أخبارثقافة

نصف قرن علي حرب اكتوبر وضياع الحلم العربي ..!!

نصف قرن علي حرب اكتوبر وضياع الحلم العربي ..!!
محمد سعد عبد اللطيف.مصر،
نصف قرن علي ضرب قريتنا وتفريغ القاذفات والقنابل ،وصهاريج وقود الطائرات الإسرائيلية في أراضي حوض الطويل في قريتنا . كلما اقتربت من المكان والذكري والزمان ،وصرخات وعويل النساء والأطفال يوم ان استشهد جارنا احمد البسيوني ، ذاكرتي حاضرة تبحث في الآثار عن الذاكرة المفقودة، عن الحب والألم وهي آثار لا ترى لكنها لا تُمحى من الذاكرة ..،
للآسف أصبحنا أبناء الغيوم العابرة .. وكأننا أمام فيلم رحلة النسيان ،الريح تمحو آثار حقول القطن .،والأمطار تمحو آثار خطىٰ البشر…
والشمس تمحو آثار الزمن.
نحن الذين ولدنا في يوم مجهول ، وسنوات مجهولة كأزهار في حقول البرية،
من أمهات بلا شهادات وتاريخ ميلاد ،ومن آباء هبطوا من الغيوم، وماتوا دون أن يعرفوا متى عاشوا، هل كانوا أحياء أو موتي علي الأرض ..، انطفأوا كنيازك في الظلام، كما سننطفيء يوماً..!
سكنا في وطن لا نعرف لمن، وحارب الأهل دون أن يعرفوا لماذا…؟؟،
وقتلنا دون ان نعرف السبب وأحببنا ببراءة بلا أهداف..،
ومشينا في شوارعنا كما يمشي الغرباء،
وجلدنا في المدارس لأننا حاولنا أن نكون كما نريد لا كما يراد،
وسكنا في غرف مع العصافير والطيور ..، وخرجنا نهتف للمطر:
” يا مطر رخي رخي يا علي يابو رخ خلي الدنيا ترخ…،
نحن الذين كنا نباع من نظام الى آخر كما تباع الأغنام، أبناء العتمة والغياب والصمت والسوق، خرجت قريتنا تودع الزعيم جمال عبد الناصر عن بكرة ابيها..ولم يمضي سنوات كنا نمزق صور الزعيم ..بعد كل إنقلاب في الوطن العربي ..في الصباح نعرف ان انقلاباً حدث وقتل رئيس وجاء آخر .. ومناهج جديدة ونشيد وطني جديد وصور حيطان وقوانين جديدة،
كيف يتوازن الطفل على قيم ومبادئ وتقاليد ومناهج متغيرة كل مرة…؟
في الصباح، نعم قبل الإفطار، علمنا من نشرة الأخبار أن جيشنا العربي دخل
في حرب وصار في أرض أخرى، ونحن اصبحنا جنوداً ونحن اطفال بدعوة الاحتياط قبل نزع سراويل ملابس المدارس ،
لم نكن نعرف لماذا ثم علمنا ان جيشنا سُحق في الحرب ونصف جنودنا
لم يعودوا.. ولم نعرف لماذا انتصرنا ولماذا هزمنا،
ولا لماذا لم يعد جنودنا ولا أين ذهبوا..،
وطلب منا الذهاب للاحتفال بالهزيمة بثياب النصر…،
لم نعرف لماذا حوصرنا في حرب اكتوبر…،، ولماذا نتساقط في الشوارع من الأمراض بلا دم…؟
حرمنا من الأسئلة ومن الاجوبة، ومن الصمت ، ومن الكلام ومن الحلم ،
ومن النوايا” السيئة” وحتى من الأحلام “المعادية”
وتحولت أجسادنا الى حاوية نفايات من الأحلام المستهلكة…،،
ونتجول في شوارع قريتنا .. كهايكل صامتة رغم ضجيج الفوضي العارمة في الشوارع ..،،
ثم قالوا لنا إن “الأعداء قادمون “من خلف الحدود وعلينا الإستعداد لحرب لا نعرف عنها شيئاً، وأهداف لا نفهمها وأن ندافع عن وطن كنا حشرات فيه…،، تزحف، بلا كرامة
نحن جميعاً مشروع تجارب قتلى أو موتى يومآ بالتقسيط كخراف ترعى مطمئنة في حقل للمسلخ، بالرصاص او الأمراض او التلوث أو الانهيارات النفسية…،،
نحن يتامى التاريخ والاوطان والسياسة والأرض والثروة والمستقبل، نحن مثل
ركاب قطار مات سائقه ولا ننتظر سوى الارتطام الأخير، متى يأتي الإرتطام الأخير كي تنتهي هذه الحكاية المملة…؟
كنا محرومين من السؤال ومحرومين من الجواب، لأننا قبل زمن الآلات الحديثة ، بُرمجنا على الصمت وعلى النسيان، نسيان كل شيء حتى من نكون ولماذا نكون لأننا أشياء، لأن هناك من يفكر ويخطط ويحلم ويتوهم بالإنابة عنا…،،
نحن الهامش الفائض عن الحاجة والرقم في بلاغات القتلى العسكرية
وفي خطابات الأحزاب وفي احتفالات القادة:
” نحن حزب المستضعفين في الأرض “،
لم نسقط في معركة حرية ولم نُقتل ونحن في الطريق الى تاريخ مختلف،
ولا ولادة حكاية حياة جديدة تبزغ غدا،
بل قتلنا تحت الأحذية في السراديب وخلف الأسوار العالية .. دون أن يحمل أحدنا سر ثورة …،

نحن أبناء الغيوم نجلد كل يوم تحت عصي التاريخ والخطباء والقادة والدول الشقيقة والصديقة، والبعيدة والقريبة والغنية والفقيرة، والأحلام المتفسخة،
والشركات الحقيقية والوهمية والبرامج والأوهام والعصابات والمرض ،
وتمص شرايينا بكامل الصحو والعلنية وأطفالنا يبحثون في المزابل
عن مستقبل لن نشارك في صنعه وحياة لا علاقة لنا بها، وأرض لم يعد يربطنا بها سوى الحذاء…،
ماذا حدث في خلال نصف قرن من تغيرات …!!
كنا نذهب الى حفل العرس بكل صفاء ونذهب في موكب الجنازات بكل صدق، نتألم مع من في حالة طلق،
ونمشي في جنازات الغرباء باكين حزن الغرباء،
نحن الوجع المخفي بالكبرياء والدموع الحبيسة والخوف المزمن.
نحن الألق المضيء في الظلام المهمل
من نحن أبناء الغيوم؟
في ذكري حرب اكتوبر ..ماذا يحدث الآن في سوريا تفجير كلية الضباط يوم تخرجهم…أين العراق الممزق ، أين اليمن السعيد ،وليبيا ، واين فلسطين والسودان حرام والف حرام
تعيش امة بعد نصف قرن من حرب اكتوبر بلا هوية فمتي يعلنون وفاة العرب ..!!

محمد سعد عبد اللطيف .كاتب مصري وباحث

.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى