-أوبنهايمر-فيلم هوليودي مضلل وخَطِر يحاول تبرئة مجرمي الحرب في هيروشيما!
علاء اللامي
فيلم أميركي مُضَلِّل وخطر عن “أوبنهايمر” مخترع القنبلة النووية، تحاول هوليود من خلاله دفع الضحايا لتبرئة مجرمي الحرب وقادة الإبادة الجماعية في هيروشيما وكانتزاكي باسم التقدم العلمي! وقبل قراءة الفقرات أود التذكير بالآتي ليكون القارئ على معرفة ببعض التفاصيل ذات الصلة والتي لن يقترب منها في العادة المصفقون للفيلم ولهوليود ولأميركا للغرب بشكل روتيني وببغاوي:
*فحتى اليوم ماتزال دولة الولايات المتحدة الأميركية ترفض الاعتذار رسميا عن مجزرة الإبادة التي ارتكبتها في جزيرتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين واللتين قتل فيهما مئات الآلاف من الناس ومات بسببهما خلال عقود مئات آلاف أخرى بسبب التلوث الإشعاعي اللاحق.
*في المناهج التدريسية الأميركية يمنع التطرق لهذه الكارثة – القصف الذري لهيروشيما وناكازاكي – والتعليق عليها في جميع المستويات بل وإذا حدث وتطرقت إليها فمن باب إنها عملية حربية مشروعة عجلت بإنهاء الحرب العالمية الثانية وإجبار اليابان على الاستسلام، وهذه كذبة فندها مؤرخون كثيرون من بينهم أميركيون وأوروبيون أكدوا أن القيادة اليابانية كانت على وشك الاستسلام وبدأت فعلا في مناقشة شروطه!
*إن مجزرة هيروشيما وناكازاكي هي عملية ثأرية متخلفة وإجرامية قامت بها الدولة الأميركية ودفع ثمنها الشعب الياباني وهذا ما اعترف به الرئيس الأميركي ترومان لنقرأ “عندما وصلته الأنباء الرسمية بإسقاط قاذفة “بي 29” قنبلة ذرية فوق هيروشيما، ليصف ذلك بأنه أعظم شيء في التاريخ، معتبراً أن أميركا فازت بأكبر رهان علمي في التاريخ عبر تسخير القوة الأساسية للكون بانشطار الذرة، وأن هذا هو وقت القصاص من اليابان التي دفعت ثمن هجومها غير المبرر على قاعدة “بيرل هاربور” الأميركية عدة مرات وقتل الأسرى الأميركيين/مقالة في جريدة الاندبنديت 6 آب 2021″.
*أكثر من ذلك فإن الرئيس الأميركي ترومان نفسه قال ما يدينه تماما حين برر القصف الذري على اليابان بقوله “عندما تضطر إلى التعامل مع وحش، يجب عليك أن تعامله كوحش”، أي أن تكون أن وحشا تتعامل مع وحش!
*أما أوبنهامير مخترع هذا السلاح الفتاك والإجرامي فقد كشف إنه “خلال لقاء خاص مع الرئيس بعد فترة وجيزة من الحرب قال له بأنه يخشى أن تكون يداه ملطخة بالدماء، فطالبه ترومان بأن يتوقف عن القلق، لأنه هو وليس أوبنهايمر من أصدر القرار. م.س”.
*ما يزال العالم حتى يومنا هذا يعيش تحت رعب التهديد النووي والإفناء الذري المتبادل بين الدول المتصارعة، وتمتلك هذه الدول ما يكفي لإفناء البشرية عشرات المرات! وما يزال الغرب الإمبريالي بزعامة أميركا وبواسطة التهديد بهذا السلاح المرعب يفرض هيمنته العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية على الدول الفقيرة والنامية في جميع القارات ويفرض على الدول والشعوب الرافضة الحصار الشامل ويستهدفها عسكريا بالتدمير والقتل.
*في هذا الفيلم لم نرَ مشاهد قصف هيروشيما وناكازاكي وفظاعات ورعب الموت الجماعي للناس وجثثهم المحترقة هم وأطفالهم وحيواناتهم، والتبرير الذي طرحه أحد النقاد السينمائيين (لم يذكر المترجم قحطان المعموري اسمه أو اسم الجهة الناشرة في مقالة أخرى نشرتها المدى قبل يومين) والقائل إن مخرج الفيلم ربما لم يشأ أن يجعل الحرب جذابة بشكل غير مقصود! أما أن يكون الفيلم كله محاولة لتبرير وتبرئة مخترع السلاح ومستعمليه فهذا شيء مشروع في العقل الغربي الهوليودي كما يظهر!
*فقرات من مقالة نقدية جريئة ولا تتملق آلهة العنف والإرعاب الأميركية نشرتها جريدة الأخبار البيروتية يوم 1 آب الجاري بقلم أحمد ضياء دريدر: «أوبنهايمر» أو كيف تعلّمنا هوليوود أن نحبّ قتلنا الجماعي ونكفّ عن القلق! الفقرات أدناه:
- بدأت تجربة القنبلة الذرية في صحراء لوس ألاموس فتنحبس الأنفاس. يتباطأ الزمن ويتوقف الصوت فلا تسمع إلا همساً؛ ووسط هذا الخشوع في حضور ميلاد أقوى أسلحة الدمار في ذلك الوقت (وأمام سلاح الدمار الذي سيحدد هوية العصر) نرى ضوءاً ساطعاً، ثم يعود الصوت ونسمع الانفجار مبشّراً بنجاح التجربة.
*قيل إن الجمهور في بعض بلادنا العربية قد وقف مصفّقاً عند هذا المشهد. تدعونا هوليوود دائماً للتماهي مع المستعمِر، ولكن هذه مرحلة جديدة من الانسحاق وانهزام الكرامة تجعل بعض الناس يصفّقون لجلّادينا ولقدرتهم على إبادتنا. هذا لا يمنع أن البعض الآخر من جمهورنا يعي جيداً أن أوبنهايمر هو مجرم هيروشيما وناغازاكي وأن هذا الاختبار الناجح كان بداية الجريمة.
*أمّا علاقتنا، نحن المشاهدين، بهذه النار فليست واحدة، بل تختلف بحسب علاقتنا بالمركز الإمبراطوري: النار التي تنير لهم هي النار التي تحرقنا. وإذا ما قرئ مشهد تفجير القنبلة التجريبية، وقرئت النار التي طغت على آخر المشهد، بروميثيوسيا تصبح هذه النار وتصبح الرهبة التي تبثها في المشاهد علامة من علامات هذه القدرة البشرية المتطورة؛ بينما إذا قرأناه في ضوء المجزرتين في هيروشيما وناغازاكي وفي ضوء القدرة السياسية التي أعطاها لأصحاب القنبلة، فلا نرى في النار سوى أشلاء الأبرياء وهي تحترق – لا أشلاء اليابانيين الذين أصابتهم القنبلة بشكل مباشر فحسب، ولكن أشلاء الذين أحرقتهم أميركا في حروب أخرى بقدرات تكنولوجية مماثلة أو مختلفة وبقدرة سياسية تستند في ما تستند إلى هذه القنبلة.
*يمر حوار الفيلم عرضاً على حجم المأساة في اليابان (من دون عنصر بصري واحد). لكنّ الاستعارة البروميثيوسية، مع تقطيع المشاهد وقفزها ما بين المستويات الزمنية بشكل يضع الثقل الدرامي على ما عاناه أوبنهايمر من بعد القنبلة على يد رئيسيه/غريمه في هيئة الطاقة الذرية وعلى يد البارانويا المكارثية، كل ذلك يجعل أوبنهايمر، كما قال له أحد أشخاص الفيلم، يلاقي عقوبة بروميثيوس -الذي تقول الأساطير إن الآلهة قد عاقبته على المعرفة التي منحها للبشر بأن قيّدته إلى جبل لتأكل العقبان من كبده بالنهار ثم تنمو كبده بالليل لتأكلها العقبان في اليوم التالي. يريد لنا الفيلم أن نظن أن أوبنهايمر قد عوقب وأنه عوقب جزاء الجميل الذي أسداه للبشرية. بينما الحقيقة هي أنه كان مجرماً وأن ما عاناه من جراء الخلافات الداخلية الأميركية، التي يفرد لها الفيلم ثلثاً كاملاً ولا يخلو ثلثاه الآخران منها، وأن هذه الخلافات الأميركية الصغيرة والتافهة لا ينبغي أن تعنينا إلى هذه الدرجة.
*في مشهد تالٍ قريب نرى جمهوراً يلوّح بالأعلام الأميركية ابتهاجاً بالمجزرة ويهتف لأوبنهايمر والقنبلة، ونرى أوبنهايمر واقفاً على المنصة يتلقّى التكريم ثم يباغته الندم فيتخيل كما لو أن القنبلة الذرية قد أصابتهم هم ويرى كل من حوله وهم يحترقون أو يفرون بحثاً عن ملجأ.
*نرى خلال الفيلم أوبنهايمر وهو يريد أن يتعذب ليكفّر عن ذنبه، ونراه مزهواً لأنه اخترع اختراعاً أنهى الحرب وكان من شأنه، بحسب رأيه، أن يمنع الحروب الأخرى. وفي الحالتين تُتخطى دماء اليابانيين ليصبح العالِم الأميركي، بزهوه أو بعذابه النفسي، سيد المشهد.
*في زملاء أوبنهايمر الذين وقّعوا عريضة تطالب بعدم استخدام القنبلة، خاصة وقد أوشكت الحرب على الانتهاء -في مقابل أوبنهايمر الذي كان يتستر بحياد العلم ليشارك في ارتكاب جريمة العصر. وكانا هناك في رفاق أوبنهايمر القدامى من اليساري- الذين تنصّل هو منهم، والذين حاول بعضهم تسريب سر القنبلة إلى السوفيات لكي لا تستأثر قوة واحدة بهذا السلاح المدمّر، في مقابل وشاية أوبنهايمر بهم.
*هاتان النقطتان لم تفيا الفيلم حقهما؛ فبينما بدت عريضة العلماء هامشية، فإن الفيلم قد أسقط تفصيلة مهمة، إذ لم يكن توقّع استسلام اليابان محتوماً فحسب، بل كان اليابانيون قد بدأوا بالفعل في مناقشة شروط الاستسلام وكان العائق الوحيد هو إصرار الأميركيين على أن يكون الاستسلام «دون قيد أو شرط».
*ولكن تنكّر أوبنهايمر لهذا اليسار الأخلاقي لم يبدأ حين وشى بعضو الحزب الشيوعي الذي كان يريد تسريب الأسرار للسوفيات. فعندما بدأ «مشروع مانهاتن» لإنتاج القنبلة الذرية كان على أوبنهايمر أن يقطع صلاته بأعضاء الحزب الشيوعي (بمن فيهم أخوه) وأن ينحّي كل العلماء من ذوي التوجهات اليسارية من فريقه بعد أن يكون قد أدار ظهره لتوجهاته هو اليسارية.
*يجعل الفيلم من إدارة أوبنهايمر ظهره لمبادئه استقلالاً وفردية، ويجعل من تنكّره لزملائه خدمة وطنية، ويساق الهولوكوست بشكل غير أمين في المشهد الذي يتنكّر فيه لزملائه ليبدو كما لو أنه تنكّر لهم ليتسنّى له إنقاذ بني دينه من المحرقة، لا ليصبح إله القتل كما تشي الصلاة الهندوسية الشهيرة التي قيل إنه ردّدها بعد نجاح التجربة: «ها قد أصبحتُ الموت؛ مدمرَ العوالم».
*الفيلم، فنياً وعلى مستوى التمثيل والحبكة والرواية متوسط – ربما باستثناء بعض المشاهد التي يستعرض فيها المخرج براعته التقنية/السنماتوغرافية. وعناصر الفيلم لا ترتقي إلى مستوى الأسئلة التي يطرحها حدث مثل اختراع القنبلة الذرية واستخدامها. وحكايته تهرب من الأسئلة المصيرية إلى تفاصيل محلية أميركية جانبية تتعلّق بالشد والجذب في ما بين الأطراف المختلفة هناك وبمسألة الولاء لأميركا، ومحاولات تسويقه كأهم أفلام القرن ما هي إلا محاولات لفرض تفاهات المركز الإمبريالي وأسئلته الفرعية على سائر العالم.