أخبارقانون وعلوم سياسيةقانون وعلوم سياسية و إدارية

هل للعدالة . . أن تكون حقيقة واقعة

هل للعدالة . . أن تكون حقيقة واقعة

أمين أحمد ثابت

نحن في هذا الزمن المعاصر ( الراهن ) – بأرقى ما وصلت إليه البشرية من تطور ، منا من عايش وعايش خصوصية قرنين ( نوعيين ) معا من تاريخ التطور البشري – أي موجة تحول الحياة والقيم بفعل العلم والمعرفة من القرن العشرين وصولا الى اللحظة اقترابا من العقد الثاني ونصف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين – واخرين معايشين للقرن الأخير فقط من المولودين فيه بينما يعد بالنسبة لهم القرن الماضي سوى موروثا بشريا لهم مضافا الى قدمته البشرية عبر كامل تاريخها الماضوي – وإن كان يعد بالنسبة لهم ارثا قريبا ما زالت علاماته تحضر في حياتهم الى اليوم وخلال فترات المستقبل المنظور – نحن نعرف أنا نمتلك جبالا متراكمة المحتوى – قديمة او حديثة او معاصرة – مسنة في كل ارجاء الأرض فيما يخص الانسان في وجوده وعلاقاته مع بعضه البعض – أي النوع الواحد ذاته ، وبينه وبين غيره من اشكال الحياة و . . حتى تلك غير الحية من الوجود الطبيعي – حتى الان في ظل داخل كوكب الأرض – وكلها مبنية حول مفهوم ( العدالة ) في تحقيقها واقعا وليس ك . . ( ترف فكري تخيلي مجرد ، او توهمات افتراضية لعالم مجرد نحلم به ونواسي انفسنا من خلاله ) – وهي الحقيقة النوعية المغايرة لنوع الانسان ك ( كائن حي عاقل التفكير والتخطيط الهادف ) ، والتي توسمه عن غيره من مخلوقات الكوكب ( الحية والمنقرض منها ) أن خصوصية نوعه ( الدماغي العاقل ) يجعله هو من يخلق عالمه ونظمه وحياته ومحيطه ( الاجتماعي والطبيعي ) وفق مشيئته وتصوره للحياة التي يراها الأفضل لاستمرار نوعه ، وهو ما يجعله ذاته هو المقرر حتى لمسار تاريخ وجود نوعه البشري وكل ما يحيط به ، بما يطبع ذلك المسار بطابع ( متجدد نوع الحياة ) من عصر الى اخر ومن مرحلة تاريخية الى أخرى ، حيث خلق مفهوما لتطور نوعه بمعطى التغير بطبيعة مغايرة كليا لكل أنواع الوجود المادي ( الحي وغير الحي ) ، كونه انفلت عن محكومية الوجود والتطور – دون سواه – في أن يكون تابعا للقانونية الموضوعية ك . . مشروطيات تمليها الطبيعة عليه في مسألتي البقاء والاستمرار او الانقراض – بل انه ذهب ويذهب نحو التحكم التدريجي الزمني لإخضاع الطبيعة له وتحويل قانونياتها الموضوعية ( بين تحييد او تخفيف اثارها المهددة لبقائه واستمرار نوعه ، وبين تغيير بعضها – الذي ما زال يعد قليلا حتى الان – او تعديلها تحويرا بما يجعلها خادمة لوجوده وحياته او تخليق قانونيات آلية بديلة تخدم وجوده ليكون فعلها الواقعي معيبا للأخرى الموضوعية التي لا تصب في مصالحه او تهدد وجوده ) .
وعليه فقد علم تاريخ الانسان – طوال مسار تطوره الارادي الذاتي التخليق – بأن تتغير قيم وجوده عبر التاريخ من خلال بناء منظمات الاخلاق في مسألتي ( الخير والشر او الفضيلة والرذيلة ) ، بأن تتحول عبر التاريخ التطوري الى سنن تحكم واقعيا ذلك الوجود والحياة والعلاقات ، لتتطور عبر المراحل من الاعتقاد الأخلاقي المجرد الى معرف واقعي ملموس على هيئة مسمى الأعراف والتقاليد وثم الى معرف القانون ، حيث القديمة حكم المجتمع من خلالها ذاتيا ثم أصبحت تمثل المنظومة القضائية لنظام دولة الحكم القديمة ، ليكون الأخير صورة الموجه الحاكم لنظامية المجتمع والحياة وعمل الدولة ذاتها ونظامها عبر مسمى ( الدولة الحديثة ) – البسيطة او المركبة المعقدة التطور – وكلها تقوم حول مفهوم العدالة وتحقيقها من خلال القوانين العامة والخاصة والمجالية التخصصية والشخصية الفردية ك . . فاصلة بين بعدي الخير والشر من خلال ( الفعل الملموس ) ك . . مسؤولية قانونية يحاسب فيها الانسان – الفرد ، الجماعة او الجهة ) من خلال مصوغة القانون المتضمن ( مفهوم الحق ) الى جانب مبدئي ( الثواب والعقاب ) على الأفعال – حتى وصل مفهوم تحقيق العدالة واقعا بتفصيلية دقيقة واكثر دقة في بنى القانون . . ابعد كثيرا مفهومها الأخلاقي المجرد حيث يمكن للعدالة أن تتلاشى وتكون مجانبة لذاتها النظرية خلال التفاصيل في الحوادث او الأفعال للأفراد او الجماعات او الجهات او الاطراف عند وقوفهم للمحاسبة لتحقيق العدالة لتجنب الظلم او إزالته إن وجد واقعا .
ومما سبق يمكن الجزم بوصول التشريعات القانونية ( صياغة ) – واخراجها لاحقا بإقرار شرعي بصورة مسمى ( القوانين النافذة ) – المعمول بها او من خلالها – بأن وصلت الى اعلى مستوى من الرقي لحماية الحقوق والانصاف في تحقيق العدالة – على كافة المستويات والاصعدة والجوانب المختلفة ( عالميا ومحليا داخل كل بلد بعينه ) – وهو ما قاد الى الارتقاء – دوليا ومحليا – لنظم الحوكمة والإدارة وعمل الدولة والدفع الى تطوير أدائها وتجديد ابنيتها وطبيعة عملها الوظيفي المتجدد لأجهزتها المختلفة .
وليس بمخفي علينا أن بلداننا العربية قد اشتقت معظم قوانينها وتشريعاتها من القانون الفرنسي – الذي يمثل المنهل الرئيسي الحديث للتشريعات القانونية في العالم والى جانبها البلدان المتقدمة الرائدة في هذا الجانب – حتى يصل أن يصرح عدد غير قليل من خبراء القانون في كل بلد عربي و . . منها اليمن ب . . أننا نمتلك تشريعات قانونية ( مقرة للعمل بها ) اكثر وافضل من تلك – المشابهة لها كمجال قانوني تخصصي – والمتعامل بها في فرنسا او غيرها .
وقبل الخوض في تساؤلنا الفاتح لمسألة مبحث العدالة – الذي سنأتي عليه لاحقا – وذلك تجنبا لجدل سفسطائي عقيم يعتمد الاستقطاع لجزء من القول او حرفه عن مقصده المطروح بتأويل مغاير – نجزم أن العدالة كمفهوم نظري مجرد عام اقرب افتراضا للإطلاق على أساس أخلاقي والاطلاق النسبي على أساس نص تشريعي وإن اتخذ صفته كقوانين نافذة ، بينما مفهوم العدالة ( في تحققها الواقعي ) هو امر نسبي ، وغالبا ما تحكم طابعها النسبي مشروطيات حاكمة جبرا واقعا بما يجعلها فاقدة لطبيعتها المثلى المجردة مفهوما ، وكثيرا ما يعتور تحقيقها النقي التوازنات والنفوذ حين يكون ذلك اعلى من قوة القانون واقعا والذي عندها يكون القضاء واقعا في نطاق دوائر ذلك النفوذ وموجها من خلاله – او يحدث ذلك الاعورار من خلال الخطأ او قصور في فهم القوانين وتفسيرها أو قابلية صياغتها النصية للتأويل المحرف للقصد النصي او ملابسات خادعة واقعا – في بعض الحوادث او الأمور موضع المساءلة القانونية – تعيق تحقيق العدالة – ورغم الجملة الاعتراضية أعلاه . . نضع تساؤلات أساسية اولية :

  • هل للعدالة وجودا كحقيقة واقعية ملموسة – في زمننا البشري الارقى وجودا في التاريخ حتى اللحظة ؟
  • هل للعدالة أن تكون متجزئة ( في كل امر محدد بذاته ) ، حتى في ظل ذات المعايير من العوامل والظروف والشرطيات الواحدة نفسها – وليست المتغيرة ؟ .
  • وهل يمكن أن توجد العدالة واقعا في زمن تاريخي قديم بينما تغيب واقعا في الزمن الحديث – الاكثر ارتقاء في مسنون القوانين لتحقيق العدالة ؟
  • أم أن العدالة مفهوما مجردا لا أكثر يستغل واقعا للتغرير بالوعي بما يجعل الانسان مغتربا في انغماسه بين نقيضين ، احدهما يتمثل ب . . وهم قناعات نظرية بوجود العدالة . . هي بالأساس غائبة واقعا – او انها إن لا تطبق اليوم ستطبق غدا – وبين واقع ممارس يحدد مفهوم العدالة وسيرها من يمتلك قوة التحكم والنفوذ لا اكثر و . . ليس مفهومها الطوباوي ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى