أحوال عربيةأخباردراسات و تحقيقات

سلسلة (أباطيل وخرافات حاخامات صهيون) الحلقة (6)

سلسلة (أباطيل وخرافات حاخامات صهيون) الحلقة (6)

*الكاتبة الاسرائيلية دافنا ليفيت:أشعار محمود درويش وأعمال إدوارد سعيد، فتحتا عيني على الفراغ الذي خلفه فشل حلم تيودور هرتزل.

*الكاتب اليهودي إيلان بابيه: إسرائيل هي استعمار استيطاني والحل العادل لمعضلة فلسطين لن يتحقق إلا إذا توقف التعامل مع الأساطير اليهودية على أنها حقائق.

*الكاتب اليهودي شلومو ساند: لا مفر من تعريف الأعمال الإسرائيلية في الريف الفلسطيني على أنها جريمة تطهير عرقي وجريمة حرب.

حوار أحمد الحاج 

بالتزامن مع تحرك دولي لتجميد عضوية الكيان اللقيط في مجلس الأمن الدولي،يحتدم الصراع حاليا داخل الكيان الصهيوني المسخ ولاسيما بين الحاخامات الرافضين كليا للتجنيد والانخراط بالجيش خلال الحروب الدموية المتتالية التي يؤججونها، ويسعرون نيرانها، ويحرضون عليها،مكتفين بالتحريض ودراسة التوراة والدعاء للجيش فقط لاغير من جهة،وبين القيادة العسكرية التي تتحرك جديا لتجنيد”مجتمع الحريديم “أسوة بأقرانهم من جهة أخرى، وبينما غرد الحاخام شاي بيرون، خارج سرب الحاخامات داعيا الى التحاق المتدينين بصفوف الجيش لأن تطوعهم للصلاة فقط من أجل من يقاتلون في الميدان من دون عودة أبنائهم قتلى في توابيت لم يعد كافيا،مؤكدا أن أسباب رفض الحريديم للتجنيد الإلزامي يرجع الى رفضهم بأن يكونوا جزءا أساسيا من الدولة،وفقا  لصحيفة ” يديعوت أحرونوت” العبرية، ليتدخل حاخام السفارديم الأكبر يتسحاق يوسف، مفجرا قنبلة من العيار الثقيل مفادها “اذا ما قامت الحكومة الاسرائيلية بإجبار اليهود المتدينين – الحريديم – على أداء الخدمة العسكرية فإنهم سيهاجرون من إسرائيل وعلى الحكومة أن تعرف بأن دراسة وصلوات طلاب المعاهد الدينية هي ما تمنح الحماية للجيش الاسرائيلي”،ما أثار لغطا كبيرا وتسبب بأزمة داخلية حادة تضاف الى  سلسلة الازمات المتفاقمة التي تعصف بالمجتمع الصهيوني الذي يعاني من التمييز العنصري الصارخ بين الاعراق والطوائف والقوميات والطبقات والألوان ،فيما أكد مسؤولون كبار بأن تصريحات الحاخام الشرقي الاكبر  تشكل خطرا على أمن اسرائيل، وعلى الحكومة حجب الأموال عن كل من يرفض التجنيد الالزامي .

وفي الحلقة السادسة من(أباطيل وخرافات حاخامات صهيون) نواصل حوارنا مع الدكتور خالد العبيدي،الذي أجاب على اسئلتنا مشكورا .

س1 – من الكتب المهمة الصادرة عام 2020  كتاب ” الصراع مع الصهيونية: أصوات معارضة يهودية” لمؤلفته الاسرائيلية دافنا ليفيت، وقد استعرضت واضاءت على صفحات كتابها خيبة أمل ومواقف 21 مفكرا يهوديا، بينهم اينشتاين ، ونعوم تشومسكي، وغيرهم ممن عارضوا الصهيونية كفكرة قومية أممية عنصرية ، ابتعدت أو لنقل تناقضت وتقاطعت مع اليهودية كشريعة سماوية ، فما هو الفرق بين اليهودية والصهيونية برأيكم ؟

ج : لعلنا ذكرنا الفريق بين التصنيفات اليهودية في سؤال سابق ولكن بقي أن نميز بين ما هو يهودي كديانة وما هو صهيوني كفكرة ومعتقد سياسي لا يرتبط بدين فتجد من الصهاينة من هو مسيحي الديانة ممن يعرفون بالمسيحية الصهيونية (Christian Zionism) وربما هناك من هم على ملل ونحل وأديان أخرى ظاهراً وباطناً.

عموماً اليهودي هو من يدين بالديانة اليهودية وقد تحدثنا عن الفرق بين من ينتمي لليهودية ومن ينتمي لموسى عليه السلام، ومن ينتمي لبني إسرائيل ومن يزعم اليوم أنه من أحفادهم. وأما الصهيوني فهو من يدعم الأيديولوجيا الصهيونية التي لها أفكار تتناقض مع تعاليم التوراة في غالبها خصوصاً أنها تؤيد تأسيس حكم يجمع شتات اليهود من جميع نواحي العالم لاستيطان أرض فلسطين بالقوة، وإقامةِ دولة يهودية مزعومة بها تسمَى زورًا بـ”إسرائيل” ومعلوم أن إسرائيل هو الاسم الآخر لنبي الله يعقوب عليه السلام، وحامل الجنسية الإسرائيلية هو المواطن الذي يسكن دولة فلسطين المحتلة (إسرائيل) حتى لو كان من غير الديانة اليهودية، إذ هناك عرب مسلمون ونصارى من مهجري عام 1948 أو من البدو ممن لم يهاجروا وفضلوا البقاء أجبروا على الانتماء لدولة الكيان فهم يملكون الجنسية الإسرائيلية.

الصِّهْيُونِيَّة (بالعبرية: ציונות) و(بالإنجليزية: Zionism)‏، هي حركة سياسية يهودية، ظهرت في وسط وشرق قارة أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر ودعت اليهود للهجرة إلى أرض فلسطين بدعوى أنها أرض الآباء والأجداد (إيريتس يسرائيل) ورفض اندماج اليهود في المجتمعات الأخرى للتحرر من معاداة السامية والاضطهاد الذي وقع عليهم في الشتات، وبعد فترة طالب قادة الحركة الصهيونية بإنشاء دولة منشودة في فلسطين والتي كانت ضمن أراضي الدولة العثمانية. وقد ارتبطت الحركة الصهيونية الحديثة بشخصية اليهودي النمساوي هرتزل الذي يعد الداعية الأول للفكر الصهيوني الحديث والذي تقوم على آرائه الحركة الصهيونية في العالم وبعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948م أخذت الحركة الصهيونية على عاتقها توفير الدعم المالي والمعنوي لدولة إسرائيل  وقد عقد أول مؤتمر للحركة الصهيونية في بازل بسويسرا ليتم تطبيق الصهيونية بشكل عملي على فلسطين فعملت على تسهيل الهجرة اليهودية ودعم المشاريع الاقتصادية اليهودية.

أما كلمة «صهيوني» فمشتقة من كلمة صهيون العبرية: ציון وهي أحد ألقاب جبل صهيون في القدس كما هو ورد في سفر إشعياء  فيما وردت لفظة صهيون لأول مرة في العهد القديم عندما تعرض للملك داود الذي أسس مملكته 1000–960 ق.م فيما صاغ هذا المصطلح الفيلسوف ناتان بيرنباوم ،في عام 1890، لوصف حركة أحباء صهيون، وأقر التسمية المؤتمر الصهيوني الأول في عام 1897. ويرى البعض أن بدايات الفكر الصهيوني كانت في إنجلترا في القرن السابع عشر في بعض الأوساط البروتستانتية المتطرفة التي نادت بالعقيدة الاسترجاعية التي تعني ضرورة عودة اليهود إلى فلسطين شرطا لتحقيق الخلاص وعودة المسيح لكن ما حصل هو أن الأوساط الاستعمارية العلمانية في إنجلترا تبنت هذه الأطروحات وعلمنتها ثم بلورتها بشكل كامل في منتصف القرن التاسع عشر على يد مفكرين غير يهود بل معادين لليهود واليهودية. ومن المهم أيضاً لفت الانتباه إلى أن الصهيونية نشأت كرد فعل على ما أسماه اليهود «معاداة السامية»، لتصبح مهمة الحركة الصهيونية تغيير واقع اليهود في قارة أوروبا إلى دولة قومية تجمع اليهود من كل أنحاء العالم.

يرى أنصار الصهيونية أنها حركة تحرير وطنية لإعادة شعب مضطهد مقيم كأقليات في مجموعة متنوعة من الدول إلى وطن أجداده، وقد أسهمت محرقة الهولوكوست في إقناع اليهود بأفكار الحركة الصهيونية بشكل كبير بدعوي المظلومية وكانت دافعًا كبيرًا للهجرة والقتال لإقامة دولتهم اليهودية في فلسطين. بينما يرى منتقدو الصهيونية أنها أيديولوجية استعمارية عنصرية واستثنائية قادت أتباعها إلى استخدام العنف خلال الانتداب البريطاني على فلسطين، وتسببت في نزوح العديد من الفلسطينيين، ثم إنكار حقهم في العودة إلى أراضيهم وممتلكاتهم المفقودة خلال حربي 1948 و1967.

كثير من اليهود الذين يعيشون في أمريكا وأوربا وروسيا وغيرها ممن يصنفون أنفسهم ورثة كتاب موسى وأنهم على الأصل التوراتي القديم بأنهم شعب قد كتب الله تعالى عليه الشتات بسبب ما اقترفوه من موبقات وآثام، وأنه يحرم عليهم وفق تلك العقيدة إنشاء أو تشكيل أو تكوين دولة تجمعهم، بل حتى بعض ممن يعيش داخل دولة الكيان منهم لا يتعرف أنه يعيش داخل دولة لأن ذلك حرام في معتقده بل هو يعيش في دولة معينة لا تنتمي لليهود، وهذا من العجب العجاب حقاً.

كتاب ” الصراع مع الصهيونية: أصوات معارضة يهودية” لمؤلفته الاسرائيلية دافنا ليفيت قدم لنا صورة متشائمة لمستقبل إسرائيل استنادا لمواقف 21 مفكرا يهوديا انتقدوا إسرائيل لأسباب أخلاقية وثقافية. فمن المعروف والمعتاد أن إسرائيل تصور في وسائل الإعلام الغربية السائدة باعتبارها “وطن اليهود” و”الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”؛ لكن هذه النغمة الشائعة في التغطيات الإخبارية تقوم على جملة من الافتراضات محل تشكيك من كتاب، يستند لآراء يهود مستقلين، تحدوا السياسات الإسرائيلية المتشددة. ويشرح الكتاب آراء متعددة (ومتناقضة) ظهرت منذ أواخر القرن الـ19، قبل تأسيس دولة إسرائيل بفترة طويلة، ويستطلع آراء الشخصيات الرائدة حتى الوقت الحاضر، ويسلط الضوء على تقليد البحث الفكري الشجاع، والنشاط المتجذر في الضرورات الأخلاقية اليهودية.

المؤلفة ليفيت حصلت على درجات علمية من جامعات تل أبيب وإنديانا وكورنيل، كما كانت ناشطة في حركة “غوش شالوم” (كتلة السلام)، و”بتسيلم” (منظمة تنشط لإنهاء الاحتلال)، وأطباء من أجل حقوق الإنسان، واللجنة الإسرائيلية لمناهضة هدم المنازل، وغيرها. وشاركت في تأليف كتاب سابق عن الشرق الأوسط بعنوان “الرفض الإسرائيلي: أجندة خفية بعملية السلام في الشرق الأوسط” (مطبعة بلوتو، 2011). ولعل كتابها المقصود الصادر عام 2020 عن مطبوعات (Interlink Press)، يبين لنا مواقف وتحولات لـ21 مفكرا يهوديا، بينهم علماء وباحثون وصحفيون ونشطاء عارضوا الصهيونية منذ نشأتها سياسيا ودينيا، على أسس ثقافية أو أخلاقية أو فلسفية، ومنهم ألبرت أينشتاين، ومارتن بوبر، وحنة أرنت، ونعوم تشومسكي، وإسرائيليون معارضون مثل يشعياهو ليبوفيتش، وزييف ستيرنهيل، وشلومو ساند، وإيلان بابيه وغيرهم. والجدير بالذكر هنا أن المؤلفة دافنا ليفيت ،هي إسرائيلية تعيش حاليا في كندا، خدمت في الجيش الإسرائيلي، وأدركت ببطء أن الرواية الإسرائيلية للأحداث تتعارض مع منطق التاريخ، ورأت بنفسها سوء المعاملة اليومية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة؛ لتكتب “بدأت خطواتي الطويلة من خيبة الأمل في الرواية الصهيونية، والبحث عن أصوات معارضة أخرى بعد حرب الأيام الستة عام 1967 بفترة وجيزة، عندما خدمت كضابط اتصال صحفي في جسر اللنبي، وشاهدت اللاجئين الفلسطينيين يحاولون الفرار عبر الحدود. كان الانفصال عن بلدي تدريجيا واستغرق عدة عقود. في عام 2002، غادرت إسرائيل متوجهة إلى كندا، في وقت أصبحت فيه الأجندة الصهيونية أكثر تشددا وأقل تسامحا مع المعارضة”.

تذكر المؤلفة أنه في القرن الـ21 لا يكاد أحد يتذكر أن الصهيونية كانت حركة أقلية بين اليهود في القرن الـ19، عندما بدأ الدعوة إليها ثيودور هرتزل؛ وواجه الصحفي النمساوي المجري، الذي أسس المنظمة الصهيونية، وشجع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، معارضة شديدة من القادة اليهود في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك كبير حاخامات فيينا موريتز غودمان، الذي رفض فكرة “القومية اليهودية” مؤكدا أن “الإيمان بإله واحد هو العامل (الوحيد)، الذي يجمع اليهود”، ومشددا على أن “الصهيونية تتعارض مع تعاليم اليهودية”.. وقد رفض حاخامات الإصلاح الأميركيون، المجتمعون في بيتسبرغ الأميركية، القومية من أي نوع، وأعلنوا “إننا لا نعتبر أنفسنا أمة؛ بل مجتمعا دينيا، وبالتالي لا نتوقع عودة إلى فلسطين، ولا استعادة أي من القوانين المتعلقة بالدولة اليهودية”. لقد كان مجيء هتلر والمحرقة السبب الذي غير قناعة الكثير من اليهود، وفق عرض الكتاب، الذي قدمه ألان سي براونفيلد لمجلة “واشنطن ريبروت” (Washington Report).

وتقول المؤلفة أنه “باستثناء أولئك الذين وصفتهم المؤسسات الإسرائيلية واليهودية بأنهم متطرفون ويهود يكرهون أنفسهم وحتى “خونة”، كان هناك عدد قليل نسبيًا من الإسرائيليين واليهود أو أصدقاء إسرائيل، الذين يصفون أنفسهم بأنهم يقاومون أو ينقدون الأيديولوجية العنصرية المتأصلة للصهيونية”، وتعتبر أن كتابها يعطي صوتا لبعض أولئك الذين كانوا شجعانا بما يكفي لمعارضة السرد “القومي” السائد حول إسرائيل، باعتبارها وطن اليهود وديمقراطية الشرق الأوسط”.. وتقول المؤلفة إنه تم تلقينها عقائديا من نظام التعليم الصهيوني، حيث كانت تعتقد “من صميم قلبها أن إسرائيل لديها الحق الحصري في الأرض، التي كانت تسمى حينها فلسطين”، بينما كانت تنكر “وجود شيء اسمه الشعب الفلسطيني في فلسطين”.. وفي الكتاب تدون ليفيت مواقف متناقضة لبعض الشخصيات، فالفيلسوف الألماني مارتن بوبر، الذي أدان بمرارة المعاملة الصهيونية للسكان العرب الأصليين، لم يستطع التخلي عن الحنين لفكرة اجتماع اليهود في فلسطين، وحتى التيارات الدينية اليهودية التقليدية، التي رفضت فكرة دولة يهودية في فلسطين، تحولت في النهاية للصهيونية، واستوطنت البلاد التي رفضت الهجرة إليها من قبل.

وفي زيارته للأراضي الفلسطينية 1891 اعتبر بوبر أن فلسطين ليست أرضا بلا شعب، ولاحقا قال إن المستوطنين اليهود يعاملون السكان العرب بطرق قاسية وعدوانية وعنيفة، مشددا على رفضه لذلك الموقف المخالف لتقاليد وأخلاق اليهودية؛ لكنه لاحقا أصبح ينظر إليه باعتباره منظرا ثقافيا للصهيونية، وفي 1904 انسحب الفيلسوف النمساوي المتدين من معظم أعماله التنظيمية الصهيونية، وكرس نفسه للدراسة والكتابة، وفي أوائل عشرينيات القرن الـ20 دعا لقيام دولة (يهودية-عربية) يعيش فيها اليهود “في سلام وإخاء مع العرب في وطن مشترك، يكون للطائفتين فيه فرصة للتنمية الحرة” رافضا هيمنة اليهود على العرب. من جانب آخر كان للفيزيائي الحائز على جائزة نوبل، ألبرت أينشتاين، موقف مختلف من الصهيونية، فهو أيضا قد شعر بالحنين لتراثه اليهودي؛ لكنه حذر من تحويل الطبيعة الأخلاقية والثقافية لليهود إلى “قومية ضيقة”، وقال “إن إدراكي للطبيعة الجوهرية لليهود، يقاوم فكرة دولة يهودية ذات حدود وجيش وقدر من السلطة”، وبعث في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1929 برسالة إلى حاييم وايزمان -الذي شغل لاحقا منصب أول رئيس لإسرائيل- قال فيها إننا إذا لم ننجح في إيجاد طريق لتعاون شريف وحوار صادق مع العرب، لا نكون قد تعلمنا شيئا من معاناة ألفي سنة ولّت، وسنستحق ما يحصل لنا تبعا لذلك”.. ومع ذلك، يبدو أنه غير أفكاره، إذ كتب إلى رئيس وزراء الهند، جواهر لال نهرو، عام 1947، يطلب منه دعم إنشاء دولة يهودية في وقت قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة، قبل أن يعود عام 1948 لينتقد الصهيونية بشدة، ودعا لاحقا إلى تعاون اقتصادي بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإيجاد أرضية تقوم على العيش المشترك بين الطرفين.

واعتبرت الكاتبة أن الفيلسوفة من أصل ألماني، حنة أرنت، والتي تعد واحدة من “المنشقين” عن الصهيونية، أن الإسرائيليين يتجنبونها؛ لأنها قدمت التحليل الأكثر عمقا لتناقض الصهيونية، بحسب عرض قدمته منصة موندويس (Mondoweiss).. وقد أدت الظروف التي مرت بها أرندت، لأن تكون أحد أهم الوجوه الثقافية والفكرية في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، وتبلورت تجربتها أيضا من خلال علاقتها بأستاذها الفيلسوف الألماني مارتن هيدغر، حيث جمعتهما الفلسفة وفرقتهما السياسة بعد مساندة الأخير للحزب النازي؛ مما شكل صدمة لأرنت التي فرت -كيهودية- من النازيين إلى أميركا. ودرست أرنت التاريخ اليهودي الأوروبي وعلاقة اليهود بالألمان، لفهم أسباب العداء النازي لأبناء دينها، واعترفت أرنت بما أسمته “التقليد اليهودي المتمثل في العداء العنيف غالبا للمسيحيين والأمم (من غير اليهود)”، ولم يرض ذلك الصهاينة بطبيعة الحال، الذين انتقدوها بشدة، خاصة بعد نشر تقاريرها في صحيفة “نيويوركر” (New Yorker) عن محاكمة إسرائيل في القدس لزعيم الهولوكوست النازي أدولف أيخمان عام 1961، إذ أشارت لجوانب “المحاكمة الاستعراضية”، والطبيعة “الدعائية للإجراءات”، وكشفت “التعاون غير الأخلاقي لبعض القادة اليهود مع “الحل النهائي” للنازيين”، ولم يترجم كتابها الأساسي لعام 1963 “أيخمان في القدس: تقرير عن تفاهة الشر”، إلى العبرية لفترة طويلة بعد صدوره.

تعتقد المؤلفة أن الدولة “اليهودية” أصبحت شيئا مختلفا كثيرا عما كان مأمولا؛ فقد تحولت إلى “قوة عسكرية، مسلحة وعمياء عن ضحايا قسوتها..”، وتتابع “لقد وجدت أرواحا أخرى، وربما أكثر استنارة، في سعيي للتعافي من ذنب تواطئي مع أفعال بلدي”.. ويركز الكتاب على فكرة التقاليد اليهودية الأخلاقية في مقابل التجاوزات، التي تؤدي إليها الفكرة القومية، وتقول مؤلفته إن شعار الصهيونية “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” تم دحضه من المستوطنين الصهاينة الأوائل في فلسطين، الذين اكتشفوا أن الأرض مأهولة بأناس كانوا هناك منذ أجيال عديدة. ويخصص الكتاب أحد الفصول ليشعياهو ليبوفيتش، وهو يهودي أرثوذكسي وأستاذ قديم في الجامعة العبرية. يقول إنه لا ينبغي أبدا عبادة أي أمة أو دولة على أنها مقدسة، معتبرا أن ذلك يشبه عبادة الأصنام، ويدعو إلى فصل الدين عن الدولة، ويؤكد أن احتلال الأراضي الفلسطينية يفسد روح إسرائيل، بينما يعتقد شلومو ساند، الأستاذ الفخري للتاريخ بجامعة تل أبيب، أن المجتمع اليهودي في إسرائيل أصبح عنصريا وعرقيا بشكل لا يطاق، وفق الكتاب. ويتناول فصل آخر زييف ستيرنهيل، الذي شغل منصب رئيس قسم العلوم السياسية في الجامعة العبرية، وكتب مقالا عام 2018 بعنوان “في إسرائيل، تنامي الفاشية والعنصرية أقرب إلى النازية المبكرة”. يسأل ستيرنهيل “كيف يمكن للمؤرخ بعد 50 أو 100 عام أن يفسر حقبتنا الزمنية؟ متى تحولت الدولة إلى وحشية حقيقية لسكانها من غير اليهود؟ متى فهم بعض الإسرائيليين أن قسوتهم وقدرتهم على التنمر على الآخرين، الفلسطينيين أو الأفارقة، بدأت في خضم الشرعية الأخلاقية لوجودهم ككيان ذي سيادة؟”.

وتبدو المؤلفة في الكتاب محبطة من مستقبل الصهيونية على المستوى الأخلاقي والإنساني، وتوجه دعوة في كتابها “لكل صهيوني أن يقرأ أشعار محمود درويش وأعمال إدوارد سعيد”، اللذين فتحا عينيها على الفراغ، الذي خلفه فشل حلم هرتزل.

 س2 : من الاساطير التي أثارها المؤرخ ايلان بابيه ، ايضا في كتابه المهم ” عشر اساطير عن اسرائيل “الصادر عام 2017 عن “دار فيرسو بوكس” الأمريكية، هي اسطورة أن فلسطين أرض بلا شعب، وأن اليهود شعب بلا أرض، وأن الصهيونية ليست استعمارا، وأن الفلسطينيين يهاجرون طوعا عن ارضهم ، وأن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وأن كل حركات المقاومة الفلسطينية هي حركات ارهابية ، وعلى الفلسطينيين أن يرضوا بـ” حل الدولتين” و” صفقة القرن ” ، كيف تعقبون على ما طرحه بابيه وهل هناك اضافة على ما قاله ولاسيما بأن ما يسمى بـ” حل الدولتين” بل وحتى ” حل الدولة الواحدة ” الذي يتضمن دولة واحدة تضم شعبين مختلفين ، لم تعد موجودة على الارض واقعا ؟

ج : نعم، صاحب كتاب ” عشر اساطير عن إسرائيل” اليهودي آلان بابيه يذكر باختصار أن: ” إسرائيل هي استعمار استيطاني. وهي تسمية ترتبط بحقيقة هذا الاستعمار المماثل للاستعمار الاستيطاني الغربي: إبادة السكان الأصليين، وتجريدهم من إنسانيتهم ،وحرمانهم من حقوقهم”. ويؤكد كذلك: “لم تكن فلسطين فارغة من السكان، ولم تكن وطنا لليهود. لقد كانت مستعمرة، تم تجريد شعبها من ممتلكاتهم في عام 1948، وأرغموا على مغادرة أرضهم ووطنهم”.

يبين المؤلف أن الكثير من فهم العالم لتاريخ فلسطين هو فهم مشوش، خصوصا فيما يتعلق بالرواية الإسرائيلية. وفي هذا الكتاب يناقش ويفند إيلان بابيه، الأساطير العشرة التي قامت عليها الرواية الإسرائيلية، فيقول: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو مثال للضرر الهائل الذي يمكن أن تؤدي إليه المعلومات التاريخية المضللة، حتى في الماضي القريب. إن سوء الفهم المتعمد للتاريخ يمكن أن يعزز القمع ويحمي نظام الاستعمار والاحتلال. ولذلك ليس من المستغرب أن تستمر سياسات التضليل حتى الوقت الحاضر وأن تلعب دورا مهما في إدامة الصراع.

ويقول: ادعت الحركة الصهيونية أن فلسطين هي أرض بلا شعب، وأنها كانت خالية من السكان قبل أن يسكنها اليهود. في الحقيقة، هناك إجماع بين العلماء على أن الرومان هم الذين أطلقوا على الأرض اسم “فلسطين”. وفي فترة الحكم العثماني لفلسطين عام 1517 والذي استمر 400 عام، كانت فلسطين مجتمعا مسلما سنيا وريفيا. ويلاحظ المؤرخ يوناتان مندل، أن النسبة المئوية الدقيقة لليهود قبل صعود الصهيونية كانت تراوح بين 2 و 5%. أما من يقرأ المصادر الرسمية الإسرائيلية، فسيخرج بوجهة نظر مفادها أن “سكان فلسطين في القرن السادس عشر … كانوا يهودا بشكل أساسي، وكان شريان الحياة التجاري للمنطقة يتركز في المجتمعات اليهودية. وأنه بحلول عام 1800 وما بعدها أصبحت فلسطين صحراء جرداء. هذه هي الصورة الملفقة لفلسطين التي يتم الترويج لها من خلال موقع رسمي للدولة. ولم يسبق أن قال بها أحد من قبل. وقد تحدى العديد من الباحثين الإسرائيليين هذه الرواية الكاذبة، من بينهم ديفيد غروسمان، وأمنون كوهين ،ويهوشوع بن أرييه. تظهر أبحاثهم أنه على مر القرون، كانت فلسطين، بدلا من أن تكون صحراء، مجتمعا عربيا مزدهرا على وشك دخول القرن العشرين كمجتمع حديث. وقد حول استعمار الحركة الصهيونية عملية تحديثها إلى كارثة لغالبية السكان الأصليين الذين يعيشون هناك.

