الأموال في يد أقلية الأقلية

د.مظهر محمد صالح
العنوان الذي اعتمده استاذ الاقتصاد والادارة الشهير في جامعة كورنيل في الولايات المتحدة روبرت فرانك في كتابه الذي نشره في العام 1995 مع زميل له والموسوم :الرابحون يستحوذون على (المجتمع )كله والذي اكد فيه بان قلة من الشعب الامريكي ممن يقطن في محيط بشري لايتعدى 1 بالمئة من سكان الولايات المتحدة يستحوذ لوحده على نسبة تزيد على 40 بالمئة من اجمالي نمو الدخل السنوي في الولايات المتحدة.واللافت ان نسبة ضئيلة جداً من بين من بين اولئك المحظوظين من اصحاب المهارات و المواهب سواء في سوق الرياضة اوفي سوق الموسيقى والغناء او اسواق السينما و النشر، يتمكنون من الاستحواذ على ايرادات ضخمة تدرها تلك الاسواق سنوياً مقارنة بمتوسط ايراد السوق كله.ويعود السبب في ذلك الى ان جمهور المستهلكين والشركات هم من يبحث عن تلك المهارات ليجعلها قوى رابحة تستحوذ على السوق بشكل متسارع. فالاختلافات في المواهب او المهارات او الشهرة، وان كانت قليلة فأنها تؤدي لامحالة الى عوائد دخل سنوية كبيرة والى تراكم في الثروات بصورة هائلة مقارنة بالمنافسين الاخرين و على نحو لايصدق!.وتفسر العولمة اليوم جانباُ مهماُ من ظاهرة الاستحواذ تلك بسبب ثورة الاتصالات بين مناطق العالم واسواقه الناجمة عن التطور الهائل في انظمة تكنولوجيا المعلومات.ففي العام 2007 احدث لاعب الكرة البريطاني ديفيد بيكهام موجة كبيرة عندما تداولت وسائل الاعلام تخلي ذلك اللاعب عن نادي مدريد الملكي لكرة القدم لقاء توقيع عقد مع نادي لولس انجلس كالكسي الامريكي يمبلغ 250 مليون دولار لمدة خمسة اعوام.ولايخفى على الجميع ملكة الغناء الشعبي الكندية شانيا توين قد حصلت على عشرات الملايين من الدولارات من بيعها ملايين الاقراص المدمجة في سوق الغناء عبر العالم.ولكن يبقى التساؤل،هل ان ضربة الجزاء التي يؤديها ديفيد بيكهام والتي ربما لاتخطيء الهدف كما يقال تستحق مبلغ 50 مليون دولار سنوياً؟وهل ان ما يدفع لذلك اللاعب هو ذو قيمة اجتماعية حقاً؟هنا يجيب فرانك في كتابه بالنفي! ولكن يقول ان تحقيق مدخولات خيالية على غرار بيكهام اوغيره ستدفع الناس في البحث عن اختيار فرص عمل مخطوءة .فبدلا من ان يقدموا الطلاب على تعلم علم الرياضيات فانهم يضيعون اوقاتهم بالتدريب على مهارات رياضية هم ليسوا قادرين بدنيا عليها!.والنتيجة ان الاسواق الحرة قد تؤدي بسبب دافع الربح الى ضياع المهارات التي يمكن ان تكون نافعة في مجالات اُخرى.ولكن يبقى التساؤل:ماهو السر في دفع كل تلك المبالغ العالية لتلك المهارة من الاداء؟ياتي الجواب من المدرسة النمساوية في الاقتصاد وبالاخص من العالم( كارل مانجر) في كتابه مباديء علم الاقتصاد 1871.
ففي حواره مع آدم سمث حول الفرق بين منفعة قدح الماء وقطعة من الماس عند تناول موضوع قيمة الاشياء.ينتهي (كارل مانجر) الى مسألة الحد marginوهو الذي يخفي كل هذه الحقيقة الجدلية! ولكن كيف؟..تصور انك في الصحراء وانك في عطش شديد هل انت مستعد ان تعطي قطعة الماس التي في جعبتك لقاء ذلك القدح الاول او( الحد الاول)؟الجواب نعم انها منفعة القدح الاول من الماء!.ختاما ستبقى ركلة ديفيد بيكهام في شباك كرة القدم مثلها مثل منفعة القدح الاول من الماء في الصحراء وليس القدح الثالث او الرابع.فقيمة الاشياء هي مسالة ذاتية تحددها الندرة وهوما يطلق عليه في علم الاقتصاد بالثورة الحدية !ومع ذلك يبقى العمل المنتج هو مصدر القيمة واساسها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى