أزمة الرغيف في بعض الدول العربية
مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي بكلية الاقتصاد – جامعة دمشق
الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
الأمر عاجل جداً ولا يحتمل التأجيل، البحث في مسألة الأمن الغذائي العربي، الأرقام تثير الفزع، والدول العربية تسير نحو مستقبل مخيف فيما يتعلق بندرة الغذاء وارتفاع أسعاره. لقد أخذت أسعار المواد الغذائية في الدول العربية ومنذ منتصف عام 2007 ترتفع بوتائر عالية جداً. كيف نواجه هذا الأمر بعد أن أصبح عدد سكان الوطن العربي أكثر من 318 مليون نسمة؟ إن هذا الأمر يحتاج إلى وضع سياسة عربية شاملة لزيادة الإنتاج الغذائي في الوطن العربي، تهدف إلى تجنب المجاعة التي تضعها أمامنا الأرقام، وتحقق الاكتفاء الذاتي في إنتاج واستهلاك الحبوب والزيوت واللحوم والألبان.
أصبحت مشكلة الغذاء على رأس قائمة الموضوعات والمشاكل التي تعاني منها الدول النامية بصورة عامة، والدول العربية بصورة خاصة، كما أخذت هذه المسألة تحتل مكاناً بارزاً في السياسات الاقتصادية للدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء. وتوجه الهيئات الدولية والإقليمية جزءاً كبيراً من جهودها لبحث تلك المشكلة وتقديم المقترحات والحلول بشأنها. ورغم هذا الاهتمام الكبير فإن الإنجازات الحقيقية في هذا الشأن على الصعيد الدولي تعد متواضعة إلى حد كبير خاصة إذا ما قيست بحجم المشكلة وأبعادها المستقبلية. أنه لمن المفيد إنذار الدول النامية والدول العربية وتحديد حجم المخاطر التي تواجهها في مجال الأمن الغذائي.
تتجلى أزمة الغذاء في الدول العربية في النقص العام في المنتجات الغذائية الأمر الذي يؤدي إلى جوع الملايين من الناس، وانتشار ظاهرة سوء التغذية والمرض. يظل معدل ما يستهلكه الفرد الواحد من الأغذية في أكثر البلدان النامية أقل من الحد الأدنى الضروري لكل فرد والذي يعادل ـ حسب تقديرات خبراء منظمة الأغذية والزراعة التابعة لهيئة الأمم المتحدة (فاو) – حوالي 2400 سعرة حرارية باليوم. ويعاني 60% من سكان البلدان النامية من الجوع الواضح وغير الواضح. ويموت نسبياً بسبب الجوع وسوء التغذية ملايين الأشخاص وبخاصة الأطفال. (ويتحدد اكتمال القيمة الغذائية للأطعمة بالمستوى الذي يؤمن أحسن صورة لقيام أعضاء الجسم بوظائفها ويسمح لها باستعادة نشاطها وقدراتها على العمل دون ما أضرار بالصحة).
وتبدو أزمة الغذاء واضحة في الوطن العربي من خلال المؤشرات التالية:
1 ـ انخفاض ما يخص الفرد من سعرات حرارية في معظم الدول العربية دون المستوى العالمي. وتجدر الإشارة إلى تفاوت كمية السعرات التي يحصل عليها السكان من دولة لأخرى.
2 ـ اتساع الهوة بين واردات وصادرات الوطن العربي من السلع والمنتجات الغذائية وتزايد اعتماد الدول العربية على الاستيراد لتأمين ما تحتاج إليه.
3 ـ تدني نسبة الاكتفاء الذاتي ومستوياته، نتيجة لتزايد الواردات الغذائية من خارج الوطن العربي. وتختلف نسبة الاكتفاء الذاتي بين دولة وأخرى.
يقول باتريك سيل مع ظهور أزمة رغيف الخبز في بداية 2008 (من بين المشكلات الرئيسية التي يواجهها العالم أيضاً، أن العديد من دول العالم لا تتمتع بالأمن الغذائي، أي أنها غير قادرة على تغذية شعوبها، وتعتمد في ذلك اعتماداً كلياً على الواردات التي تدفع من أجلها أموالاً طائلة. فمصر على سبيل المثال تستورد 50 في المائة من القمح الذي تستهلكه، وتدفع قيمة وارداتها من هذه المادة الغذائية الأساسية، من عائداتها بالعملات الصعبة من قطاعي السياحة وقناة السويس، ومن صادراتها من السلع المختلفة. وقد أرغمت أزمة الأرز العالمية مصر على إصدار قرار بحظر تصدير الأرز لمدة 6 شهور، تبدأ في الأول من إبريل في محاولة لإبقاء أسعار الأرز المحلية عند مستوى منخفض).
توفر السلع والمنتجات الغذائية في معظم الأسواق العربية أو عدم توفرها، وإقبال الناس على شرائها أو عدم قدرتهم على الشراء، لا ينفي وجود الأزمة الغذائية، والتي تكمن في الاعتماد على الاستيراد لتوفير البضائع والمنتجات الغذائية. أن خطورة الأزمة الغذائية في الوطن العربي تكمن في الاعتماد المتزايد على الاستيراد لتأمين حاجة السكان من المواد الغذائية. وبخاصة عندما لا يستطيع المستورد التحكم في أسعار المواد المستوردة، وقد يصعب توفيرها في جميع الأوقات، وربما تستخدم كوسيلة أو أداة للضغط على البلاد لحملها على اتخاذ موقف معين.
جامعة دمشق – كلية الاقتصاد