدارية؛ فخمة وضخمة، مزوّدة بكل أسباب الرّاحة و”الفخفخة“، بغرض تحسين نوعية الخدمة العمومية. بينما نوعية هذه الخدمة العمومية تبقى رهينة سلوك بشري لا يرقى إلى طموح المواطن. فالواجهات البرّاقة، والكراسي المريحة، و المكيّفات والأجهزة الالكترونية الحديثة المزوّدة بأنواع ”اللّوجيسيالات“ المنظّمة للعمل… كل ذلك لا يستطيع أن يحل محل العون الكفء المحكوم بواجب الاحترام.
والمواطن ”الجزائري“ خاصّة، لديه عزّة نفس ”زائدة عن غيره“. يحملها في جيناته منذ آلاف السنين؛ فهو المحارب والمقاتل والثّائر المرابط، وهو المقاوم الذي لا يقبل بالذلّ والانصياع مهما كان. وهو الانسان الذي عانى من الظلم والقهر والطغيان والتشرّد مئات السنين، في الوقت ذاته.
والآن وبعد كل هذه السنين التي عاشها، لا يبحث ولا يريد سوى الاحترام، وهذا حقّه، ليس تكرّما.
هذا هو رأسمال المواطن الجزائري؛ لمن لا يعرفه، والذي، ولذات الأسباب، كان رافضا لقوانين الإدارة”الكولونياليّة“، على الرغم من أنّ الإدارة الفرنسية المحتلّة كانت أكثر كفاءة ونزاهة والتزام من الادارة الجزائرية الحالية.
والاحترام هو ”أحد القيم الحميدة التي يتميز بها الإنسان“. كما ورد في بعض المراجع الفقهية. لا تصنعه الواجهات المزركشة، بل هو من صنع الأعوان المحترمين الأكفاء. ولا تصنعه ”اللّوجسيالات“ و ”اللوجستيات“ المنظّمة لسير العمل، ولا غيرها من الأجهزة الصمّاء التي تفتقر إلى المشاعر الانسانية.
على الدولة أن تهتم بتكوين أعوانها؛ خاصة منهم الذين تربطهم علاقة مباشرة بالمواطن، تكوينا أدبيّا نفسانيا. وأن تعتني بهم، وتراقبهم… إذا ما أرادت أن تُحسّن من نوعية الخدمة العمومية، وكان همّها هو ”رضا المواطن“ كما تقول، ويروّج له السّاسيّون في حملاتهم الانتخابية. لأن المصالح العمومية هي ”همزة وصل“ بين المواطن والأجهزة والهيئات؛ المركزية والمحليّة. وإلّـا فلتتخلّى هذه الدولة؛ وأجهزتها وهيئاتها ومؤسّساتها… عن شعاراتها البرّاقة الزّائفة. وليقلّل هؤلاء الخطباء من خطاباتها الشعوبيّة ”الشعبويّة“ الكاذبة.