أخبارثقافة

أوراق مغترب في الخواطر المعلَّقة

“أوراق مغترب في الخواطر المعلَّقة” سيرة تجمع بين التاريخ والحاضر

يأتي كتاب “أوراق مغترب في الخواطر المعلَّقة” للكاتب وجيه ريان جامع بين الحقيقة والخيال، وبين التاريخ والواقع بعين أردني عاش في بلجيكا.

ويأتي عنوان الكتاب الصادر حديثًا عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 136 صفحة من القطع المتوسط، ويضم ثلاثة أجزاء كُتِبَت بكلمات راسية لا تترك قارئها دون تأثيرات نفسية وفكرية، يقول وجيه ريان عن الجزء الأول منها: “أغلب الخواطر الإحدى عشرة الأولى مستوحاة من التاريخ البلجيكي والحضارة الغربية، وبوجود صديقي الأثري «مالو» ورفاقه «سقراط» و«بيجاسوس»”.

ويقول عن الجزء الثاني: “يتضمَّن هذا الجزء خمس خواطر تروي أحداثاً من التراث الغربي، وتحاول تأصيل بعض المفاهيم وتوضيح حقيقة بعض الأحداث التاريخية، دون صحبة رفاقي مالو وحاشيته”.

وأما الجزء الثالث فيقول إنه: “يتضمَّن هذا الجزء اثنتي عشرة خاطرة تروي بعض النوادر المختارة والحكايات الطريفة؛ منها الروحانية، والتي تخصُّني شخصياً أو تخصُّ بعض رفاقي”.

ويؤكد وجيه ريان في مقدمته للكتاب: “تحتوي هذه الخواطر قصصاً حقيقيّة واقعيّة، بعضها تاريخية تخصُّ التاريخ البلجيكي، هذا البلد الذي قضيت به شبابي، وأكلت من ثمار ترابه وشربت من مائه، ثم درست بجامعاته وتزوَّجت إحدى بناته وأنجبت لي أطفالي، وبكل محبة وتقدير أكتب بعض الخواطر التاريخية ذكراً له ومعبِّراً عن شكري واحترامي ما قدَّمه هذا البلد لي ولغيري من المهاجرين”.

ويضيف في المقدمة كذلك: “يحتوي الكتاب أيضاً بعض الخواطر المستنتجة من الحضارات الغربية وواحدة من الحياة الأردنية وأخرى من البادية العربية، والتي كتبتها للمعرفة أولاً ولقضاء الوقت والتسلية ثانياً”.

وتزخر الخواطر  برؤية الكاتب الفلسفية، وتنزع إلى الحكمة، ففي خاطرة “دع الموتى يدفنون موتاهم” يقول وجيه ريان: “نظر إليَّ مالو باستغراب، وقال: «كما قلت لك قبل قليل دعهم وشأنهم يا صديق ذاتي. دعِ الموتى يدفنون موتاهم. هذا كل ما يملكون من معرفة لتدبير أمورهم، فلا تلُمهم. إن كنت أنت أفضل منهم عليك أن تهملهم، وإلّا اذهب لوحدك للقائهم والعبث بهم». حينها توقَّف مالو عن الكلام، فحملت جسدي الذي أصبح ثقيلاً مع مرور الزمن وخرجت.

وأنا عائدٌ إلى بيتي شعرت أني راجعٌ بخفي حنين، لكن الصواب تغلَّب على الباطل، فبدأت أقيِّم ما قاله مالو، وبعد قليل صرخ صوت ضائعٌ بصدري معلناً: «أُريكا». نعم إن مالو على حق، هذا ما سأفعله، أعني أنني لن أفعل شيئاً، مردِّدا ما قاله الإمام الشافعي: «دع الأيام تفعل ما تشاء… فطِب نفساً…»، فحينها هدأت أعصابي وارتاحت نفسي ونمت تلك الليلة كما ينام الرضيع على صدر أُمه دون هم وغم”.

وحول مبدأ أصيل من مبادئ الحياة، ألا وهو أهل الفضل؛ تدور خاطرة “الأميرة والنبعة”، فيقول فيها وجيه ريان: “جرعة من ماء الزجاجة كانت كافية لتعيد العافية إلى صاحبي، وعندما أعطيته الصرَّة وأخبرته بقصتها، قال: «كنت أتوقع هذا»، وردَّد ما سمعه مني قبل قليل: «لا يعرف الفضل لصاحب الفضل إلّا ذو الفضل». وأضاف: «كم هي نبيلة هذه الأميرة!».

في طريق الرجوع إلى بيتي، لم أستطِع أن أنسى وجه أميرتنا البشوش ورقَّة قدِّها الروحاني، فهل سألقاها يوماً، وتلقاني؟ هل من زائرة تأتيني لتحقِّق أحلامي كما حقَّقت حلم صديقي مالو؟ كم أنتِ جميلة أيتها الحياة!”.

حقّاً إنه الحب يصنع المعجزات، وهذا ما حدث مع بطلة خاطرة “الأميرة جوديت ابنة حفيد شارلمان العظيم”، والتي كتب المؤلف تحت عنوانها: «يصنع العظماء بأعمالهم المشرّفة تاريخ بلادهم المُشرق».

يقول وجيه ريان في الخاطرة: “منذ أن تولَّت «جوديت»، السابحة في نهر السعادة برفقة زوجها الشاب الطموح، أمر هذه المنطقة البائسة، بدأت بدراسة وتنفيذ مشروع التصنيع اليدوي للأقمشة والملابس الملوكية الفاخرة، معتمدين على الصوف الإنجليزي المستورد، وبعد فترة وجيزة أصبحت جودة الأنسجة الفلاندرية وجمالها وحسن إنتاجها الموضوع الأكثر إثارة في محادثات المجتمعين في المناسبات وحفلات الطبقات البرجوازية والأرستقراطية في العديد من المناطق الأوروبية، وبصفتها ملكة سابقة وابنة إمبراطور مملكة غرب الراين كانت «جوديت» تعرف جيداً رغبات هذه الطبقة الثرية وكيفية صرف أموالهم وكسب ثقتهم والتعامل معهم، ما زاد من طلبهم لهذه الألبسة المميَّزة، لهذا وبمساعدة والدها وأثرياء المنطقة، دُشِّنت المصانع في جميع أنحاء المنطقة الفلمنكية وأصبحت مدنها، وبخاصةٍ «بروج» و«غنت» و«أيبر» تساوي في ثرائها وشهرتها شهرة مدينة «باريس الفرنسية»”.

وفي الخاطرة الأخيرة من المجموعة -والتي حملت عنوان “دمار غزة أدماني”- يسلط وجيه ريان الضوء على ذلك العدوان الغاشم الذي تتعرَّض له غزة، فيقول: “من بعيد… سمعتُ دويَّ سقوط القنابل الثقيلة تدمِّر البيوت الغزاوية في أحد مخيماتها المتواضعة. هرعت إلى المكان المستهدف، وقبل وصولي بأمتار قليلة، رأيت صبيّاً في العاشرة من عمره، ينهض مذعوراً من بين الركام، وينهمك بإزالة التراب المتراكم على وجهه الصغير السموح، ليستطيع رؤية ما جرى له ولأهل بيته. لسوء حظه لم يجد بقربه سوى أكوام من الحجارة الإسمنتية الثقيلة وغيرها محطَّمة ومبعثرة في كل مكان، فأخذ ينادي وبأعلى صوته: أين أنت يا أمي؟ يا أبي؟ أين أنت يا أحمد؟ أين أنت يا أختي، أين.. أين؟

 توجَّهت نحو صوت الصراخ، وإذا بالشاب النحيف الذي أضعفه الجوع يتجه نحوي متوسّلاً ومستغيثاً وقد يبست شفتاه وربط على لسانه من الذعر والظمأ. بعد لحظات عصيبة نطق بكلمات مكسَّرة: أرجوك يا عمّي أن تساعدني، تعالَ معي لنخرج أهلي من تحت الأنقاض. نظرت بحزن وأسى إلى حجارة منزله المهدَّم على أهله كبقية البيوت المجاورة، ثم ألقيت نظرة شفقة على الصبي، وقلت له: لا أعتقد أنني أستطيع مساعدتك، نحن بحاجة إلى رافعة لإزالة هذه الأكوام الحجرية الثقيلة. دعنا ننتظر علَّ الله يرسل إلينا ما نحتاج إليه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى