أنفاس لدفتر عتيد
ابتسام الحاج زكي
في زحمة انشغالي في البحث بين الأوراق القديمة عن كتاب رسمي احتجته لمعاملة في دائرة حكومية، طالعني بغلافه الأزرق الجميل وكأني به يحاول تبديد بعض ما ألمَّ بي من ألم وانزعاج، فأكثر ما يثير الاشمئزاز وربما يشاطرني البعض الرأي هذا هو حين تجبرك الظروف مرغما لمراجعة دائرة حكومية…، فتجد نفسك في موقف استجداء تتزاحم ومراجعين ابتليوا هم أيضا بهذا الزحام ليفصل شباك بينكم وبين موظف يقبع خلفه، لا شأن له وضحالة الموقف الذي يزداد قسوة كلما ازدادت قساوة الطقس وضراوته، فتشعر وكأنّك تتسول حقّك المغتصب عنوة.
ها انا أقتحم أسواره الزرقاء واتجوّل في ثنايا صفحاته التي لا تزال تقاوم تقادم السنين،وكأنها انحازت أخلاقيا لتغدو وثيقة إدانة وشاهد على مقصلة تختار بخبث ضحاياها لترجع بذاكرتي إلى ثمانينيات الحرب وفجائعية تلك الأيام وجبروتها حين كنا نودّع أحبتنا إلى حرب لعوب وإحساس بالخوف من عدم عودتهم يخنق أنفاسنا، وما إذا كان هذا هو الوداع الأخير، فهذا ما لا طاقة للنفس على تحمّله وقتذاك، لكنّه المزاج الدموي فرض سطوته متعاليا على عويل وطن أدرك مٱل أمره، يا إلهي أية حياة توهمنا أننا عشناها؟!
دفتري العتيق والعتيد وضعني هذه المرة في رحاب قول متنبي الكوفة:
ما كل ما يتمناه المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
ليتردد صداه في حنايا روح كسيرة تتصفّح دفترها العتيد، إذ بين كل كتابات الذكرى التي اختطتها أنامل صديقات المرحلة الإعدادية وقفت عندها جملة صديقتي “زينب كريم”، وقد تمنّت لي أن أكون صحفية كبيرة، بعد أن تلمست شغفي بالقراءة والكتابة وكانت ممن شجعنني على الاستمرار بطريق الكتابة، لكنّها ثمانينيات الخوف والبطش واغتيال الأحلام، حين صودرت الثقافة والإعلام واختزلها بطش شخص مهووس لدرجة الفصام، فصارت تتغنى وتمجّد أفعاله وإن هرست الشعب حرب أجاد صناعتها ليعوم في لجّة قانية.
أعود لأمنية صديقتي،فهل تراني خذلتها، أم أن حاجزا فولاذيا هو من حال بيني وبين ما تمنّته لي وما كنت أرجوه؟!.
أمنيات أن تكون زينب وجميع صديقات تلك المرحلة بألف خير، ولا سيما بعد هذه الرحلة المضنية في أتون أوضاع عابثة قادت إليها ماكنة حرب انتجتها عقول عفنة.