ولايات ومراسلون

شيخ المعلمين سي عبد السلام بن سي محمد الإمام بمتليلي الشعانبة

في ذكرى وفاة شيخ المعلمين و التعليمين سي عبد السلام بن سي محمد الإمام مولاي لخضر بمتليلي الشعانبة ولاية غرداية

بسم الله الرحمن الرحيم.

ويحل 19 ماي عيد يوم الطالب وتاريخ ثورتنا التحريرية المظفرة من كل سنة ليذكرنا بمأثر الرجال وخصالهم ومسيرة طلبة العلم ولكن هاته المرة ليذكرنا برحيل شيخنا الفاضل, مربي الأجيال ومعلم الناشئة للتعليمين القرآني والنظامي الدراسي. بتاريخ 19 ماي رحل عنا للأبد شيخ المعلمين مولاي لخضر سي عبد السلام بن سي محمد الإمام بن أحمد, سليل الشرفاء الأشراف. شيخ من أعلام القرن العشرين كما سماه بذلك طلبته ومعاصروه.

بتاريخ 19 شهر ماي حلت الفاجعة مجددا بمتليلي الشعانبة بولاية غرداية جنوب الجزائر. لتنطفئ شمعة من شموعها المنيرة ويجف نبع فياض من أعذب الأنهار ولتنزع ركيزة من أقوى الركائز الداعمة ولتضرب صرخا شامخا وعالما من علمائها ومجاهدا وشيخ من خيرة مشايخها وأستاذا من أفضل الأساتذة ومكونا من أحسن المكونين و مربيا فاضلا من أنبل المربيين ومعلما من أكفأ المعلمين خلقا وتربية.

وبتاريخ يوم الخميس 19 ماي 2011. شيعت جنازة فقيد متليلي الشعانبة وبذلك إنطفأت شمعة منيرة من الشموع التي كانت مضيئة على المدينة والمنطقة لهاته الشخصية البارزة, علميا فقهيا ودينا وتربويا إجتماعيا وثقافيا ,تاريخيا وسياسيا عميد من عمداء المدينة برمتها.

رحل هذا المعلم الشيخ الجليل بصمت دون سابق إنذار, الشيخ الذي عاش طوال حياته بصمت بعيدا عن الأضواء وحب الظهور. دون أي بروز أو مظهر من مظاهر الدنيا الزائفة. زاهدا متواضعا بسيطا من العظماء. لا يحب الإطراء ولا المدح بل كانت جميع أعماله الجليلة الدينية والقرآنية والتعليمية والإجتماعية لله عز وجل.

فكانت ساعتها كلمة تقدير وعرفان لفضيلة شيخ المعلمين العاملين الساهرين القائمين الحريصين على نشر الرسالة المحمدية وتبليغها وتعليم الناشئة لديننا الحنيف ومبادئ الفقه ومتون الدين وأصوله منهم شيخنا الفاضل وأستاذنا المحترم ومرشدنا القدير فقيدنا الشيخ سي عبد السلام ( مولاي الأخضر عبد السلام بن محمد الإمام بن أحمد ) لقد كان شيخنا رحمة الله عليه معلما رحيما وأبا للجميع وأخا للكبار ورفيقا للشباب ومساندا للكهول وصديقا للشيوخ وبهذه الميزة التي خصه الله بها والمكانة العلمية الأدبية التربوية التي خاضها طيلة حياته المهنية والعملية ,بها أكتسب محبة الجميع, محبة لها ذكريات لا تنسى ولا تمحى ممن علمهم ورباهم وكونهم من طلبة وإطارات ومدرسين وأساتذة وباحثين وجامعيين أكاديمين.

كان من الحريصين لإحياء السنة المحمدية وسيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم العطرة ومن رواد وعمار المسجد العتيق بالقصر القديم خلفا لوالده المرحوم سي محمد الإمام بن أحمد مولاي لخضر.

إنه المعلم المربي الفاضل الشيخ العلامة الفقيه المحنك الأستاذ المرشد, الشيخ الذي بكته يومها متليلي الشعانبة وأهلها عامة وطلبته وتلاميذه والأسرة الدينية والتربوية والثورية بحسرة . الكل بكاه بألم شديد من أهل العلم والمعرفة والفقه بجميع مذاهبه والسيرة النبوية وبكاه المتعلم والسائل والتائه والحائر.

لقد كان الشيخ سي عبد السلام , الرجل الوقور, معلما نصوحا ومربيا صالحا وأديبا متواضعا ومتسامحا وفقيها مطّلعا يعمل في الظل بعيداً عن أضواء الإعلام من الذين لا يبحثون عن مال ولا منصب ولاشهرة, لم يكره أحد مجالسته ولم يمل أحد من دروسه وندواته وحلقاته وخطبه.

لقد فقدت متليلي فيك أيها الرجل الصالح صرحا شامخا من صروح العلم وعلما من أعلام الشريعة الإسلامية وإماما من أئمة الهدى صخر حياته لنشر تعاليم الدين الحنيف ولتنشئة أجيال من حفظة القرآن الكريم وطلبة العلوم الشرعية ووهبت حياتك في خدمة الجميع الكبير والصغير الغني والفقير المتعلم و المبتدئ وغرست في قلوب مجالسيك ومستمعيك محبة الله ورسوله بالحكمة والموعظة الحسنة.

تشييع جنازته:

شيعت جنازته حملا على الأكتاف سيرا على الأقدام مرورا بحي الأمير عبدالقادر- شارع محمد بن سعيد, ساحة المجاهد, عبورا على القنطرة و ووسطة المدينة أصولا إلى ىساحة مقبرة سيدي مولاي سليمان قرب مقبرة الشهداء مدخل المدينة, أين أفتتحت حلقة القرآن الكريم لما تسير من السورة المعتادة على عرف مشايخ المدنية من موروثنا الديني في الطقوس الجنائزية.

الكلمة التأبينية :

ألقيت فقرة كلمات تأبينية ككل جنازة مهيبة ألقى الأستاذ سيراج الحاج السيراج كلمة الأسرة الثورية للمجاهدين للتعريف بمشاركة الرجل في ثورة التحرير وما تكبده وتعرض له من زلم و بطش الإستعمار وكلمة فضيلة الشيخ الحاج الأخضر الدهمة بن قويدر, زميل الدراسة و رفيق رحلة طلب العلم في الزيتونة بتونس وتلاميذ الشيخ محمد لخضر الفيلالي عن الأسرة الدينية والتربوية وتبلتها الفقرات لحين ختاماها و بصلاة الجنازة و دفن الشيخ طويت الصفحة المشرفة من حياته وسيرته ومسيرته.

ما قاله عنه تلاميذه ومحبوه:

أنه رجل تعلوه السكينة والبساطة، جم الأخلاق، واسع البال، كان يشرح درسه بأسلوب شيق. وكان جادا صبورا واسع النظر، ويذكر بمن سلف من السلف، وكان ذا طول بال في التأني والتحمل وحسن الأداء. تعلمنا منه حرية النقاش والشعور بالمسؤولية بشجاعة علمية وأدبية.

                          لقائي بالشيخ سي عبد السلام:

جمعني بفضيلة الشيخ سي عبد السلام عدة لقاءات وجلسات بداية من مكتبه بسقيفة بيته بالسوق القديم العتيق مقابل معلم القصر القديم المعروف بالدوار ومكتبي أين أطلعنا عن سيرته وعن رحلته الى الزيتونة وطلبه للعلم ولما تكبده من طرف الإستعمار و قبل رحلته إلى تيميمون جوهرة الواحة الحمراء و إلى عين صالح تيديكلت وغيرهم والتي نختصر منها هاته النبذة من سيرته.

نبذة عن الشيخ سي عبد السلام:

ميلاده ونشأته:

هو الشيخ الفقيه الزاهد الشيخ مولاي لخضر عبد السلام بن سي محمد الإمام بن أحمد, من مواليد سنة 1926 بقصر متليلي الشعانبة, نشأ في بيت دين وقرآن وعلم وصلاح وإصلاح وخير ونشأ بين أبوين كريمين في أسرة محافظة وعريقة من عرش الشرفاء, فيها ترعرع.

تعليمه وطلبه للعلم:

كانت الخطوة الأولى لتعليم الشيخ سي عبد السلام رحمه الله إلى حظيرة القرآن والتعلم وعالم العلم ومشايخ العلماء هي مدرسة المسجد العتيق على يد العلامة الشيخ الطالب محمد كديد رحمه الله- التي كانت في الحقيقة منارة العلم والمعرفة.

أين تلقى تعليمه وحفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ الفقه الإسلامي ثم إنتقل إلى بلدية تيميمون سنة 1935م. حيث وأصل حفظ القرآن الكريم وتفسيره على يد الطالب باعزيز وعند رجوعه إلى متليلي واصل دراسته للقرآن الكريم على يد المرحوم الشيخ الطالب شريف بكار وبعدها

تنقله للعلم خارج متليلي الشعانبة:

إنتقل إلى مدينة غرداية وتتلمذ على يد الشيخ محمد الأخضر الفيلالي موفد جمعية العلماء المسلمين رحمه الله بمسجد خالد بن الوليد بضاية بن ضحوة حاليا وتعلم اللغة العربية ومبادئ أصول الفقه والقرآن الكريم.

سفره لطلب العلم لزيتونة بتونس:

في شهر أكتوبر سنة 1946م، أرسل الشيخ سي عبدالسلام من طرف شيخه المرحوم محمد الأخضر الفيلالي برفقة بعض زملائه المتفوقين في الدراسة منهم العلامة الشيخ الأخضر الدهمة ومحجوب محمد إلى تونس حيث ألتحق بفروع جامع الزيتونة التي كانت تحت إشراف مديرها الشيخ الطاهر بن عاشور, ودرس على يد بعض الشيوخ رحمهم الله منهم الشيخ الطاهر الغمراسي , مادة الأدب واللغة, والشيخ بلخوجا مادة الرياضيات والتاريخ والشيخ صالح النيفر مادة النحو والصرف, والشيخ صالح قسيس في مادة التربية والأخلاق. ودرس السنة الثانية, ونظرا لذكائه وحرصه الشديد إنتقل للسنة الثالثة من التعليم وفي سنة 1948م ونظرا لظروف قاهرة وللأسباب عائلية إجتماعية حالت بينه وبين إتمام تعليمه الذي من المفروض أن يدوم سبع 07 سنوات كاملة للحصول على شهادة الإجازة أو بما يعلم بشهادة التطوير, فعاد إلى الجزائر وألتحق بمسقط رأسه, ممتهنا التجارة بها طلبا للرزق ,وإنتقل بعدها إلى مدينة عين صالح للعمل بها.

نضاله و جهاده:

كباقي شباب الجزائر عامة وأبناء المنطقة ورفضا للظلم والإستعمار ألتحق الشيخ سي عبد السلام إلى صفوف ثورة التحرير بالجنوب ولما أكتشف أمر نشاطه من طرف السلطات الفرنسية ألقي عليه القبض فعذب وسجن.

دوه و مهامه وظيفته:

كان مفتيا ومصلحا في التربية والتعليم عضو لجنة الإفتاء المعينة بتكليف وأمر قادة جيش جبهة التحرير المتكونة من الشيوخ منهم المرحوم الطالب أمحمد البوكادي والمرحوم شريف بكار وغيرهم لإصلاح ذات البين وإبرام عقود الصلح وفض النزاعات والمشورة ومواصلة رسالته كمجاهد غير مبال لا بالاستعمار ولا بنظامه الطاغي, ولا بأساليبه الإستفزازية من إعتقال وسجن وتعذيب إلخ…

إنخراطه في سلك التعليم بعد الإستقلال:

بعد الإستقلال وخلال شهر أكتوبر 1962م,أنخرط في سلك التعليم في إبتدائية بن باديس وسط المدينة, ثم مدرسة إبن سينا, ثم إبتدائية الحديقة ومدرسة إبن خلدون تم رجع إلى مدرسة إبن باديس إلى أن تقاعد سنة 1988.

شهاداته العلمية:

للشيخ سي عبد السلام من الشهادات شهادة الأهلية – شهادة الكفاءة المهنية في التربية– وشهادات إنتهاء الدروس -وشهادة تقدير من مكتب النشاط الثقافي والمدرسي إتحادية الخدمات المكملة للمدرسة بتاريخ 16 أفريل1994-وشهادة تقدير من السيد والي ولاية غرداية يهنئه فيها تقديرا لمجهوداته ونشاطه وسلوكه وتفانيه في عمله طوال السنين التي قضاها في خدمة الوطن بتاريخ 12 ربيع الأول 1420هـ الموافق ليوم 25جوان1999م- كما كرم عدة مرات بشهادات شرفية متنوعة. كما كان تكريم خاص بوسام العلم وشهادة شرفية من طرف جميع الوفاق الثقافية بمتليلي الشعانبة.

مشاركة الشيخ سي عبد السلام في الملتقيات والندوات:

شارك الشيخ في عدة ملتقيات وندوات وتربصات منها على سبيل المثال في كل من ببوزريعة – عنابة – الجزائر….إلخ.

كانت للشيخ عدة نشاطات تربوية وإجتماعية –ثقافية إسلامية ,ومساهمات في المسجد العتيق بمتليلي من عمار بيوت الله ,وإلقاء دروس الجمعة إضافة إلى مساعدة والده المرحوم سي محمد الإمام ويؤم المصلين لصلاة التراويح في شهر رمضان الكريم, أدى الشيخ فريضة الحج سنة 1994م.

وداعا شيخنا الفاضل لن ننساك فإسمك بقي منقوشا في الذاكرة لا يزول بإذن الله إلا بزوال الرجال وأعمالك شاهدة وعلمك -الذي لقنته لتلامذتك وطلابك- يذكرك في كل وقت نسأل الله العلي القدير أن يجعل قبرك روضة من رياض الجنة وخلودا في جنة الفردوس مع الذين أنعم الله عليهم بها. رحم الله شيخنا وأسكنه فسيح جنانه. إنا لله وإنما إليه راجعون.

الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون – ستراسبورغ فرنسا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى