أسباب استثمار بعض الأنظمة العربية في رياضة كرة القدم
أسباب استثمار بعض الأنظمة العربية في رياضة كرة القدم
راني ناصر
كاتب فلسطيني وعضو في الحزب الجمهوري الامريكي
تستخدم بعض الأنظمة الشمولية العربية الفعاليات الرياضية عموماً، وكرة القدم خصوصاً، كوسيلة للتستر على مناخ
القمع والقهر والفقر الذي يعيشه المواطنون في تلك الدول؛ حيث يتم جذب الجماهير نحو المنافسات والنتائج
الرياضية بهدف تحويل انتباههم بعيدًا عن القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة التي تؤثر عليهم.
تُستغل كرة القدم، والتي تعتبر واحدة من أكثر الرياضات شعبية وتأثيراً على مستوى العالم كوسيلة لتجييش ودغدغة
العواطف القومية لدى الجماهير؛ فتقوم هذه الأنظمة بالتركيز على تحسين أداء المنتخبات الوطنية والأندية المحلية،
وتوفير الدعم المالي السخي لها، والتضخيم إعلاميا في تسويق أي انتصار للفريق الوطني او النادي المحلي على انه
إنجازا وطنياً عظيماً لم يسبق له مثيل؛ في حين تأخر بلدانهم في التصنيفات العالمية للحرية والتعليم والصحة والتنمية
قضية ثانوية لا قيمة لها.
وتوظف هذه الأنظمة الفعاليات والانتصارات الكروية في امتصاص الغضب الشعبي، وتقليل حدة الاحتجاجات
الاجتماعية التي يثيرها تردي الخدمات العامة، وانتهاك حقوق الانسان، وانتشار الفساد، والاستبداد؛ مما يساعدها
على الحفاظ على الاستقرار الداخلي، والتركيز على تعزيز شرعيتها الدولية للبقاء في الحكم.
بالإضافة الى ذلك، تسعى هذه الأنظمة الى استغلال كرة القدم لتلميع وتحسين صورتها على الساحة الدولية، وإخفاء
حقيقة وضعها الداخلي، وبناء صورة مزيفة توحي بانها تسير نحو تحقيق الرخاء الاقتصادي واحترام حقوق الانسان؛
وذلك بهدف تشويه الحقائق وتقديم نفسها على انها دولة متجهة نحو الحداثة والتقدم.
فعلى سبيل المثال، لم يفوت ملك المغرب محمد الخامس فرصة تألق فريق بلاده في كأس العالم 2022 بتكريمه
اللاعبين وأمهاتهم امام وسائل الاعلام، وتفاخره بالأكاديمية الكروية التي أنشأها في بلاده؛ فيما تراجعت بلاده في
مؤشر حرية الصحافة في عام 2023 إلى المرتبة 144 من أصل 184 دولة مقارنة بالمرتبة 135 التي احتلتها في
عام 2022. ووصلت نسبة الأمية إلى 32% أي ما يقارب 13 مليون شخص من إجمالي عدد السكان البالغ 36
مليونًا، وارتفعت نسبة البطالة إلى 12.9% في الربع الأول لعام 2023.
والحال نفسه مع النظام السعودي، الذي يحاول استقطاب أكبر عدد من اللاعبين الدوليين الى انديته بصفقات مالية
خيالية؛ فيما يعيش المواطنون السعوديون تحت نظام قمعي يضرب بالحديد والنار كل من يعارضه او ينتقده؛ ففي
حرية الصحافة لعام 2023 تحتل السعودية مرتبة 170 من أصل 184 دولة، وتصدرت المرتبة الأولى عالميا
كأسوأ بلد في الحريات السياسية نفلا عن منظمة ” فريدوم هاوس” الامريكية السعودية.
لن تغير غزارة الانتصارات الكروية من الواقع المزري الذي يعشه المواطن العربي تحت الأنظمة الاستبدادية، ولا
من طبيعة تلك الأنظمة الظلامية التي تحكم شعوبها؛ فكُرة القدم بالنسبة لهذه الأنظمة اداة لتوجيه الاهتمام الجماهيري
نحو مسارات تخدم مصالحها.