اسلامياتتعاليق حرةتقاريرتقارير وأخبار

إحياء رسالة المسجد

جميع الناس يشتكون من المسجد وخطابه وتأطيره ورواده لأنه لم يعد يؤدي وظيفته المقدسة في الإرشاد والتربية والتوعية والإصلاح والدعوة، ويفتقر في كثير من الأحيان إلى السمت الرباني والأخلاق الرفيعة، وهذا ما نكاد نتفق عليه جميعا، فما الأسباب وما العلاج؟ معظم الناس يحمّلون المسؤولية للإمام، والحقيقة أن بيوت الله الآن لا يسيّرها الإمام وحده، فهي مؤسسة حكومية تتحكم فيها الدولة بقوانين وتشريعات ولوائح يخضع لها الإمام أكثر من غيره إلى درجة أن المساجد تبتعد قليلا أو كثيرا عن كونها منارات دعوية لتنحصر في كونها “أماكن للعبادة” كما يحلو للعلمانيين تسميتها.

ويمكن تلخيص المشكلات المطروحة في ضعف مستوى الأئمة – من غير تعميم بطيعة الحال – وعجز خطابهم عن التأثير في المصلين، حث تغلب على الدروس وخطب الجمعة الرتابة والتكرار بعيدا عن أي تجديد لا في المحتوى ولا في الأسلوب بل هو أقرب إلى لغة الخشب خاصة عندما تغلب عليه المناسباتية إلى درجة أنه أصبح أشبه بدروس التربية المدنية التي تُدرس في المدارس الابتدائية في تناوله للقضايا والذكريات الوطنية، هذا إلى جانب حالة الفوضى التي تعانيها بعض المساجد طوال السنة ولا تخطئها العين وتعود في الغالب إلى سوء العلاقة بين الإمام والجمعية الدينية لأن القانون صاغ علاقة غامضة بحيث يظل الطرفان على خلاف دائم، والإدارة ليست منسجمة دائما مع الإمام ولا مع طموحات المصلين، أما الآفة الأخرى فهي أن المجتمع استقال إلى حد كبير من التربية والتوعية والإيجابية وصار ينتظر أن يحلّ المسجد مشكلات أبنائه.

وهناك مشكلة عويصة جدا زادت الطين بلة هي تسليم الدولة طيلة فترة الرئيس السابق بوتفليقة معظم المساجد في كثير من المناطق للتيار الوهابي لينحصر دور بيوت الله في إثارة الموضوعات البعيدة عن الواقع والمسائل التي العلمُ بها لا ينفع والجهل بها لا يضرّ، والأمور الخلافية التي تفرق ولا تجمع، وتهدم ولا تبني، وتنشر الشحناء والبغضاء بين المسلمين، إلى جانب التشويش على المصلين في الفتوى وكيفية أداء الصلاة وجلّ المسائل المتعلقة بأداء العبادات الفردية والجماعية.

أرى أن قسما كبيرا من المسؤولية يقع على كثير من وجوه الدعوة أصحاب الكفاءة الذين غادروا الميدان فاقتحمه – في كثير من الأحيان وليس دائما – موظفون عاديون ليست لديهم حرقة على الدين لأنهم موظفون فقط، يكتفون بأداء عمل هو أقرب إلى الوظيفة الإدارية البحتة، بعيدا عن الشعور بالرسالة والحُرقة والغيرة، وبهذا انتصرت العلمانية، فالمسجد لم يعد واحة للتعبد ولا يرفع الإيمان ولا يعلم شيئا جديدا ولا يساهم في بناء الحضارة الإسلامية، بعد أن قد كان في الأزمنة الزاهية مدرسة تربوية روحية علمية عملية دعوية جهادية تخرّج الربانيين الذين يسددون خطى المجتمع ويرفعون لواء الإسلام وينشرون كلمة الله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويشكلون حصونا منيعة ضد الفساد والفواحش والانحرافات والغزو الفكري والخمول الذهني… إن المسجد الذي يهدي الناس كاد يضيع، فمن يهديه؟

إننا في حاجة إلى استفاقة عاجلة لتدارك الأمور حتى لا ينتهي المسجد إلى مصير الكنيسة المسيحية التي غادرت دنيا الناس وغادرها الناس وأصبحت هيكلا فارغا تبارك جميع الانحرافات في الغرب حتى يعود إليها بعض روادها، وعندنا خطاب يقود إلى هذا، فالعلم الذي عند بعض الشيوخ هو فقه تخدير الجماهير وتبرير ظلم الحُكام وصدّ الناس عن المطالبة بحقوقهم وحثهم على الذل و طأطاة الرأس، بل وصل الحال ببعضهم إلى وصم حماس والمجاهدين بالفرقة السياسية المنحرفة عقديا فوجب على الأئمة الدعاة تنبيه المسلمين حتى لا يغتروا بأي شيخ ولا يأخذوا عنه العلم إلا بعد أن يتبين موقفه من قضايا الأمة وعلى رأسها فلطسين وغزة والجهاد لتحرير الأرض وردع عدوان الكافرين، فإن كان من المرجفين وجب هجره حتى لا يتفاقم شره بين الناس.

وأول ما ينبغي الاهتمام به إحياء روح الصلاة وفي المسجد بالذات، فأصحاب التشدد الديني يستغلون إقبال الشباب الصغار على المساجد في رمضان ليعلموهم الصلاة فيركزون على الأداء الشكلي وحده وباهتمام عجيب مع إهمال كامل لروحها، فيركزون على “القدم للقدم” وجلسة الاستراحة والتفنن في تحريك الإصبع عند التشهد بطريقة بهلوانية لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعون فلا بد من تصحيح الأمر وتعليم المقبلين أن هم أعمال الصلاة هي أداؤها وقتها، وأداؤها جماعة قدر الاستطاعة و الخشوع أي حضور القلب في كل أفعالها، أما ما يركز عليه المتنطعون فليس لا فرضا ولا سنة ولا مستحبا بل هو يصرف عن روح الصلاة …فأحيوا روح الصلاة.

عبد العزيز كحيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى