أخبارتعاليقرأي

أخطر رجل في أمريكا

حسن مدن

من تخالون المقصود بوصف «أخطر رجل في أمريكا»؟ خاصة وأن بلداً بقوّتها ونفوذها العالمي عرف تاريخها الكثير من «الخطرين». و«الخطورة» هنا وصف موارب، ربما لأن ما يخطر على البال حين سماعه، هو المعنى السلبي لا الإيجابي. في الغالب حين نقول عن أحدهم بأنه خطير، نميل إلى التفكير بأنه يشكّل خطورة على أمن ومصالح البلد والمجتمع المعني، لكن هذا الوصف قد يستخدم أيضاً للتعبير عن أهمية الشخص المعني، شخصيةً ودوراً.

لندع التاريخ البعيد لأمريكا منذ تأسيسها، وهي على كل حال أمة حديثة النشأة قياساً إلى الأمم العريقة، وما الأمة الأمريكية إلا ناتج خليط من سلالات المهاجرين البيض الأوائل إليها من أوروبا، وما تلى ذلك من جلب الرقيق من إفريقيا بصورة نمّت عن التوحش والعنصرية وبشاعة استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ومع أن أمريكا أنهت العبودية، قانوناً، لكن آثارها وتداعياتها ظلّت قائمة حتى اليوم.

لنبق في التاريخ الحديث لأمريكا، ونعيد طرح السؤال: من تخالونه الرجل الأخطر فيه؟ أيكون فرانكلين روزفلت الذي قاد أمريكا فترة الحرب العالمية الثانية، وساهم في بلورة النظام الدولي ما بعد الحرب، وإليه تنسب مقولة: «الشيء الوحيد الذي يجب أن تخافه هو الخوف نفسه»، أم يكون رونالد ريغان الممثل السينمائي الثانوي الذي تزامنت رئاسته لأمريكا مع مقدّمات انتهاء الحرب الباردة، ليعلن خلفه جورج بوش الأب ولادة النظام الدولي الجديد أحادي القطب، أم يكون الرئيس السابق دونالد ترامب الذي هزّ، ولا يزال، قواعد اللعبة السياسية الأمريكية؟ وهل يقلّ هنري كيسنجر وزير الخارجية الأسبق الموصوف ب«ثعلب السياسة» أهمية عن هؤلاء؟

«أخطر رجل في أمريكا» ليس واحداً من هؤلاء. إنه دانيال إلسبيرغ، الذي كشف عن مخالفات فضحت أسرار حرب أمريكا في فيتنام، والذي توفي مؤخراًعن عمر يناهز 92 عاماً، وهو محلل عسكري سابق نجح في تسريب وثائق سرية من داخل (البنتاغون) عام 1971، عُرفت باسم «أوراق البنتاغون»، وبسببها أطلق عليه هذا الوصف، ورغم أن تهماً وجهت ضده في المحكمة العليا، حيث حاولت إدارة نيكسون منع نشر الوثائق المسربة، لكنها أُسقطت عنه في النهاية.

احتكم الرجل إلى ضميره، حين اطلع على الوثائق التي تكشف كذب الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين حول حرب فيتنام، وأدرك أن الجمهور لو عرف بذلك، فإنه سيجعل الضغط السياسي لإنهاء الحرب عصيّاً على المقاومة، وهذا ما حدث فعلاً بعد أن كشف عن 7000 صفحة سرية هي نفسها التي عرفت ب «أوراق البنتاغون»، لذا، وصفته عائلته وهي تنعاه «بالصادق الوطني المناهض للحرب والباحث عن الحقيقة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى