أوكرانيا … الصفحة ما قبل النهاية
أوكرانيا … الصفحة ما قبل النهاية
ضرغام الدباغ
بعد مسيرة مضنية زاخرة بالدماء والدموع، لعب فيها الأوكرانيون (وهم من فروع القومية الروسية) دور حصان
طروادة في المخطط الغربي للسيطرة على روسيا، أما موسكو فتمعنت وتريثت جيداً وهم يحاولون ثني إرادة الأميركان
والناتو والغرب من خوض هذه المغامرة، منذ تفكك الاتحاد السوفيتي وحتى شباط ــ فبراير / 2022 . وهذا المسلسل
يدور منذ ثورة أكتوبر الاشتراكية / 1919(1)، وصولاً لعهد روسيا الاتحادية، والجائزة هي الموقع القيادي الاول في
أوربا. حيث مثلت قمة مؤتمر مينسك 2014 (2) ذروة في الجهد الدبلوماسي. والروس يواجهون مؤامرات الغرب
ومحاولات توسع، والمعسكر الغربي يتقدم بخطى مدروسة نحو الحرب، ورغم الاتفاقية الرسمية لإنهاء الحرب الباردة
(مالطا / كانون الأول 1991)، والأتفاقات لإنهاءها، بموجبها فكك السوفيت الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو.
ولكن الغرب لم يوقف استفزازاته، بل ضاعفها. من ضم بلدان عديدة مجاورة لحلف الناتو، وإشعال فتيل بطيئ للأزمة
لاوكرانية بدأت بإيقاد نبران ثورة اوكرانية أطلقوا عليها الثورة البرتقالية، وجاؤا بحكومة كراكوزات تفعل ما يمليه
الغرب عليها، وأبتدأ العد العكسي وتدهور الموقف، ووضع الروس أمام معادلة صعبة للغاية، خياران كلاهما مر : أما
الاستسلام لإرادة الغرب والأتيان بحكومة موالية للغرب في الكرملين أو الصراع المسلح بكافة أبعاده الشاملة، السياسية
/ الاقتصادية / وصولاً إلى حتمية الصراع المسلح لأن نوايا الغرب الكامنة هي التوغل في روسيا أو تفكيكها …!.
وتفكيك روسيا هو أسوء الخيارت، وبمثابة أنتحار، لذلك المنطق يوصل إلى قبول المواجهة، لأنها تنطوي (إن أستعديت
للأمر جيداً) على أحتمال التعادل أو النصر ..!
الغرب أعتبر أنه قد كسب المعركة سلفاً قبل أن تندلع، أعتمادا على نظرية أن الروس لن يطيقوا صراعاً شاملاً من
الغرب، وقد أعدوا للروس سيناريو يشبه السيناريو العراقي بخلق كتل عرقية وطائفية، وإثارة صراعات داخلية ستفضي
لتقسيم روسيا، ولدى الكرملين معطيات وأدلة مادية تؤكد وجود هذا المخطط. وتصور الغرب أن روسيا تجمع هش
سينهار مع أول طرقة على الباب الخارجية. ولم يقرأوا نصيحة السياسي الألماني العبقري أوتو فون بسمارك الذي
نصح القيادات الألمانية وغيرها بعد خوض الصراع المسلح مع الروس، فالروس شعب كبير، صلب، شجاع، يعشق
بلده، ويحتمل الأذى والألم وينتصر في معاركه، إذن أسباب صمود روسيا هي إنسانية قبل أن تكون تقنية. وهكذا
صمدوا بوجه نابليون، والهتلرية، وكانوا المسمار الأمضى في نعش الأمبراطوريتان.
الروس أمة كبيرة وقوية في أوربا، وموقع القمة يتربعون عليه بجدارة منذ قرون كثيرة، ويبسطون نفوذهم على شرق
أوربا، لوحدهم، فيما غرب أوربا تتقاسم النفوذ فيه بريطانيا وألمانيا وفرنسا، أما الاولايات المتحدة فتطمع أوربا أكملها
بشرقها وغربها، بل وشرق آسيا، والعالم بأسره.. حتى الفضاء الخارجي، ولا يقبلون أن يصدقوا أنهم قد تراجعوا،
وسوف يواصلون التراجع عالمياً وفي جميع الساحات والقارات، فالقوى الواعدة أطلت وأبتدأت تحتل مواقع متقدمة،
والأمر لن يقتصر على الروس والأوربيين، بل والهند أيضاً واليابان، وتركيا، والبرازيل، وأندونيسيا، والباكستان ..
والشرق الأوسط، والقائمة تطول وتكبر، فأبتدأت المؤامرات الأمريكية والغرب يتبعها بتردد ولكن في النهاية الكل يطيع
وينفذ إرادة أميركا، وبريطانيا قبلت بدور التابع، وفرنسا وألمانيا يطيعان ولكن على مضض، مع تلميحات وتأشيرات،
أن لهما موقفا خاصاً …!
واليوم مؤاشرات النصر تلوح للروس على قاب قوسين أو أدنى، وإذا كنت متأكداً من هذه النتيجة، فغبري من المحللين
السياسيين، وبالاحرى قادة حكومات ودول، يدركونها أيضا بوضوح. لأن الروس يعملون بتخطيط جيد، وبتحالفات قوية
وبقناعات راسخة، وقد أنهارت مصداقية الولايات المتحدة، ولم يعد التحالف الغربي يتمتع بذات القوة والتماسك كأيام
الحرب الباردة. والأوربيون سأموا دور الأنقياد لمشيئة الولايات المتحدة، والسعي في الحروب العبثية(فيثنام، العراق،
أفغانستان)، ومن هنا أعتقد أن الأوربيون أدركوا مآل الأحداث، واليوم أكثر من ذي قبل، مبدأ أن الأمريكيون سيقاتلون
الروس حتى آخر أوكراني …! والقيادة الاوكرانية قدمت بلادها قرباناً للخطط الاستراتيجية الأمريكية الشاملة.
والأوكرانيون مغلوبون على أمرهم، فالقيادات النازية الجديدة التي تقود أوركرانيا في الخفاء والعلن، أرتضوا أن يلعبوا
دور كبش الفداء، معتقدين أن الغرب سوف لن يتخلى عنهم أبداً، وبالطبع أن الغرب سوف لن يتخلى عنهم ولكن مع
حذف صفة “أبداً “. فكل صفقة لها ثمن غال أو بخس..، وخاضعة بالتالي للبيع كما للشراء …!
الموقف السياسي العالمي سيشهد تغيرات، والاحتمالات الواردة عديدة :
- ستستولي روسيا على مناطق (؟) شرقي الدنيبر.
- ستكون هناك حكومة اوكرانية موالية للروس.(بصيغة ؟)
- سيشهد الناتو ضعفا في صفوفه.
- ستشهد أوربا تغيرات واسعة، قد تغير من وضع الاتحاد الأوربي.
- النظام الدولي السياسي / المالي سيشهد تغيرات كبيرة.
- ستخطو القارة الأفريقية خطوات كبيرة نحو التحرر من الهيمنة الغربية.
- أستخدام الأسلحة النووية، خيار أنتحاري لن يلجأ إليه حتى مالكوه، ولكن يمارس كمناورة،.
- الغرب (الناتو) حتى بأستخدامه الأسلحة التقليدية لن يتمكن من هزيمة روسيا لمفردها وهذه حقيقة كبيرة جداً.
- بحسابات الحجم السياسي والعسكري الروسي، لا يمكن الحديث عن أمن أوربي ومستقبل أوربا دون مشاركة
روسية فعالة. - الاقتصاد الروسي، كبير بقدراته الحالية واحتياطياته، سيكون من الصعب على أوربا الغربية التخلي عن
الاقتصاد الروسي . - السلام العالمي، التعاون الدولي شعارات لا يمكن تحقيقها إلا وفق سياقات وضمن نظام سياسي دولي،
وأقتصادي جديد، ونهاية نظام الأمم المتحدة، ونهاية تامة لنظام برتون وودز (الدولار كعملة وحيدة قابلة
للتبديل بالذهب). - التاريخ السياسي ” العلاقات الدولية” / الاقتصادي / العسكري، يفتتح فصلاً جديداً بعد صراع أوكرانيا.
بعبارة وجيزة : كلما طالت الحرب، ترتفع تكاليفها، وبالتالي يتغير الموقف على طاولة المفاوضات، ولكن مع
التأكيد، أن الموقف لن يكون لصالح الغرب، ولن يعود للقطة ما قبل شباط / 2022.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش
(1) حروب التدخل في روسيا 1918 / 1919
أعداد جنود الحلفاء من 10 أمم، الذين كانوا موجودين في المناطق المشار إليها في روسيا:
هبط 600 جندي من القوات الفرنسية والبريطانية في أرخانجيلسك
عدد من القوات البريطانية في فلاديفوستوك
عدد من القوات الرومانية في بيسارابيا
23,351 جندي يوناني، انسحبوا بعد ثلاثة أشهر (جزء من فيلق الجيش الأول تحت قيادة
الجنرال كونستانتينوس نيدر، الذي يضم فرقتين من المشاة الثاني والثاني عشر، في شبه جزيرة القرم،
وحول أوديسا وخيرسون
13000 أمريكي (في مناطق أرخانجيلسك وفلاديفوستوك)
11,500 استوني في شمال غرب روسيا
2500 إيطالي (في منطقة أرخانجيلسك وسيبيريا)
2,300 صيني (في منطقة فلاديفوستوك)
150 أستراليا (معظمهم في مناطق أرخانجيلسك)
15000 جندي ياباني في المنطقة الشرقية
4,192 كندي في فلاديفوستوك، 600 كندي في أرخانجيلسك
- بروتوكول : أتفاق مينسك
(الصورة: الرؤساء : بوتين، مكرون، ميركل، زيلينسكي، في مؤتمر مينسك)
يتكون نص البروتوكول من اثنتي عشرة نقطة:
لضمان وقف فوري لإطلاق النار الثنائي.
لضمان المراقبة والتحقق من وقف إطلاق النار من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
لا مركزية السلطة، من خلال اعتماد القانون الأوكراني «بشأن النظام المؤقت للحكم الذاتي المحلي في
مناطق معينة من ولايات دونيتسك ولوهانسك».
لضمان المراقبة الدائمة للحدود الأوكرانية الروسية والتحقق من قبل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا
مع إنشاء مناطق أمنية في المناطق الحدودية لأوكرانيا والاتحاد الروسي.
الإفراج الفوري عن جميع الرهائن والمحتجزين بشكل غير قانوني.
وضع قانون يمنع مقاضاة ومعاقبة الأشخاص فيما يتعلق بالأحداث التي وقعت في بعض مناطق دونيتسك
ولوهانسك أوبلاستس.
مواصلة الحوار الوطني الشامل.
اتخاذ تدابير لتحسين الوضع الإنساني في دونباس.
لضمان إجراء انتخابات محلية مبكرة وفقًا للقانون الأوكراني «بشأن النظام المؤقت للحكم الذاتي المحلي
في مناطق معينة من دونيتسك ولوهانسك أوبلاست».
سحب الجماعات المسلحة غير الشرعية والمعدات العسكرية وكذلك المقاتلين والمرتزقة من أراضي
أوكرانيا.
لتبني برنامج الإنعاش الاقتصادي وإعادة الإعمار لمنطقة دونباس.
لتوفير الأمن الشخصي للمشاركين في المشاورات.