يا محبوبي عاد الرّبيع
الجزائر
**
هديّتي لكل محبّ كلمات من الفلكلور المغربي الجميل بعنوان ”يا محبوبي عاد الرّبيع“:
يامحبوبي عاد الرّبيع
وموسم المسارية اضوا
بالشمس و الأزهار
آ محبوبي جاد الربيع
وعاشت من هي فانية
واليابس اخضر
و انا قلبي ما لقي شفيع
جعلك عنه راضيه
وتعود للجوار
وانت حتي لين بهذ ادليع؟
الدار بلا بك خالية
ما هي ش دار“.
من روائع الفنّان المغربي (عبد الهادي بلخياط)، أغنية، أغنت خزانة الأغاني المغربيّة.
إنّها الجمعة؛ أحب الأيّام إلى الله. الفاتح من آذار سنة 1970، معلنة عن قدوم الربيع المتبختر. كان للحياة يومئذ معنى كبير؛ من المعاني السّامية الجميلة. وكان أهل القرية الهادئة المطمئنّة يرفعون شعار الحب والجمال، عاليا فوق كل اعتبار. يفتتحون يومهم بصوت (عبدالباسط) وهو يتلو ما تيسّر من سورة الكهف الغنية بالقصص والأسرار.
وتتفتّق ”الشهوة“ الإيمانية، فيهرع الكبار والصغار إلى المسجد الصغير. ثم يعودون بعد الخطبة، مهرعين إلى الموائد المزوّدة بالأطباق.
وبعد أخذ قسط من الرّاحة، تعود الرّغبة لتسغلّ ما تبقّى من الأوقات، و يحتشد الشبّان والصبيان وسط القرية، يدفعهم الفضول الزّائد، رغبة في رؤية أفراد الفريق الزّائر؛ إنه يوم للريّاضة و الريّاضيين كذلك.
وماهي إلاّ دقائق حتى تمزّق صفّارة الحكم هدوء القرية وسكونها، وتعلو الصيحات في سمائها الصّافية الزّرقاء. يتلوها تصفيق متتالي، وبعض الصراخ المتقطّع. فتستجيب النّفوس المنزوية أصحابها هناك بعيدا عن المشهد، تراقب وتنتظر النتيجة بصبر نافد.
لم يعرف اليأس يوما طريقا إلى تلك القلوب المشحونة بالحب والأيمان، ولم يفقد أصحابها الأمل. وفي اعتقادهم الرّاسخٌ أيمان بأنّ الله وحده هو من يغفر الذّنوب.
يأخذ القرص الأصفر مكانه عند المغيب، فاسحا المجال لللّيل الطّويل؛ عندها يتهيّأ أصحاب”الچانيا“ لبث أجمل الأغاني عبر الأثير النّقي؛
ويذكرني المشهد هذا، بكلمات الفنّان الرّاقي (يونس ميچري): ”ليلي طويل ما عندو نهاية وشمعي قليل ولا ونيس معايا ودمعي يسيل من شوقي وهوايا وقلبي عليل فين نجبر دوايا“.
و(بكاكشي الخير): ”أنا وليد الطلبة وليد الجبال السود راسي شاب من الغربة قلبي تعمّر دود“.
و(دحمان الحرّاشي): ”خبّي سرّك يا الغافل واقرا حذرك لا تبيّن سرّك للغير“. وكلّها أغاني هادفة وجميلة. وحول ”الچانيا“ يتجمهر أصحاب اليانصيب؛ تحسبا للحصول على أوراق الحظ، الكلٌّ يترقّب وينتظر دوره.
ثم يأتي هذا اليوم مجدّد، يستنسخ نفسه.
نحن في صبيحة الجمعة المباركة، في الفاتح من آذار سنة 2024، لا صوت يعلو فوق ضجيج المحرّكات المزمجرة؛ كأنّها [حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ].
يأتي هذا اليوم ليجد العالم قد تغيّر؛ لكن إلى الأسوأ.
لا صوت يعلو فوق صراخ أهل غزّة المساكين.
لا صوت يعلو صوت القنابل المدوّية التي تفجّر المباني على الرؤوس، وتحوّل الأحياء إلى أشلاء.
لا جديد يذكر ولا خير في هذا العالم. لا أمل، ولا فرح.
لا فرج يلوح في الآفاق. سوى تصريحات المنافقين الكاذبة والعملاء الخائنين، تريد إطالة الحرب وتبحث عن المزيد من القتل والشتات و الدمار.
يأتي هذا اليوم وليس فيه ما يروي أرواحنا الضمآنة، التوّاقة إلى سماع الأغاني الجميلة؛ لقد أفسد هؤلاء المجرمون كل شيء جميل.
قلوب خاوية، لا ذرّة حبّ أو خير فيها؛ صفحات الفضاء الأزرق الباهتة، يحاول أصحابها الظهور بثوب الأتقياء والأبرياء، حكماء ناصحين في بعض الأحيان: ”ماشاء الله عليهم“.
تطاول أصحاب الفضاء الأزرق على الواقع المرير، وأفسدوا الحياة و أفقدوها سرّها و بريقها. كما تطاول الأقوياء على الضعفاء، في هذا العالم الخائن الجائر. وأوغل المجرمون في قتل الأبرياء في حرب مجنونة. والعالم الخانع من حولنا يقف صامتا؛ يشاهد ويستمتع.
لم نر من هذا العالم ما يشفي الغليل ويعيد الكرامة للأبرياء الضعفاء. لم نلمس ثورة جادّة تقلب الموازين في هذا الرّبيع يا محبوبي.