الأخ (X) رحمه الله
كاظم فنجان الحمامي
من المفارقات العجيبة في حياتي انني أمضيت سنوات الدراسة وسنوات العمل بعد تخرجي مع مجموعة من الأصدقاء (أو الزملاء) صداقة دامت لأكثر من 45 سنة، كانت تربطني بهم علاقات الزمالة والجوار والمودة والاحترام. وبخاصة مع الاخ (X) رحمه الله وتغمده بواسع جناته. .
كان (X) يعمل معي بنفس الاختصاص وبنفس الموقع لسنوات وسنوات، وكان من أعز اصدقائي. ولي معه مواقف اخوية مشرفة يطول سردها، ويصعب الخوض في تفاصيلها. أسكن معه في نفس الحي، لا يبعد بيته عن بيتي سوى مسافة قصيرة، نذهب سوية إلى مقر عملنا، ونعود كل يوم سوية، نلتقي بعد الدوام في السوق أو المقهى. أذكر انني كتبت مقالة طويلة عن والده الذي كان متميزا باختصاصه، وكان (X) يكلفني بمتابعة أمور أبنه في الجامعة، بصراحة أستطيع اختزال علاقتي به بجملة واحدة: (انها كانت عِشرة عمر). لا أذكر اننا تخاصمنا أو وقع بيننا أي خلاف. .
ثم أصيب قبل إحالته إلى التقاعد بمرض عضال في الوقت الذي انتقلت فيه للعمل خارج البصرة، فكنت اتابع أخباره كل يوم تقريبا. أحيانا اتواصل معه هاتفياً لأطمئن عليه، أو اتفقد أخباره عن طريق اصدقاءنا حتى وافته المنية رحمه الله. لم يمهله المرض طويلا فانتقل إلى رحمة الله بعدما أنهكه المرض. فتوجهت على الفور إلى مدينتي، وكنت اتقدم الصفوف في مجلس الفاتحة الذي اقيم في مسجد قريب من بيتنا، ولم افارق مجلس العزاء حتى آخر يوم. ثم عدت إلى بغداد حزيناً على فراق اخي وصديقي. لكنني فوجئت بعد مدة بكتابات ابناءه على مواقعهم في الفيسبوك، كتابات جارحة وبلا مبرر كانوا يعبرون فيها عن حجم الحقد والكراهية التي كان يحملها والدهم (صديقي) ضدي. وكانوا يقولون ان والدهم كان يبغضني بغضاً شديداً، ولا يطيق رؤيتي، وقالوا انهم لولا ملامة الناس لطلبوا مني مغادرة مجلس العزاء لأن والدهم كان يكرهني. .
الحقيقة كانت صدمة عنيفة لي عندما قرأت كتاباتهم، لم أكتب أي رد، كان واضحا انهم يقولون الصدق، وهذا ما كان يحكيه لهم والدهم على مدى السنوات الماضي، فاتصلت بزملاءنا في العمل للاستفسار والتوضيح، لكنني وجدتهم مذهولين مثلي لأنهم قرأوا الكتابات. فاخذت أضرب أخماساً بأسداس بحثا عن سر هذه العلاقة الملغومة، وفي محاولة لتشخيص أسبابها ودوافعها، فإما ان اكون مغفلًا إلى درجة لم اكن اشعر فيها بحجم كراهيته لي، أو اكون ساذجا لا احسن إختيار الناس، أو كنت غبيا ولم استطع إدراك ما كان يضمره ضدي من بغض وضغينة. لكنني اقتنعت في النهاية بانني (غشيم) على رأي المطرب محمد عبدالجبار بقوله (باللهجة العراقية الدارجة):-
انا الغشيم ابين هالناس
حطيت ياهو اليجي عالراس
طيب واصدك واتعب لغيري
ينكرون تعبي تالي وخيري
رحل صديقي منذ أعوام، وانطوت معه الاسباب والمسببات. اما انا فلا زلت أشعر بالخذلان والخسران لتجربة فاشلة استمرت لنصف قرن من دون ان أعرف عدوي من صديقي. .