معهم يحلو السباق
معهم يحلو السباق
أبدأ مقالي بسؤال يثير الدهشة، بل يثير الاستغراب، من نسابق ؟ قد يخيّل لك أّنك في سباق عدو أو سباق الخيل أو ربّما سباق الدّرجات، نقضي أوقاتنا في هوايتنا المفضلة نمتّع أنفسنا ، وهي هوايات مباحة ، ولكنّي أردت في حديثي رفع سقف التّسابق ، فيكون السّباق في أمور حياتنا. وفي الأمور التي تخصّ قضايانا الحيويّة . سأحاول في مقالي أن أستوحي مادته من وحي الأثر ، و من قصص الناجحين ، أقطف عصارة فوائدها ومن خلالها نحدد صفات الأشخاص الذين يحقّ لنا التّسابق معهم في دروب العطاء الواسع .
فمن نسابق يا ترى ؟.
في هذا السّباق نختار المتسابق قوي ، نختار سباق من ينشّط عزمنا ، يقوي ضعفنا ، يقوي مردود مشاريعنا ، نحتاج هذا المتسابق لإعلاء منزلتنا و رفعة مكانة أنفسنا، نحتاج هذا التّسابق لنكون الأفضل في الخيرية، نحتاج هذا التّسابق كي نترك أثرا نحمد به ، بعد أن نمضي لدار الخلود فنسعد بثمار غرسنا ، و نجني محصول جهدنا .
نتحمل في هذا التّسابق صنوف من المشاق والمتاعب ، و نحن نشق طريق سيرنا، نمضي على طريق من تميزوا ، فتركوا بصمتهم شاهدة كتبتها صفحات التاريخ بماء الذهب .
لعل من أخص ميزات من نحتاج التسابق معهم جموح طموحهم وقوة إصرارهم وقوة تحديهم ، الذين تصغر في عيونهم المشاريع الكبيرة ، تكبر أنفسهم عن توافه الأمور، ترنوا أعينهم للمعالي.
يقول الشاعر أبو القاسم الشابي في ذلك الشاعر التونسي
“أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر
وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر
أن تسابق من صفاتهم علو الهمة و رفعة الأهداف ،نتسابق من أهدافهم في الحياة كبيرة ، من يعيشون لغايات كبيرة ، و لا يوقف همتهم ولا تضعف عزيمتهم كسل ، أو ركون إلى البطالة ، يحملون نفوسهم لتخطي الصعاب ، فيختارون صفوف المقدمة ، دأبهم تحصيل التّميز في الأداء ، تميز في اتقان المهمات ، و هؤلاء لا تعرف همتهم مسالك الفوضى و التخبط ، فهم غاية في النظام .
نسابق من ترتسم ملامح السعادة في وجوههم ، الذين لا من يلبسون ثوب الحداد في أيّام الأزمات ، نختار من يعاشرون الأحزان و البؤس و الشقاء، لكن تراهم يكدحون مع زهد العيش و قلة ما في اليد ، فلا تفارقهم إشراقة الابتسامة ، تراهم يفتتون الحجارة ، و قلبوهم يكسوها الرضا – ليس معنى حديثي أن نقاسم الفقر و زهادة العيش ، فالأصل في الحياة ، طلب الغنى و القوة – لكن عين المنى أن يقاسموا النّاس السّعادة ، فيسعد بسعاداتهم غيرهم ، فأي سعادة ترجى و نحن تدوس كرامة الأخرين .
نسابق من يصححون المسار ، من يقومون طريق سيرهم ، من يقوّمون تجاربهم ، من لهم وقفات يتعلمون من أخطائهم ، فلا تأخذهم عزة نفسوهم و كبريائها ، فيردوا النصح و الترشيد ، و لو كانوا في قمة المسؤوليّة ، لو كانوا في أعلى مراتب القيادة ،فطبعا نفوسهم الكبيرة ترضى بالتقويم مساكا لتحصيل الارتقاء والتميز ، همهم حل المشكلات وتفريج الصعوبات ، همهم تأمين المشاريع وبلوغ الأهداف فهؤلاء نفائس وذخائر لا يرحم المرء صحبهم و التسابق معهم .
الأستاذ حشاني زغيدي