آليات الدفاع- الحيل الدفاعية شيء من التحليل النفسي

اسعد الامارة

وتسمى أيضًا ميكانيزمات الدفاع Mechanisms Defense ، لها ما لها، وعليها ما عليها، فهي تعيد الإتزان تارة، وتخل في إتزان الفرد تارة أخرى، وهي تهدف إلى التوافق النفسي قدر المستطاع ويرى “عباس عوض” أن الحيل الدفاعية وسائل غير معقولة لمعالجة القلق ذلك أنها تعمد إلى تشويه الحقيقة أو انكارها، أو أخفائها، أو أنها لا تستهدف حل الأزمة التي يعاني منها الفرد بقدر ما تستهدف الخلاص من القلق”الحصر” بخفضه أو انكاره، أو درءه، او إلهاء الفرد عنه، أنها وسيلة للراحة الوقتية” عوض، 1977، ص 79″. أما موسوعة علم النفس والتحليل النفسي فترى ميكانيزمات الدفاع هي الوسيلة أو الوسائل التي يتخذها الأنا لاشعوريًا لتجنب التعبير المباشر عن النزعات الوجدانية والوجدانات التي تهدد اتزانه وكأن ميكانيزمات الدفاع يعبر عن دافع لاشعوري ويهدف لتخفيف الحصر أو الدفاع ضد خطر ما، ويمكن ربط طبيعة الدفاع المتكرر بسلم الاضطرابات النفسية والعقلية، وذلك في اطار دينامي بطبيعة الحال “عبد القادر، 1993، ص785” سنحاول جاهدين في تبيان ما هو دور آليات الدفاع – الحيل الدفاعية، ميكانيزمات الدفاع في الاتزان والتوافق، ولا ننسى أهمية هذه الآليات الدفاعية في تكوين الحلم وبالأخص آلية التكثيف، وقول “فرويد” إن من المستحيل أن نحدد مقدار التكثيف، غير أن هناك ردًا يبدو للوهلة الاولى مقبولًا في الغاية على قولنا: إن النقص العظيم في التناسب بين محتوى الحلم وأفكار الحلم دليل على ان المادة النفسية قد احتملت في أثناء تكوين الحلم عملية تكثيف واسعة النطاق” فرويد، ب.ت، ص 293″
ان آليات “ميكانيزمات” الدفاع تتلازم مع النفس الإنسانية في حالة قبل حدوث الإضطراب وبعده، بمعنى أدق في كل حياة الإنسان ولنقل السوية، ويكون عمقها في اللاشعور”اللاوعي” فكما بينا وجود ميكانيزم التكثيف في الحلم رغم أن الحلم هو ذهان قصير الامد لا ضرر منه، بل إنه يؤدي وظيفة نافعة ويتم بموافقة الحالم وينتهي بفعل إرادي يصدر عنه، ومع ذلك هو ذهان” فرويد، ب.ت، ص 45″، أما وظيفة آلية التحويل Transference في التحليل النفسي فيدل على موقف فعال معقد يقفه المريض تلقائيًا من المحلل النفسي، ويتميز أحيانًا بغلبة مشاعر الحب، أو مشاعر العدوان وإن كان يتألف غالبًا من مزيج من العنصرين” التحويل الموجب، التحويل السالب، التحويل المزدوج الميل” ” فرويد، ب.ت، ص 90″ وأزاء ذلك فإن عملية التحويل transfeence هو العملية التي تتجسد بوساطتها الرغبات والصراعات اللاواعية “اللاشعورية” لدى المحلَل من خلال انصبابها على المحلَل النفسي بدلًا من تذكُرها، وهكذا يعيش المُحَلل هذه الرغبات والصراعات كانها علاقة راهنة مع المحَلل، ويشكل التحويل إحدى أبرز أدوات العلاج التحليلي النفسي، هو والمقاومة” صفوان، 2016 ، ص 26″
ان ميكانيزمات الدفاع أو الحيل الدفاعية هي أساليب يلجأ إليها أي إنسان في حياته اليومية على مستوى المتخيل، أو على المستوى الواقعي المعاش أعني التسامي ” العلو – الاعلاء” والتسامي ميكانيزم دفاعي أيضا ، وأزاء ذلك يقول “فينخل” ميكانيزمات الدفاع تمثل عناصر نمطية تشكل ائتلافاتها اللانمطية غالبية الاعصبة الواقعية عند الأفراد” فينخل، 1969، ص 304″، أما “مخيمر” قوله الأدق هو تشخيص الميكانيزمات لا تشخيص الاعصبة” مخيمر، 1977، ص 14″، أما “جاك لاكان الذي وجد في نظريات سيجموند فرويد مؤسس التحليل النفسي الاساس الذي انطلق منه ليؤسس رؤى عميقه من – في النفس وسبر أغوارها بأعمق نقاطها المظلمة وأوجد خطًا جديدًا به من العمق ليغور في نبش النفس الإنسانية حيث يرى أن سقوط قيد الأسم الخاص بألاب هو الذي يُشَغل محرك الذهان ويجعله قيد الحركة، وهو يرى إن الميكانيزم الذي يطلق الذهان “الإضطراب العقلي” يسمى ميكانيزم سقوط القيد وهذا الميكانيزم تم أخذه من مصطلح verwerfung عند فرويد، وأستخدم فرويد المصطلح الألماني verwerfung في دراسته لحالة رجل الذئب، ومصطلح الــ verwerfung “سقوط القيد” يختلف عن مصطلح verwerfung ” الكبت ” في العصاب بالمعنى الذي يذهب العنصر المكبوت للاشعور ويعود في الرمزي” زوليكهاي ، 2021″
أن الميكانيزم الاساس في الاكتئاب هو استدماج الموضوع المحبوب المكروه معًا “زيور، 1986، ص 174” وقوله أيضًا بحيث يتخذ الموضوع مكانًا له بين جدران الآنا “أنا المريض” فإن العدوان الذي يستهدف الموضوع يتجه نحو الآنا الذي أصبح هو والموضوع شيئًا واحدًا”. وحينما يطرح منظروا التحليل النفسي هذه الميكانيزمات الدفاعية فإنهم لا يستهدفون الآليات أو الحيل الدفاعية بذاتها أو اللاشعور أو الاحلام أو الهفوات أو زلات اللسان أو النكتة بقدر ما يكون مدخل لمعرفة عمق الإنسان وكنهه، فدراسة الإنسان بما هو إنسان بأسره، وليس دراسة جزء من الإنسان كان تكون عاداته، أو اساليب تعامله، او جوانب معرفية من دماغه، ومن ثم الاستدلال عليه، الإنسان حالة متفردة ، كل متكامل، فمن يدرس التحليل النفسي لا يمكن تجزئة الإنسان ومعالجة هذه الأجزاء ويترك الجزء الآخر، بل أنه واحد لا يمكن إغفال جزء منه، والاهتمام بأجزاء آخرى، وحتى عمليات تعديل بعض أجزاء السلوك أو تعديله، أنما هي محاولة وغن كانت بها جهود ولكنها تستهدف جزء خارجي وتترك الجزء الاعمق الذي ترسخت فيه العلل والمواجع التي تعود بشكل محور وملتف بوقت ما، وحالة ما، وبطريقة ما لأنها لم تعالج الأساس الذي بنيت عليه هذه العلة وترسخت. تعمل الميكانيزمات الدفاعية في تسوية موفقة ولو مؤقتًا في سلوكنا اليومي وتعاملنا مع من نلتقي بهم وربما نعيش معهم تحت سقف واحد، الزوجة، الأبناء، من يعملون معنا في مؤسسة أو معمل، أو مشروع، انه وجودنا المادي الذي يشكل مجمل حياتنا، فما هو دور آليات الدفاع في مواقف الحياة العامة والخاصة؟ إنها عديدة ومتنوعه وكثيرة، لا حصر لها، تتنوع بإختلاف المواقف واسلوب تعاملنا معه، فالكبت هو العمود الأساس في كل ما يحدث لنا، وهو الذي يسبب لنا الصراع وقول “هيلين دويتش” ان الأعراض العصابية ليست في الحقيقة إلا محاولات فاشلة لحل الصراع الداخلي، وقولها أيضًا ان الصراعات العصابية الداخلية تنشا عندما يحال بين اللبيدو وبين إمكان العثور على اشباع يرضى عنه الأنا في العالم الخارجي، أو عندما تحول الاصابات النرجسية غير المحتملة دون تحقيق اعلاء مقبول “الاعلاء – التسامي”” دويتش، ب.ت، ص 12″ وتقول في موضع آخر أن الرهاب”الفوبيا” على عكس الأعراض الهستيرية التحولية يتميز بميول نكوصية أقوى في شكل دفعات عدوانية سادية، ولذلك فسلوك الانا الاعلى أكثر صرامة مما يورد الأنا تلك المواقف الخطيرة التي يمكن اسقاطها “الاسقاط: ميكانيزم دفاعي” في الرهاب “الفوبيا”وبذا تاخذ صورة خطر خارجي( دويتش،ب.ت، ص 129)
يطرح لنا “جاك لاكان” فكرة تأثير الدفاع طابعه المرضي فهو حصول النكوص الموقعي بصفة متلازمة لما يسمى النكوص العاطفي. إن دفاعًا مرضيًا عندما يحدث بطريقة عشوائية وغير متحكم فيها، فإنه يُخلف عواقب لا يمكن تبريرها وذلك لاختلال وتناقض موازين الأنساق في ما بينها ، فالاضطراب يرجع إلى الخلط بين الآليات المستعملة وهذا يؤدي بنا إلى الحديث عن منظومة الدفاع المرضية” لاكان، 2017، ص 178″ ويضيف “لاكان” عن مسألة الانكار قوله : تبقى مبهمة بالكامل إلا أن المهم هنا يتجسد في الانتباه إلى أن فرويد لم يتمكن من أخذها في الاعتبار إلا بربطها مع ما هو أكثر بدائية، أنه يصرح حرفيًا في الرسالة ( 52 ) بأن الانكار الأولي يتضمن عملية ترميز أولي، أنه يعترف بوجود هذا المجال الذي أسميه الدال الأولي، وكل ما يقوله لاحقًا في مستهل هذه الرسالة بخصوص دينامية الهستيريا والعصاب الوسواسي والهذاء” لاكان، 2017، ص 180″
يعد ميكانيزم النقل Displacement عملية نفسية لاشعورية”غير واعية” تنحصر في نقل دافع معين أو انفعال بالذات من موضوعهما الأصلي إلى موضوع بديل، وهي الحيلة الاساسية التي تستخدم في أعصبة المخاوف ” الفوبيا Phobias للتحكم في القلق المرضي، كما أن النكوص Regression يدل في التحليل النفسي على عدد من الظواهر النفسية تتميز جميعها بتقهقر النشاط النفسي إلى مرحلة سابقة من مراحل تطور اللبيدو، وهذا “الرجوع إلى الوراء” قد ينحصر في العودة إلى موضوع الاشباع التي تتميز به مرحلة سابقة، أو الرجوع إلى حال مبكر من أحوال الأنا” وهو ما يحدث في الأضطرابات الذهانية” . فالنكوص زمني بهذه المثابة، وثمة نوع آخر من النكوص يسميه فرويد بالنكوص المحلي ” Topical ” ويقصد به عودة الاثارة في الجهاز النفسي من القبلشعور إلى اللاشعور كما هو في الحلم مثلا ” فرويد، ب.ت، ص 114″
يقول سيجموند فرويد إن ما يكشف عنه التحليل النفسي خلال ظاهرات التحويل أثناء علاج المصابين بالاضطرابات النفسية يمكن أن يشاهد أيضًا في حياة غيرهم من الاسوياء، فهناك من الناس من يلوح كأن في اعقابهم حظًا عاثرًا، أو كأن هناك قضاء غاشمًا يقف دون خطاهم، لكن التحليل النفسي قد اهتدى منذ عهد بعيد إلى أن القدر الذي يشكون منه، وإلى أن مجرى حياة الواحد منهم – في الجانب الأكبر منه – لم ترسمه الأحداث الخارجية بقدر ما رسموه هم لأنفسهم، إذ فرضته اهواء الطفولة المبكرة ومؤثراتها وحتمية ظروف الماضي لا الظروف التي تقابلهم في الحاضر” فرويد، ب.ت، ص 45″
أما ميكانيزم التكثيف Condensation فهو ميكانيزم لاشعوري يتاح من خلاله لمضمون ظاهري واحد وهو التعبير عن عدة مضمونات كامنه كما هو الشان في الاحلام والأعراض العصابية، ويميز فرويد بين نوعين من التكثيف، الصور المزيجه والاشخاص الجمعية” فرويد، ب.ت، ص93″ أما “جاك لاكان” فيرى في ميكانيزم التكثيف عمقًا في استخدامه لدى العصاب والذهان معًا، من خلال الكلام. ومن الميكانيزمات الأساسية التي يلجأ إليها الإنسان لا شعوريًا في حالات الاضطراب العصابي هو ميكانيزم العزل حيث يذكر المحلل النفسي “محمد درويش” في محاضرة له في رابطة الفضاء الفرويدي الدولي في باريس بتاريخ 25/1/ 2022، قوله: العزل أحد الميكانيزمات المميزة للوسواس القهري، ويكون العزل بين الفكرة والوجدان، ويذكر “درويش” أيضًا في نفس المحاضرة يفرق “فرويد” بين ميكانيزم الانكار والنفي، وهو شيء مختلف تمامًا حيث يضيف”درويش أن النفي بمعناه كمصطلح هو Negation، أما الانكار هو Denial. ويمكننا القول على المشتغلين في التحليل النفسي ضرورة الإنتباه لهذه التفاصيل في تشخيص الأضطرابات العصابية والذهانية لإنها مدخل مهم واساس في معرفة حالة المضطرب والحيل الدفاعية التي يلجأ إليها، وفي محاضرة في رابطة الفضاء الفرويدي الدولي بتاريخ 3/3/2022 يذكر المحلل النفسي “محمد درويش” إن ميكانيزم الإنشطار أو التفكك عند “جرين” يقابله ميكانيزم الالتحام ويذكر أن إنشطار الجسم في الاضطرابات السيكوسوماتية “النفسجسمية” واضطراب الهستيريا التحولية وتوهم المرض هو انشطار العقل، وهناك الفرق بين الإنشطار والكبت، وهناك إنشطار نفسي، وكذلك إنشطار اللانفسي وهو بين الجسم والعالم الخارجي. ويرى “زيور” أن هؤلاء المرضى ينكرون على أنفسهم هذه الميول الدفينة فيكتمونها في أعماقهم ويقوم في أنفسهم بشانها صراع خفي عنيف، وينقل “زيور” من دراسات العالم الفاريز Alvarez قوله: يثبت ما شهده من انتشار قرحات المعدة لدى الطموحين من رجال الأعمال الضخمة، وكذلك رأي “هارتمان Hartman” أن هؤلاء المرضى ينزعون في غير هوادة إلى مواجهة العقبات، ويشعرون بدافع قوي إلى تخطيها “زيور، 1986، ص 264” ولنا جولة قادمة عن إضطراب السيكوسوماتيك “الاضطراب النفسي الجسمي” من مدخل التحليل النفسي حصريًا.
المصادر:

  • درويش، محمد( 2022) محاضرة في رابطة الفضاء الفرويدي الدولي في باريس “غير منشورة”
  • درويش ، محمد ( 2022) محاضرة في رابطة الفضاء الفرويدي الدولي في باريس “غير منشورة”.
  • دويتش، هيلين( ب.ت) محاضرات في التحليل النفسي والعصاب، ترجمة فرج أحمد فرج، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة.
  • زوليكهاي ، سامان – Saman Zoleikhaei ( 2021) أسم الأب، سقوط القيد، الذهان، ترجمة جزء من مقالة قراءة لاكانية للذهان والعرض المرضي، ترجمة الدكتور سيد البدوي فتحي صديق، منشورة على الانترنيت. https://www.alyp.org/page10.html
  • زيور، مصطفى( 1986) في النفس، دار النهضة العربية، بيروت.
  • صفوان، مصطفى( 2016) التحليل النفسي علمًا وعلاجًا وقضية، ترجمة مصطفى حجازي، هيئة البحرين للثقافة والآثار،المنامة.
  • عبد القادر، حسين وآخرون ( 1993) موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، دار سعاد الصباح ، الكويت.
  • عوض، عباس محمود( 1977) الموجز في الصحة النفسية، دار المعارف بمصر، القاهرة.
  • فرويد، سيجموند( ب.ت) تفسير الأحلام، ترجمة مصطفى صفوان، دار المعارف، القاهرة.
  • فرويد، سيجموند( ب.ت) الموجز في التحليل النفسي، ترجمة سامي محمود علي وعبد السلام القفاش، دار المعارف، القاهرة.
  • فرويد، سيجموند( ب.ت) ما فوق مبدأ اللذة، ترجمة اسحق رمزي، دار المعارفـ القاهرة.
  • فينخل، أوتو ( 1969) نظرية التحليل النفسي في العصاب ج2، ترجمة صلاح مخيمر وعبده ميخائيل رزق، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة.
  • لاكان، جاك( 2017) الذهانات ، ترجمة عبد الهادي الفقير، دار التنوير للطباعة، تونس، بيروت، القاهرة.
  • مخيمر، صلاح( 1977) تناول جديد في تصنيف الأعصبة والعلاجات النفسية، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى