أكلة لحوم البشر!!…
غادة عماد الدين
الذنب والخطأ من طبائع النفس البشرية، فلا يوجد إنسان لم يذنب، ولا يوجد إنسان على هذه البسيطة لم يخطئ، وقد صاحب ذلك أنّ هناك فئات من الناس تكون عوناً للشيطان على المخطئ، وذلك بفضح أمره، وهتك ستره، وتمزيق عرضه، والتشهير به، والحديث مع الناس عن معصيته، بدلاً من مساعدته على تصحيح خطئه أو التوبة عن ذنبه ومعصيته. فأصبح البعض يتخذ من أعراض الناس نوعاً من اللهو والتسلية، وإضحاك الآخرين، فلا يطيب لهم الحديث إلاّ بذكر عيوب الناس، بل وتلفيق التهم لهم، ولا يبالون بما يقولون، فلا خوف من الله … يردعهم، ولا حياء من الناس يمنعهم .
عندما يجتمع الناس و يبدءون في تبادل أطراف الحديث سويا لا يخلو الأمر من الكلام في سيرة البعض، والطعن في أعراض البعض الأخر،… تارة يحسدون … وتارة يغبطون .
يتكلمون عن الخبيث منهم… وعن الطيب، يتكلمون عن الغني منهم… وعن الفقير، وعن العازب منهم… وعن المتزوج .
يقحمون أنوفهم في أمور لا شأن لهم بها .
تراهم يبالغون في المواضيع و يهولونها، ويتناقلون الأخبار الكاذبة فيما بينهم .
ويتعدى بعضهم مجرد الكلام في أسرار الناس إلى ما هو أكثر.
لذلك تجد رادارات بعضهم تعمل باستمرار و بدون توقف بحثا عن منظر أو حدث معين يكون مادة لتأليف الحكايات، والإبداع في فن تأليف القصص الكاذبة وتلفيقها في الناس .
وحتى إن كانت هذه القصص حقيقية فلا ينبغي نشرها وفضح خلق الله علنا … وأمام الملأ.
وينسون أن رسول الله (صلعم) هو القائل: “من ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه يوم القيامة” .
وسبب ذلك قلة العقل والعلم والدين
لأنّ النفس إذا لم تشغلها بالحق والخير شغلتك بالشر والباطل
وكثير منهم لديه فراغ كبير أساء استثماره، فبدلاً من أن يوجه ما حباه الله من نعمة الصحة والغنى والفراغ لما ينفعه في دينه ودنياه وجّهه إلى ما يضره ويضر مجتمعه ضرراً بليغاً، لأنّ في التشهير وذكر المثالب والعيوب والهمز واللمز وتحقير الآخرين والاستهزاء بهم والتقليل من شأنهم ما يكرس البغضاء بين الناس، فيكره بعضهم بعضاً ويبعد المسلم عن أخيه وجاره وزميله وغيرهم مما ينكد على الناس حياتهم ويفرق بينهم ولا هدف للشيطان أكثر من هذا، ولذلك قال سبحانه وتعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ{
فمن أباح لنفسه ما حرّمه الله عليه من انتهاك العرض، فهو كالذي أباح لنفسه الأكل من المشهر به كما لو كان أخيه ميتاً تحللت جثته وأكل من هذه الجثة.
ومن يتأمل يجد أنه لا فرق، فمن لا يبالي بهذا الأمر فهو كمن يأكل لحم البشر بعد الموت، وصار من الناس من يتلذذ بسماع وبقول ما لا يجوز سماعه ولا قوله من الغيبة والنميمة والبهت والشر والذنوب، وكل هذا إثم وذنب يجب إنكاره من كل أحد من السامعين.
ولا يعذر أحد بالسكوت عليه، لأنّ الراضي كالفاعل ومن يستمع للمغتاب فهو شريكه بالإثم، فإنه لا يُكبُّ الناس في النار على وجهوهم إلا حصائد ألسنتهم كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام.
وما أشقى من يُذهب حسناته وثواب أعماله الصالحة من صلاة وصيام وزكاة وغيرها يذهبها بما يقوله في غيره مما لا فائدة له فيه، وإنما قال ذلك في غفلة أوقعه الشيطان فيها لإهلاكه .
إنّ الموقف يقوم على أصلين كبيرين وخطين متوازيين: أحدهما: النصيحة والثاني: الستر، فأما الأول فيقتضي الإصلاح والتقويم والتغيير والدعوة والتوجيه،وأما الأصل الثاني وهو الستر .
لأنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم.
وبناءً على هذا الأصل تحصل الألفة والمحبة والاجتماع بين المسلمين وتجتث جذور البغضاء، والشحناء، والأحقاد.
ومن يحاول تتبّع عورات الناس، والتلصص عليهم، أو تتبّع أخطائهم، أو نشرها على الملأ من خلال الأحاديث العامة أو وسائل الإعلام أو شبكة الإنترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر،،،، الخ
ناهيك إذا كان هذا الشخص يتلذّذ بإشاعة مثل هذه الأخبار، فكل ذلك مرض في الشخص يحتاج إلى علاج مكثف.
فإذا تجاوز الأمر إلى أن أصبح ظاهرة اجتماعية فإنها قاصمة الظهر، وتصبح مرضاً عضالاً يتطلب حملة علاجية توعوية لا تتوقف.
أسأل الله أن يوقظ قلوبنا لنحذر كيد الشيطان ومكره.
وختاماً يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوه