أخبارأخبار العالمفي الواجهة

الجالية الجزائرية تحي الذكرى 62 لعيد النصر وقف إطلاق النار 19مارس1962 بالقنصلية الجزائرية العامة بستراسبورغ

تمثل الثورة التحريرية الجزائرية المظفرة أنموذج الثورة الشعبية, التي أفتكت الحرية ونيل الإستقلال وتكريس مفهوم التغيير وإحداث القطيعة مع الماضي الإستعماري المظلم، لقد كانت ثورة شاملة في جميع الميادين تصبوا إلى تجسيد ما جاء في بيانها بطرق فعالة، ولهذا كانت نظرتها صائبة. بحيث ثمنت النواحي الإيجابية للإتفاقية إيفيان والتي تشمل الإعتراف بالسيادة الوطنية للجزائر ووحدة ترابها وأعتبرتها منطلقا جديدا لتحقيق أهداف الثورة الكبرى.

إن الحديث عن عيد النصر19مارس 1962 وإستقلال الجزائر5 جويلية 1962. يدفعنا دائما إلى فتح صفحات دفاتر وسجلات الذاكرة التي إرتبطت بالثورة التحريرية والتي تكللت بالنجاح الباهر بمواجهة أعتى قوة عسكرية عددا وعدة بإمكانيات مادية وبشرية. منها نتيجة نجاح مفاوضات إيفيان بوقف إطلاق النار يوم 19 مارس 1962، بحيث بقي هذا الحدث راسخا طيلة 62 سنة وأنتهى في نهاية المطاف بإحتفالات عارمة عمت ربوع الوطن وخارجه بمشاركة الجالية فرحة الجزائر بستراسبورغ خاصة وبالتراب الفرنسي عامة، لكن رغم الأهمية الكبرى للذكرى إلا أن الكثير يجهلون صيرورة هذه الاحتفالات خاصة في غياب نقص التحسيس بأهمية الأحداث التاريخية وبطولات مجاهدينا وقادة ثورة التحرير. بإعتبار أنها كانت صمام الأمان للإستقلال، فبفضل جنودها وقادتها الأشاوس، لم تكن للمفاوضات الجزائرية مع العدو الفرنسي لتكتمل لولا المعارك الضارية حماية الوطيس والمظاهرة المناهضة لسياسة فرنسا لفصل الصحراء الجزائرية. التي أثبتت قدرة الثورة على التعبئة الشاملة للشعب الجزائري برمته بكل ربوع الوطن وأنه لا يتجزأ منه، المظاهرات الحاشدة التي جابت مختلف مدن وقرى الجزائر. خاصة مظاهرات حركة التحرير ليوم 27 فيفري 1962 بورقلة عاصمة الصحراء بجنوب الجزائر، لرفض مشروع فصل الصحراء عن الجزائر ورفع صوت كل الجزائر بربوعها لا وألف لا لفضل الصحراء لأنها جزء لا يتجزأ من القطر الجزائري، ولعل الحديث عن عيد النصر وإحتفالاته يقودنا حتما لمعرفة صداها في الذاكرة التاريخية التي لم ولا تغيب أبدا.

مــقـــدمـــة:

تعد مفاوضات إيفيان حلقة متصلة بالنضال الجزائري, بل ومظهر من مظاهره ونتيجة من نتائجه الإيجابية, التي تم إقرارها بفعل ضغط الثورة الجزائرية التي تبنت إستراتيجية تحررية متكاملة عسكرية وسياسية ودبلوماسية, والتي كانت السبب الرئيسي للدخول في مفاوضات طويلة وشاقة جرت في الثامن 18عشر من مارس عام 1962,والتي سبقتها مفاوضات إيفيان 20 ماي 1961, بين القادة الوطنيين الجزائريين من الحكومة الجزائرية المؤقتة وبين الوفد الفرنسي برئاسة لويس جوكس ووزير الشؤون الجزائرية في عهد الجنرال ديغول، حيث سمحت هذه الإتفاقيات بإعلان بيان رسمي وقف إطلاق النار ووضع حد لحرب الجزائر التحريرية, منهية بذلك فصلا داميا بين البلدين معلنة عن بداية جديدة وإعلان التحضير المسبق لإستقلال الجزائر بعد إحتلال دام لأكثر من قرن 132 وإثنان ثلاثين عاما.

لم تصل الثورة التحريرية الجزائرية (1954-1962) إلى ما وصلت إليه إلا بعد مراحل طويلة من النضال منذ الفاتح نوفمبر 1954 عندما فجر الجزائريون ثورتهم لنيل الإستقلال, وساهمت العديد من الظروف السياسية والتاريخية المحيطة بالصراع الجزائري الفرنسي إلى الضغط على ديغول بعد أن أنقسمت فرنسا إلى قسم يناصر لإستقلال الجزائر, وقسم آخر يعارض حق الشعب الجزائري في نيل حريته, وبالرغم من توجيه إمكانات فرنسا العسكرية الضخمة التي لا تقارن بحجم إمكانيات الثوار الجزائريين لإجهاض الثورة وإبقاء الجزائر فرنسية، وكذا الدعم العسكري الذي وضعه الحلف الأطلسي تحت تصرف فرنسا، لكن كل ذلك لم ينفع أمام إصرار الشعب الجزائري على النصر وإنتزاع إستقلاله مهما بلغت حجم التضحيات.

لم تصل الثورة الجزائرية إلى وقف إطلاق النار, إلا بعد مسار طويل من النضال وكذا من الإتصالات والمفاوضات السرية والعلنية التي جرت على مراحل مع الطرف الفرنسي في ظل تماسك وثبات المفاوضين الجزائريين أمام تلك الأوضاع, حتى تم توقيع إتفاقيات إيفيان في 18 مارس 1962 في إيفيان بين فرنسا وجبهة التحرير الوطنية الجزائرية لإنهاء حرب الجزائر بوقف إطلاق نار رسمي يسري من 19 مارس1962.

مفاوضات إيفيان الأول:

إنطلقت مفاوضات إيفيان الأولى يوم 20 ماي 1961 حيث جرت في مدينة إيفيان الفرنسية على حدود مع سويسرا، بين الوفد الجزائري برئاسة كريم بلقاسم بالإضافة إلى السادة أحمد فرانسيس وزير المالية، سعد دحلب الأمين العام لوزارة الشؤون الخارجية، أمحمد يزيد مدير ديوان فرحات عباس، الطيب بولحروف، احمد بومنج مدير الشؤون السياسية لوزارة الإعلام، وضابطان من هيئة الأركان الرائد سليمان قايد أحمد، علي منجلي، رضا مالك الناطق الرسمي بإسم الوفد، ومن الخبراء محمد حربي ومحمد بجاوي، والوفد الفرنسي برئاسة لوي جوكس يرافقه رولاند كادي فليب تييو، يوربي، والجنرال، وبرونو دولوس ، برنارد تريكو، والعقيد سيغان بازيز.

مفاوضات إيفيان الثانية 1962 بين الأهداف والنتائج:

إنطلقت مفاوضات إيفيان الثانية النهائية والحاسمة يوم 07 مارس حتى 18 مارس 1962 حيث ترأس كريم بلقاسم الوفد الجزائري الذي ضم: لخضر بن طوبال، عبد الحفيظ بوصوف، وسعد دحلب، ومحمد يزيد، محمد الصديق بن يحي، أحمد بومنجل، أحمد فرانسيس، ورضا مالك، مصطفاوي الصغير، والعقيد عمار بن عودة، والطيب بولحروف, وفي المقابل ترأس لوي جوكس الوفد الفرنسي المكون من: روبير بيرون، برونو دولوس، كلود شايي, ورولان بيكار والجنرال دي كامس وجان دو برقلي وكلهم قد سبق لهم أن شاركوا في اللقاء السابق أضيف إليهم مستشار قانوني الشئون الجزائرية Vincent Labouret فانسان لبوري، Bernard Tricot برنارد تريكو, والعقيد سقين دي بازيس مستشار عسكري، وفليب تيبو الناطق الرسمي باسم الوفد الفرنسي، وبليزان مستشار في الدولة، جاك لوقرا، جان مورن، جورج بومبيدو، إنتهت بالتوقيع على إتفاقية وقف إطلاق النار وكان هناك إعتراض داخل فرنسا على الإتفاقية جعل ديغول يجري حولها أستفتاء أسفر في 08 أفريل 1962 عن موافقة 91 % من الفرنسيين عليها.

إحياء ذكرى عيد النصر وقف إطلاق النار 19 مارس1962 بستراسبورغ:

كباقي المؤسسات الدبلوماسية سفارات وقنصليات وتمثيليات خارج الوطن، نظمت القنصلية الجزائرية العامة بستراسبورغ فرنسا. حفلا تخليدا للذكرى الثانية 62 الستين لعيد النصر(تاريخ وقف إطلاق النار) الموافق للتاسع 19 عشر مارس 1962، وذلك بإشراف القنصل العام بالنيابة الأستاذ فرحاتي هشام، برفقة طاقم القنصلية العامة من إطارات وموظفين, معية كوكبة من المجاهدين والمجاهدات وأبنائهم وأحفادهم. وعدد من أفراد الجالية الوطنية المقيمة بستراسبورغ وضواحيها وبمدن ألمانيا القريبة مثل كال وغيرها، البداية كانت بزيارة الجمهور لمعرض الصور الفتوغرافية التاريخية المعروضة بلوحات المعرض المبينة لأحداث وقف إطلاق النار المعروضة للذكرى ولتعريف الجالية بتاريخ الثورة المظفرة وتلقينه للأجيال القادمة, وبحلول منتصف النهار الوقت التاريخي الرمزي إجتمعت الجالية في ساحة القنصلية، وبكلمة ترحيبية للقنصل العام بالنيابة بعد التحية للجميع شاكرا إياهم على الحضور وعلى الحس الوطني الفياض والشعور بالإنتماء للوطن الغالي الجزائر العميقة. والتعريف بالحدث وأهميته والذي بفضل الله وفضل الرجال الثوار الأشاوس المخلصين الأوفياء والقيادة الرشيدة للثورة التحريرية التي تمكنت من النجاح في كسب جولة المفاوضات العسيرة التي خاضها الوفد الجزائري على مدار سنة (ماي 1961/مارس1962).

حيث تم الوقوف للإستماع للنشيد الوطني، وعرض شريط موجز لعملية وقف إطلاق النار ومسار المفوضات وفصول أطوراها التي تكللت بالنجاح والوقوف دقيقة صمت وقراءة الفاتحة ترحما على أرواح الشهداء الأبرار.

وأكد القنصل العام بالنيابة في كلمته بهذه المناسبة على أهمية هذا اليوم الأغر الذي تحتفل فيه الجزائر بالنصر على الإستعمار الغاشم والذي يعبر على قوة الجزائري وعزمه الدائم على التغلب على كافة الصعوبات والعراقيل التي واجهته عبر التاريخ الطويل، مضيفا أن الوفد الجزائري المفاوض الذي وقع على إتفاقية إيفيان التي أدت لوقف إطلاق النار في مثل هذا اليوم من سنة 1962، بعد سبع سنوات من الجهاد والكفاح، توج مسيرة طويلة لشعب مجيد أبى إلا أن ينهض من جديد ليحتل مكانه بين الأمم ويعيد بعث الدولة الجزائرية التي تمتد جذورها عبر التاريخ المجيد.

مستذكرا بهذه المناسبة مآثر الأبطال عبر جميع أنحاء الوطن وفي ديار المهجر الذين ضحوا بالغالي وبالنفس والنفيس من أجل إسترجاع السيادة الوطنية على كل شبر من أرض الجزائر الحبيبة، كما أشاد إلى المساهمة الفعالة للجالية الجزائرية بالخارج في الكفاح الوطني المجيد من أجل التعريف بالقضية الجزائرية وشرعية كفاح شعبها من أجل حريته وسيادته.

وأمام هذه الفرصة الثمينة ثمن الدور الفعال بالإهتمام الذي توليه الدولة، وعلى رأسها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، بالدور الإستراتيجي للجالية الجزائرية المقيمة بالخارج.

وفي جلسة تاريخية جمعت القنصل العام بالنيابة وكوكبة من المجاهدين والمجاهدات تناولت موضوع مشاركة مجاهدي الجالية بفرنسا في الثورة والحرب التحريرية والنشاط الثوري وبالدور الفعال الذي قاموا به والمساهمة في إنجاح ثورة التحرير الوطنية وتسهيل نشاط عملياتها سواء بأرض الوطن أو بالخارج بأرض المهجر في عديد دول العالم عموما وبفرنسا والدول المجاورة لها خصوصا. حيث قدمت شهادات حية أثلجت الصدور وأسالت لها الدموع بحسرة ومرارة عند سرد وقائع أحداث الثورة المجيدة ومشاركة مجاهدينا البواسل فيها منهم العم عمراني إسماعيل – المجاهد ربوح ومحمود وغيرهم ممن حضروا الجلسة والمشاركة في إحياء الذكرى 62 لعيد النصر.

عيد النصر (وقف إطلاق النار) في كلمة موجزة:

وقف إطلاق النار 19 مارس1962 يعد بالفعل نصرا حقيقا للثورة الجزائرية, كان يوم مميز لا يسنى ولا يمحى من الذاكرة. يوم تاريخ بفرحة عارمة لا يمكن وصفها ولا التعبير عنها خاصة وقد أعلنت جل الصحف بأن يوم 19 مارس 196 وقف إطلاق النار هو نهاية الحرب والإستعمار. كان العنوان البارز الأكثر تداول في الصحف بمختلف عنوانيها.

يتزامن يوم 19 مارس 1962 مع نهاية حرب التحرير التي خاضها الشعب الجزائري و132 سنة من الإستعمار الغاشم الهمجي. وقد عاشت الجالية الجزائرية بستراسبورغ, رفقة كوكبة أبائنا المجاهدين على غرار جميع باقي المناطق سواء بالبلاد أو باقي المدن خارج الوطن الحدث الوطني التاريخي بفرحة عارمة وبهجة لا توصف وبإرتياح كبير.

فهذا التاريخ يعد بحق, حسب الذين عاشوه ومن بينهم المجاهد رابح المدعو ربوح الإسم الحربي, يوما للنصر خلده التاريخ حيث حققت فيه الثورة الجزائرية المظفرة ما ناضلت من أجله الأجيال المتعاقبة منذ إحتلال البلاد سنة 1830 واليوم الذي سكت فيه الرصاص لأول مرة منذ 132 عاما من الإحتلال بعد تضحيات جسام قدمها الجزائريون من أجل الحرية والإستقلال.

ويعد هذا اليوم التاريخي أحد أبرز إنجازات الدبلوماسية الجزائرية التي تضل فخرا لبلادنا. تاريخ شاهد على بداية عهد جديد للجزائر للأجيال المتعاقبة.

أفاق واعدة مستقبلا:

بعد السماع للشهادات الحية المسيلة للعاب من أبائنا وأمهاتنا المجاهدين ممن مازالوا على قيد الحياة أحياء يرزقون وفي صحة جيدة وقواهم العقلية السليمة. شهادات تاريخية بوقائع مفصلة من مصدرها الرسمي وأبطالها الصانعين لها والتي لا يمكن الإستغناء عنها ولا التفريط عنها, تقرر جمعها وتسجيلها وتوثيقها ونشرها في حوارات ومقابلات صحفية وطبعها في كتاب مؤلف شامل مستقبلا يعزز المكتبة الوطنية التاريخية ويكون مادة إعلامية للباحثين ولطلبتنا ولكل مهتمي التاريخ والمهتمين بمجال ثورة التحرير الوطنية إن الله.

وعلى هامش اللقاء وإحتفلات عيد النصر لوقف إطلاق النار تقرر على بركة الله إعداد موائد إفطار الصائم في جو عائلي أسري للجالية خاصة لكبار السن وذوي الإحتياجات و المعوزين والطلبة من لا بيت ولا أهل لهم في الأيام القادمة. يعيشون فيها لحظات حنين شوق الوطن وذكريات بنة ولمة رمضان وعادات موائده العائلية بشتى أنواع أطباقها التقليدية.

وفي ختام برنامج إحتفلات الذكرى 62 لعيد النصر وقف إطلاق النار وختامها مسك بجلسة تعارف وتبادل الذكريات بين الأسرة الثورية وتعارف بين الأجيال الصاعدة المتعطشة لمعرفة تاريخها المجيد وعلى وقع الصور التذكارية أسدل الستار على الطبعة 62 لعيد النصر على أمل اللقاء مستقبلا.

الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون – ستراسبورغ فرنسا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى