أخبارثقافة

قصّة هذا الإنسان غريبة

قصّة هذا الإنسان غريبة
يدرك قارئ رواية “قصّة هذا الإنسان غريبة” منذ أولى صفحاتها التماهي المطلق بين
المؤلِّف ومؤَلَّفِه، بين العمل الأدبي و(الذات/ الكاتبة) فهي شريكة فيه، وتعي أنها تكتب
وتبني سيناريو متخيَّلاً عن قصّة وجدتها غريبة. “قصة مخيّلتي بسيطة، لكنّني رأيتها
غريبة.. أبطال قصّتي بسيطون، لكنّني رأيتهم غريبين… وكقصص “الإنسان” البسيطة،
كانت قصة هذا الإنسان غريبة”. وبقراءة متأنية للرواية سوف نعرف أن ما يشغل بال
المؤلف فيليب المسنّ في روايته هذه هو الإنسان الذي نكون وقصصنا الغريبة. فعن أي
إنسان يتحدث الراوي/ المؤلف وأي قصّة غريبة سنقرأ.
هي قصة من بنات خيال المؤلف/ الراوي قرأها أولاً في مخيلته ووجدها غريبة، غريبة
– كما يقول – لأنّه لم يكن قادراً على تحديد شخصية بطلها، ولا قادراً على وضعها في
إطار عام من بين شخصيات سائر أبناء البشر. ولأن المؤلف/ الراوي يملك القدرة على
جعلها تتحرك من خلال (المخيّلة)، فهو وتبعاً لإمكانات السنن الأدبية والجمالية يلجأ إلى
حيلة تخوّل له أن يكشف من حياة بطله ما يوافق مخيلته، والتي سوف تواكب حياة أستاذ
جامعي يعود من بلاد الغربة ويدخل المعترك السياسي بذهنية التغيير والإصلاح، وعندما
تفشل هذه الشخصية في مهمتها لا يتوانى عن قتلها: “أبيض” قتلتك، فأصبحت أنا بموتك،
متشائماً ومحبطاً من دون أمل…”. ولعل هذه الصورة تشي بما يحدث ليس في لبنان
وحسب، وإنما في كل البلدان التي لا تعترف سلطتها بحق الناس في التغيير والتفكير خارج
الصندوق.
في الخطاب الروائي يعتمد المؤلف مبدأ المشاركة في القراءة، بمعنى أنه يحثّ قارئه
على المشاركة في إنتاج معنى النص وغايته وتساؤلاته المشروعة مثل؛ هل هناك شيء
يبرّر قتل الإنسان؟ ما رأيك بالجندي الذي يقتل عدوّه في سبيل الحفاظ على أرضه وأهله؟ ما
رأيك بقتل الحيوان لأكله؟ هل الذهاب إلى الموت طوعاً يسمى انتحاراً أم شهادة؟
عبر منظومة الجدل هذه يجري السرد ليكشف عن سلطة المؤلف/ الراوي على شخصياته،
فخياله هو من يحييها وهو من يميتها، فهو القائل “لا حدود للأحكام في مخيّلتنا، لكم مرّة قتلنا
رؤساء دول، مدير عمل أو صديقاً خائناً… لكم مرّة تمنينا الموت لظلّام الأرض وركعنا نتضرّع
للإله أن يخطف أرواحهم”، فإذا كانت المخيلة لا حدود لها، فهل الواقع الذي نعيشه وهم؟
من أجواء الرواية نقرأ:
“جلس يتأمل في حاضره وماضيه، يسرد لعمقه أسرار تاريخه وينظر إلى البحر ومداه..
جلسنا معاً ننظر إلى ماضيه، إلى ترحاله. إلى حبّه الأول. إلى أمّه، إلى أبيه، إلى جدّه..
جلسنا ننظر إلى ذكرياته خلف لا حدود المدى.. ليس هناك من جدران تجد المدى، ففيه
يقطن مدى آخر.
هو رفيق دربي وأيامي، هو بطلي وبطل قصتي. رأيته جنيناً يخرج من أحشاء أمّه،
سمعته يبكي كأكثرية خليقة هذه الأرض شعرت ببكائه يدخل عمقي وكأنّ بكاءه بكائي.
سألت نفسي لماذا يبكي، لماذا أبكي ولماذا نبكي؟ لماذا لا نضحك أمام هذه الدنيا وهي تفتح
لنا ذراعيها قائلة لنا، أهلاً وسهلاً في دياري.
قرأت قصّته وكأنها قصّتي ورواية روحي. قرأتها سهلة بسيطة ولم أشعر سوى بغرابتها
ككلّ أشياء هذا الكون الغريبة.
لا تتكيف مع أشياء الكون فتصبح غريباًعن حكمتها، بل عش في عمق غرابة الأشياء
لكي تصبح حكيماً في غرابتها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى