اجتماع مراكش…أي إرهاب هذا الذي يُحاربه المخزن المغربي؟
زكرياء حبيبي
منذ أن بدأ تنفيذ ما سُمّي ب “الربيع العربي” ونحن نصر ونؤكد على أن الشعوب العربية براء ممّا يحدث، وأن الأمر قد دُبّر بليل، في مخابر الشيطان الصهيوني الأمريكي، لتدمير الوطن العربي بأكمله، والقضاء على كل مقوماته وأسباب قوته، وللأسف الشديد أن العديد من المُغرّر بهم كالوا لنا السبّ والشتائم، واتهمونا بالسير عكس التيار، ومُساندة “الأنظمة الدكتاتورية” لكن من يؤمن بالحقيقة لا يُمكنه أن يتراجع عن الدفاع عنها، ولذلك واصلنا السير بعكس ما أراده المخبر الصهيوأمريكي، لتنكشف خبايا ما كان يُخطط له الشيطان لوطننا العربي.
اليوم وأمام فشل الأدوات والبيادق وبخاصة في سورية، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، تُمثّل قمة الغباء لدى بعض البشر، وبخاصة منهم، قادة المملكة المغربية، الذي خلُص وزير خارجيتها بوريطة، بالقول في كلمته الافتتاحية بمناسبة الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد “داعش” المقام بمدينة مراكش المغربية نهار يومه 11 ماي، إن “الانفصالية والإرهاب غالبا ما يكونان وجهين لعملة واحدة” وهنا يقصد بوريطة جبهة التحرير الصحراوية “البوليساريو” التي تدافع عن شعبها وأرضها.
وتابع بوريطة أن “التواطؤ على سيادة واستقرار الدول، بالإضافة إلى تضافر الوسائل المالية والتكتيكية والعملية، يفضي إلى إفراز تحالف موضوعي بين الجماعات الإرهابية ونظيرتها الانفصالية”، مشيرا إلى أن “من يمول ويأوي ويدعم ويسلح الانفصالية يساهم، في الواقع، في انتشار الإرهاب ويقوض السلم والأمن الإقليميين” وهنا يقصد حلفاء الصهاينة في المغرب، بلد الشهداء الجزائر، الذي طالما ناصر الحركات التحررية والقضايا العادلة في العالم..
برأيي أن صياغة هذا الكلام، تمّت في جوّ من الإضطراب والإرتباك، والخوف من فُقدان الإمارة والعرش، فاليوم ومع انحسار النفوذ الأمريكي في العالم، وبروز قوى عالمية كبرى كروسيا، التي فرضت وتفرض إرادتها على أمريكا والغرب، وأجبرتهم وستجبرهم على الرضوخ للأمر الواقع، ومادام أنّ قادة المملكة المغربية لم ولن يكونوا إلا خُدام وعبيد لأسيادهم، فكيف للعبد أن يكون أقوى من سيّده، وهنا يحضرني ما قاله الشاعر العربي المُتنبي:
“لا تشتَرِ العَـبد إلا والعَصَا معه *** إِن العَبِيدَ لأنجاسٌ مَناكيــد
ما كُنتُ أَحسَبُني أَحيا إلى زَمَن *** ٍيُسيء بـي فيهِ عَبد وَهْـوَ مَحمودُ”.
فالقارئ لهذه الخزعبلات المغربية التي جاءت على لسان الوزير المغربي بوريطة في اجتماع التحالف الدولي لمحاربة داعش، لا يُمكنه تصوّر ولو لبُرهة من الزمن، أنه صادر عن قادة “المملكة المغربية”، لأنّ هؤلاء هم من صُنّاع ومُموّلي الإرهاب في العالم، فسنوات الدّم التي عايشنا مآسيها في تسعينيات القرن الماضي، لا تزال تلقي بظلالها على راهننا اليوم، فلا يخفى على أحد أن الجزائر إبان هذه الفترة السوداء، عانت أيما معاناة من التورط المغربي المكشوف والمفضوح في دعم الجماعات الإرهابية، التي أريد للجزائر أن تكون حقل تجارب أولي لنشاطها الدموي قبل تعميمه على باقي البلدان العربية الأخرى، بل وحتى على أمريكا وبلدان أوروبية وآسيوية وإفريقية. وهنا وجب التذكير بأن المخزن المغربي أحد الداعمين الرئيسيين لحركة رشاد الإرهابية بقيادة زيتوت ودهينة وعباس عروة..، ولللحركة الإرهابية الانفصالية “الماك” لصاحبها الإرهابي المغني فرحات مهني، وبالتالي فإن بوريطة والمخزن المغربي يدينون أنفسهم وأسيادهم بإدانتهم للإرهاب ومموليه ومشغليه وداعميه.
دعم داعش الذي تستّر وراء مسميات عديدة كالجيش الحر والنصرة وجيش الفتح وما إلى ذلك من التسميات في سوريا والعراق، ثبت أنه كان تكرارا عبيطا لدعم القاعدة في أفغانستان، وهو الدعم الذي قوّى هذا التنظيم الإرهابي وجعله ينقلب على مُؤسسيه وداعميه وبالأخص منهم أمريكا، فاليوم نرى أن تنظيم داعش الإرهابي أعاد تنفيذ نفس سيناريو القاعدة، حيث تحالف مع عديد البلدان، وحتى الصهاينة، لتثبيت مواقعه في العراق وسوريا، بالأخص، وبعد الإنتهاء من هذه المرحلة، انقلب داعش على أصدقائه، وصُنّاعه، وراح يضرب في قلب باريس، وتونس والكويت، على سبيل المثال لا الحصر، ولا نستبعد أن يضرب في دول أخرى كانت تشكل السند القوي للدواعش، لسبب بسيط للغاية، هو أن الإرهاب لا صديق له، وهو يلجأ إلى التحالف الظرفي مع أي كان، ويُطمئن من يُصنفهم كحلفاء إلى غاية أن يتمكن من تجميع عناصر القوة التي تُغنيه عن دعم الحلفاء، لينطلق بعدها في ضرب الصديق والعدو، وما وقع في الجمعة الدموية في الكويت وتونس وباريس أصدق مثال عن ذلك.
كما أن فرنسا التي شاركت في هذا الاجتماع، شكّلت ولا تزال رأس الحربة الأوروبية في العدوان على سوريا وقبلها ليبيا، وأجهرت بدعمها للإرهابيين الذين تصفهم شأنها شأن أمريكا ب”المعتدلين”، بل وسمحت لآلاف الفرنسيين بالتوجه للقتال في سوريا والعراق، ومكّنتهم من حيث تدري أو لا تدري من اكتساب الخبرات القتالية التي سمحت لهم في وقت لاحق بهزّ أركان فرنسا، أمّا تونس، فالكل يعلم أنها اختيرت لتكون مركز انطلاق تنفيذ مؤامرة “الربيع العربي”، وتمّ تسليم مقاليد السلطة فيها لجماعة الإسلام السياسي التي نجحت في تحويل تونس إلى أهم قاعدة لتجنيد الإرهابيين وتصديرهم إلى ليبيا وسوريا على وجه التحديد، واليوم انقلب السحر على الساحر، وبات الدواعش التونسيون هم من يهاجم تونس ويُقتّل المدنيين الأبرياء فيها، والأمر نفسه ينطبق على الكويت وفرنسا، فالمهاجمون في كلا البلدين لم يتم استقدامهم من جهات خارجية، بل إنهم تربّوا وترعرعوا في الكويت وفرنسا، وهذا بحدّ ذاته يؤكد أن إستراتيجية تصدير الإرهابيين، لا تشفع للبلدان المُصدّرة، بل إنها تدخلها في عين الإعصار الإرهابي.
وبالعودة إلى المملكة المغربية، لا يخفى كذلك أنها شكّلت وعاء استراتيجيا للإرهابيين من داعش والنصرة وأخواتهما، بل إن بعض المخابر تحدّثت عن إستراتيجية تمّ وضعها لجعل المغرب يلعب الدور نفسه الذي لعبته المملكة الأردنية تجاه سوريا، لكن باتجاه الجارة الجزائر، وهو ما تفطنت له السلطات الجزائرية في وقت سابق، وسارعت إلى حفر خندق على طول حدودها مع المغرب، لمنع أية محاولة لتصدير الجماعات الإرهابية من المغرب إلى داخل التراب الجزائري، وبرأيي أن السلطات المخزنية المغربية ومع افتضاح السيناريو الخبيث، حاولت تغطية الشمس بالغربال، وانطلقت هي الأخرى في بناء سياج على طول حدودها مع الجزائر، بغرض التمويه لا غير، وبرأيي دائما، أن البلدان التي عانت ولا تزال تعاني من العدوان الإرهابي مُتعدد الأشكال والتسميات، والجنسيات، كالجزائر وسوريا وليبيا والعراق…استطاعت إلى حدّ بعيد أن تكتسب تجربة كبيرة في محاربة الإرهاب، والخوف كلّ الخوف على البلدان التي موّلت ودعّمت الإرهابيين لتغيير موازين القوى في الوطن العربي والإسلامي، وإحداث خرق في منظومة القومية العربية والإسلامية، لفسح المجال واسعا أمام التطبيع مع العدو الصهيوني المُستفيد الأكبر من المدّ الإرهابي في عديد بلداننا، وقبر القضية الفلسطينية التي تُعد القضية الجوهرية في صراعنا مع العدو الصهيوني، هذا العدو الذي تحالف مع المغرب والإرهاب وعانق الجماعات الإسلامية المعتدلة منها والتكفيرية، لضرب المسلمين في مقتل… فلا يُعقل على الإطلاق، أن يتجرّأ المغرب على إدانة الإرهاب، اللهم إلا إذا كان بعض المشاركون في هذا اللقاء ومعهم المغرب، قد استشعروا بل تأكّدوا أن الرأي العام العالمي، قد كشف بالأدلة الدامغة دعمهم وتمويلهم وقيادتهم للتنظيمات الإرهابية، فحاولوا عبر هذا الاجتماع الغبي، إستباق الأمور، وغسل أياديهم من دماء ضحاياهم، خاصة في وطننا العربي والإسلامي، بليبيا، واليمن والعراق وسوريا ومصر وقبلهم الجزائر، مع العلم أن دولا عظمى كروسيا والصين ، باتت تطال بكشف كل الحقائق التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين.
اليوم وأمام هذه الحقائق يحق لنا أن نتساءل وببراءة عمّن هو الإرهابي، وعمّن هو ضحية الإرهاب، والأكيد أننا لن نتفق على تعريف موحد للإرهاب، كما أننا لن نتمكن من التنبؤ بمن هي الدولة العربية التي ستُتّهم لاحقا بدعم الإرهاب، والأكيد بنظرنا أن الخروج من هذه الدائرة الشيطانية، لن يتحقق إلا عبر إجراء مراجعة شاملة لما حدث ويحدث بوطننا العربي، والتساؤل عمّن هو الرابح والخاسر في كلّ ذلك، وبالضرورة سنصل إلى نتيجة حتمية وهي أننا كعرب في المنطق الأمريكوصهيوني، كلنا إرهابيون، ما لم نُمكّن الأمريكي من خيراتنا وثرواتنا، ونعلن جهرا صداقتنا للعدو الصهيوني، وخُذلاننا للشعب الفلسطيني، الذي بات اليوم ضحية للخيانة العربية التي صنفت الحركات المُقاومة للإحتلال على أنها حركات إرهابية، فأي إرهاب هذا الذي يحاربه المغرب وأسياده؟
لكن في كلّ الأحوال فإن الخاسر الأكبر في كلّ ما يحدث في المنطقة هم أدوات الصهاينة كالمغرب، والتي ستدفع الأثمان باهظة لا محالة.