الإسلام وثقافة حسن الظن
حشاني زغيدي
يبني الإسلام حياة الفرد على أساس مبدأ الثقة ومبدأ الوضوح، لأن الحياة السعيدة أساسها الاستقرار واستمرار العلاقة، فأساس العلاقة المسلم مع ربه أساسها حسن الظن، فالمسلم يظن بربه خيرا، ظن يقوي الرابطة، فالظن الحسن يرافقنا في كل أحوالنا، إن أصبحنا أحسنا الظن بالله وإن أمسينا أحسنا الظن بالله، وإن عارضتنا المحن أحسنا الظن بالله، وإن أقبلت علينا المسرات أحسنا الظن بالله .
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “والذي لا إله غيرُه ما أُعطي عبدٌ مؤمن شيئاً خيراً من حسن الظن بالله عز وجل، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنَّه؛ ذلك بأنَّ الخيرَ في يده» رواه ابن أبي الدنيا في حسن الظن.
قال ابن القيم رحمه الله: “وقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور، وأنَّ حسن الظن إن حمَل على العمل وحث عليه وساعده وساق إليه فهو صحيح، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي فهو غرور، وحسن الظن هو الرجاء، فمن كان رجاؤه جاذباً له على الطاعة زاجراً له عن المعصية فهو رجاء صحيح، ومن كانت بطالته رجاءً ورجاؤه بطالةً وتفريطاً فهو المغرور”
وأن خلق حسن الظن يلازمنا ونحن نبني علاقاتنا الاجتماعية مع الناس، فتبني العلاقة على حسن الظن، نبنيها على أساس قوي، يبنى على أساس الثقة المتبادلة، تبنى على أساس التعارف العميق، تبنى على العشرة الطيبة، عشرة العمر الطويلة، وقد رأينا في أحوالنا كيف تتهشم العلاقات وتتهدم، وتزول المودات، وتضيع علاقات العمر الطويلة، وتضيع مكتسبات ثمينة بنياناها بالتوادد وطيب المعاشرة، لأن تلك العلاقات بنيانها هش، تتأثر بأول الهزات، تعري نضارتها أول سحابة مطلة، فمرد هشاشة العلاقات سوء الظن .
لهذا حرص الإسلام على البناء الخلقي المتين، فأساس الصلاح المجتمعي متانة الخلق، فالمسلم الخلوق لا يتحدث بكل ما سمع، ولا يصدق كل ما سمع، فما أكثر حرفة من يمتهنون حرفة تخريب البيوت في عصرنا، وحرفتهم تدمير العلاقات، بالكذب والتدليس
فترى الرجل والمرأة تتحدث بكل ما هب ودب، ولو كان ذلك يدمر البيوت أو يجلب المصائب، كأننا لم نقرأ حديث رسول الله الصحيح ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ”
ليتنا نقتدي بالجيل الأول الذي أرسى دعائم مجتمع حقيقي، مجتمع قوامه، سلامة العلاقات وحماية البنيان، كان الواحد منهم، لا يمكنه إساءة الظن بالآخرين، بل يرى ذلك من المحرمات التي تجلب الخزي له في الدنيا والندامة في الآخرة
في هذا المقام نستعرض قصة بالغة في قصدها، سامية في أحكامها، قصة أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، فقد قال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} (النور: 12): ” هذا تأديب من الله للمؤمنين في قصة عائشة رضي الله عنها، حين أفاض بعضهم في ذلك الكلام السييء وما ذكر من شأن الإفك، فقال: {لَوْلا} بمعنى: هلا {إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} أي: ذلك الكلام، أي: الذي رُمِيَت به أم المؤمنين {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} أي: قاسوا ذلك الكلام على أنفسهم، فإن كان لا يليق بهم فأم المؤمنين أولى بالبراءة منه بطريق الأولى والأحرى.. وقد قيل: إنها نزلت في أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري وامرأته رضي الله عنهما، كما قال الإمام محمد بن إسحاق بن يسار، عن أبيه، عن بعض رجال بني النجار، أن أبا أيوب خالد بن زيد قالت له امرأته أم أيوب: يا أبا أيوب، أما تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله عنها؟ قال: نعم، وذلك الكذب، أكُنْتِ فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا والله ما كنت لأفعله، قال: فعائشة والله خير منكِ”.
علينا إن نتعلم خلق حسن الظن بالله، فنلتزم طاعة أوامره، ونحرص على فروضه، ونجتنب محارمه، من الخوض في أعراض الناس، وتتبع عوراتهم، ونبش مستورهم، فليس من حسن الظن بالله أن نبني حياتنا الاجتماعية على سوء الظن المحرم شرعا .
كم هو جميل أن تتجمل البيوت بالتفاؤل، فيحصن جدرانها حسن الظن بالله والتوكل عليه .
الأستاذ حشاني زغيدي