س3 : وماذا عن كتاب ” اختراع الشعب اليهودي ” ؟

ج:طبقا لكتاب شلومو ساند “اختراع الشعب اليهودي”، فإن العالم المسيحي، من أجل مصلحته الخاصة، تبنى فكرة اليهود كأمة يجب أن تعود يوما ما إلى الأرض المقدسة. عودة ستكون جزءا من المخطط الإلهي لنهاية العالم، والمجيء الثاني للمسيح. إذن، فالصهيونية قبل أن تصبح مشروعا يهوديا، فهي مشروع مسيحي للاستعمار  وخطة استراتيجية للاستيلاء على فلسطين وتحويلها إلى كيان مسيحي. وقد أدى ذلك فيما بعد إلى صدور وعد بلفور عام 1917. وكان هذا الادعاء مفيدا جدا لدولة إسرائيل. أصبح اليهود في جميع أنحاء العالم ، وخاصة في الولايات المتحدة ، مؤيدوها الرئيسيون كلما تم التشكيك في سياساتها. ومنذ نشأتها في منتصف القرن 19، كانت الصهيونية تعبيرا واحدا فقط غير أساسي عن الحياة الثقافية اليهودية. وكان الدافع لولادتها في المجتمعات اليهودية في وسط وشرق أوروبا هو: البحث عن الأمان داخل مجتمع يرفض دمج اليهود على قدم المساواة ويضطهدهم أحيانا. وكذلك، الرغبة في محاكاة الحركات الوطنية الجديدة الأخرى التي انتشرت في أوروبا في ذلك الوقت. لذا، سعى هؤلاء اليهود إلى تحويل اليهودية من دين إلى أمة، وطرحوا فكرتين جديدتين: إعادة تعريف اليهودية كحركة وطنية، واستعمار فلسطين. وبلغت هذه المرحلة الأولى من الصهيونية ذروتها بأعمال وأفعال تيودور هرتزل، وهو صحفي ملحد لا علاقة له بالحياة الدينية اليهودية، لكنه توصل إلى استنتاج مفاده أن معاداة السامية على نطاق واسع جعلت الاستيعاب مستحيلا وأن الدولة اليهودية في فلسطين هي أفضل حل للمشكلة اليهودية. وقد رفض حاخامات بارزون وشخصيات بارزة في تلك المجتمعات النهج الجديد. ورفض الزعماء الدينيون الصهيونية كشكل من أشكال العلمنة والتحديث، بينما خشي اليهود العلمانيون من أن الأفكار الجديدة ستثير تساؤلات حول ولاء اليهود لدولتهم القومية وبالتالي تزيد من معاداة السامية. ورفضت أيضا اليهودية الإصلاحية الفكرة الصهيونية وأعلنت أن اليهودية هي دين قيم عالمية وليست قومية.

كان الاستعمار الاستيطاني الغربي، الذي استعمر الأمريكتين وجنوب أفريقيا وأستراليا ونيوزيلندا، مدفوعا بالرغبة في الاستيلاء على الأراضي في بلد أجنبي، وكان يسوق ذلك بحق ديني، وينفذه بإبادة السكان الأصليين. لذا، يمكن للمرء أن يصور الصهيونية كحركة استعمارية استيطانية ، مقابل الحركة الوطنية الفلسطينية كحركة مناهضة للاستعمار. وبحلول عام 1945، جذبت الصهيونية أكثر من نصف مليون مستوطن إلى بلد كان عدد سكانه حوالي 2 مليون نسمة. وكان السبيل الوحيد أمام المستوطنين لتوسيع قبضتهم على الأرض وضمان أغلبية ديموغرافية حصرية هو إزالة السكان الأصليين من وطنهم. فلسطين ليست يهودية بالكامل من الناحية الديموغرافية، وعلى الرغم من أن إسرائيل تسيطر عليها كلها سياسيا بوسائل مختلفة، إلا أن دولة إسرائيل لا تزال تستعمر وتبني مستوطنات جديدة في الجليل والنقب والضفة الغربية.

وعن أسطورة الهجرة الطوعية للفلسطينيين يذكر المؤلف عن فكرة أن الفلسطينيين غادروا بلادهم طواعية أسطورة أخرى يواجهها بابيه، فيقول: إن القيادة الصهيونية والمنظرين الصهاينة لم يتمكنوا من تصور تنفيذ ناجح لمشروعهم دون التخلص من السكان الأصليين، إما بالاتفاق أو بالقوة. وفي الآونة الأخيرة، وبعد سنوات من الإنكار، قبل المؤرخون الصهاينة مثل أنيتا شابيرا ،أن قادة الحركة الصهيونية فكروا بجدية في نقل الفلسطينيين. ففي عام 1937، قال دافيد بن غوريون للجمعية الصهيونية: في أجزاء كثيرة من البلاد، لن يكون من الممكن الاستقرار دون نقل الفلاحين العرب … مع النقل الإجباري سيكون لدينا مساحة شاسعة للاستيطان … أنا أؤيد النقل الإجباري. لا أرى أي شيء غير أخلاقي في ذلك. وتصر الحكومة الإسرائيلية على الادعاء بأن الفلسطينيين أصبحوا لاجئين لأن قادتهم أمروهم بالرحيل. “لكن هذه أسطورة خلقتها وزارة الخارجية الإسرائيلية؛ فالتطهير العرقي للفلسطينيين لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال على أنه “عقاب” لرفضهم خطة سلام الأمم المتحدة التي وضعت دون أي تشاور مع الفلسطينيين. إذن، لا مفر من تعريف الأعمال الإسرائيلية في الريف الفلسطيني على أنها جريمة تطهير عرقي وجريمة حرب.

وأما عن كذبة أن حرب يونيو 1967 لم يكن لها خيار فيذكر المؤلف عن الرواية المقبولة إسرائيليا أن حرب عام 1967 هي التي أجبرت إسرائيل على احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وإبقائها رهن الاحتجاز حتى يكون الفلسطينيون مستعدين لصنع السلام. يعتقد كثيرون أن حرب 1967 وبخلاف الرواية الاسرائيلية التي تزعم احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة دفاعا عن النفس. بينما الحقيقة هي أن إسرائيل من شنت الضربة الأولى ضد مصر في عام 1967. حيث قال رئيس الوزراء مناحيم بيغن ،في وقت لاحق: “في يونيو 1967 كان لدينا خيار مرة أخرى. إن تركيز الجيش المصري في سيناء لا يثبت أن عبد الناصر كان على وشك مهاجمتنا حقا. يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا، لقد قررنا مهاجمتهم. وكان الاستيلاء على الضفة الغربية على وجه الخصوص هدفا صهيونيا قبل 1948، ويتناسب مع المشروع الصهيوني الذي يقوم على الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من فلسطين بأقل عدد ممكن من الفلسطينيين. وبعد احتلال 1967، حصر الحاكم الجديد الفلسطينيين في الضفة والقطاع في مأزق مستحيل: لم يكونوا لاجئين ولا مواطنين. لقد كانوا، ولا يزالون، سكانا لا مواطنين، سجناء في سجن ضخم ليس لهم فيه أي حقوق مدنية، ولا حقوق إنسان، ولا تأثير على مستقبلهم. ولا تزال إسرائيل تحتجز جيلا ثالثا من الفلسطينيين، وتصور هذه السجون الضخمة على أنها سجون مؤقتة.

س4 : هل ما يسمى بدولة اسرائيل ، دولة ديمقراطية كما تروج لنفسها  وتزعم ؟

ج:هذه كذبة أخرى سمجة يبينها المؤلف وهي عن إسرائيل الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، فيقول: حتى عام 1967، كان الفلسطينيون، الذين يمثلون 20٪ من مواطني إسرائيل، يعيشون تحت “حكم عسكري قائم على أنظمة الطوارئ البريطانية الصارمة التي رفضت أي حقوق إنسانية أو مدنية أساسية. وكان الحكام العسكريون المحليون هم الحكام المطلقون لحياة هؤلاء المواطنين: يمكنهم وضع قوانين خاصة لهم، وتدمير منازلهم وسبل عيشهم، وإرسالهم إلى السجن كلما شعروا بذلك. ويشير بابيه إلى حالة “الإرهاب العسكري” التي عاش الفلسطينيون في ظلها مثل مذبحة كفر قاسم في أكتوبر 1956. وادعت السلطات أنهم تأخروا في العودة إلى منازلهم من العمل في الحقول عندما فرض حظر التجول على القرية. ومع ذلك، لم يكن هذا هو السبب الحقيقي. تظهر البراهين اللاحقة أن إسرائيل قد فكرت جديا في طرد الفلسطينيين من كامل المنطقة المسماة وادي عارة والمثلث الذي تقع فيه القرية. ويمنح قانون العودة المواطنة التلقائية لكل يهودي في العالم، أينما ولد. وهذا أمر غير ديمقراطي بشكل صارخ، لأنه مصحوب برفض تام لحق الفلسطينيين في العودة، وهو المعترف به دوليا بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948. إن حرمان الناس من حق العودة إلى وطنهم أو لم شمل الأسر الفلسطينية، وفي الوقت نفسه منح الحق لمن لا صلة لهم بالأرض هو نموذج للعملية غير الديمقراطية. وقد قالت منظمة العفو الدولية في تقريرها عام 2015: “في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ارتكبت القوات الإسرائيلية عمليات قتل غير مشروعة للمدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال، واحتجزت آلاف الفلسطينيين. وظل التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة متفشيا، كما ظل مرتكبوه بمنأى عن العقاب. وواصلت إسرائيل بناء المستوطنات، وفرض قيود مشددة على حرية تنقل الفلسطينيين، وهدم منازلهم في الضفة وداخل إسرائيل، ولا سيما في القرى البدوية في منطقة النقب، وإخلاء سكانها قسرا.

س5: يعتقد كثير من المراقبين جازما بأن اتفاقية اوسلو عبارة عن كذبة كبرى ..فماهو رأي الكاتب في ذلك ؟ 

ج : أما عن أسطورة عملية أوسلو في 13 سبتمبر 1993، يقول بابيه : وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية إعلان مبادئ، يُعرف باسم اتفاق أوسلو. ويضيف  بابيه: ينبغي أن نعترف بأن عملية أوسلو لم تكن سعيا عادلا ومتساويا لتحقيق السلام؛ بل كانت حلا توفيقيا وافق عليه شعب مهزوم واقع تحت الاحتلال، اُضطر إلى البحث عن حلول تتعارض مع مصالحه وتعرض وجوده ذاته للخطر. ويمكن تقديم الحجة نفسها حول “حل الدولتين” الذي تم تقديمه في أوسلو.  فالعرض على حقيقته: تقسيم تحت صياغة مختلفة. حتى في هذا السيناريو، لن تقرر إسرائيل فقط مساحة الأراضي التي ستتنازل عنها، ولكن أيضا ما سيحدث في الأراضي التي تركتها وراءها. وفي الاتفاقات الأصلية، كان هناك وعد إسرائيلي بأن القضايا التي تزعج الفلسطينيين أكثر من غيرها: مصير القدس واللاجئين والمستوطنات، سيتم التفاوض عليها عندما تنتهي الفترة الانتقالية البالغة خمس سنوات. لكن عندما تولى نتنياهو رئاسة الوزراء عام 1996. عارض اتفاقات أوسلو وتوقفت العملية.

س6: وماذا عن بقية اساطير الكيان الصهيوني ؟

ج : أما عن أساطير غزة وفق المعتقد الصهيوني فيبين: يجسد قطاع غزة قضية فلسطين بشكل عام، حيث يعيش هناك ما يزيد على 1,8 مليون فلسطين في أكثر المناطق بؤسا وكثافة سكانية في العالم. ولقد تعرضوا للقصف المتكرر والحملات العسكرية منذ 2006. وهناك ثلاث خرافات تضلل الرأي العام حول أسباب العنف المستمر في غزة:

1.      ـ حماس حركة إرهابية: حماس هي حركة تحرير، وهي أحد الممثلين الرئيسيين على الأرض. ومنذ بدايتها عام 1987 وحتى الآن، انخرطت في صراع وجودي ضد الغرب وإسرائيل ، وقد أعلنت قبولها لإنسحاب إسرائيلي كامل من جميع الأراضي المحتلة مع هدنة مدتها عشر سنوات قبل أن يتم مناقشة أي حل مستقبلي. وعلى الرغم من فوزها عام 2006 بأغلبية المجلس التشريعي وتشكيلها لحكومة فلسطينية، فإنها ووجهت بمقاومة شديدة من إسرائيل وفتح، وتم طردها من الضفة الغربية وحصرها في قطاع غزة. ترفض حماس اتفاق أوسلو والاعتراف بإسرائيل، وتعلن التزامها بالكفاح المسلح.

2.      ـ الانسحاب أحادي الجانب من غزة عام 2005 كان بادرة سلام أو مصالحة قوبلت بالعداء والعنف: في الواقع، كان هذا الانسحاب جزءا من استراتيجية تهدف إلى تشديد قبضة إسرائيل على الضفة الغربية وتحويل قطاع غزة إلى سجن ضخم يمكن مراقبته وحراسته من الخارج. كما كان انتشارا استراتيجيا مكن إسرائيل من الرد بقسوة على حماس مع عواقب وخيمة على سكان غزة.

3.      ـ أما الأسطورة الثالثة فهي ادعاء إسرائيل بأن أفعالها منذ 2006 كانت جزءا من حرب الدفاع عن النفس ضد الإرهاب؛ بينما كانت في حقيقة الأمر إبادة جماعية متزايدة لسكان غزة.

وعن أسطورة حل الدولتين يبين: في محادثات كامب ديفيد 2000. اقترحت إسرائيل قيام دولة فلسطينية صغيرة عاصمتها أبو ديس، لكن دون تفكيك كبير للمستوطنات ولا عودة اللاجئين. لذلك، انهارت المفاوضات. إذن، فقد أصبح اتفاق أوسلو عامل تدمير للمجتمع الفلسطيني، بدلا من إحلال السلام. وأصبح الاتفاق لا صلة له بالواقع على الأرض. تم بناء المزيد من المستوطنات، وفرض المزيد من العقوبات الجماعية على الفلسطينيين. حتى لو كنت تؤمن بحل الدولتين، فإن جولة في الضفة الغربية أو قطاع غزة كانت ستقنعك بكلمات الباحث الإسرائيلي، ميرون بنفينيستي، الذي قال: إن إسرائيل خلقت حقائق لا رجعة فيها على الأرض: حل الدولتين قتلته إسرائيل. وبالنظر إلى المستقبل، فإن إدعاء حل الدولتين هو السبيل الوحيد للمضي قدما” هو أسطورة أخرى. ويلاحظ أن أي انتقاد لهذه الأسطورة يوصف بأنه معاداة للسامية. ومع ذلك، فالعكس هو الصحيح، فحل الدولتين يقوم على فكرة أن الدولة اليهودية هي الحل الأفضل للمشكلة اليهودية، وأن اليهود يجب أن يعيشوا في فلسطين وليس في أي مكان آخر، وأن إسرائيل واليهودية شئ واحد، وأن أي نقد يوجه لها هو نقد لليهودية. لذا، يبدو أن لا شئ سيمنعها من استكمال استعمارها للضفة ومواصلة حصارها لغزة.

وقد كانت الخلاصة التي توصل إليها الباحث أن إسرائيل مستعمرة استيطانية، لا تختلف عن الاستعمار الاستيطاني الغربي للأمريكتين وأستراليا وغيرها. وهي تسمية ترتبط بحقيقة هذا الاستعمار المماثل للاستعمار الاستيطاني الغربي: إبادة السكان الأصليين، وتجريدهم من إنسانيتهم ،وحرمانهم من حقوقهم. أدى هذا المنطق إلى إنشاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وهو نفس المنطق الذي قامت عليه إسرائيل في 1948. وكل ما قامت به إسرائيل بعد ذلك من احتلال الضفة والقطاع وعملية أوسلو وفك الارتباط عن غزة إنما هو جزء من الاستراتيجية الإسرائيلية القائمة على الاستيلاء على أكبر قدر من فلسطين، مع وجود أقل عدد من الفلسطينيين. وهي الاستراتيجية التي تغذي نار الصراع وتؤججه. وإن الاستثنائية التي تمتع بها إسرائيل، وقبل ذلك الحركة الصهيونية، تسخر من أي انتقاد غربي لحقوق الإنسان في العالم العربي.

ويقول: لقد تم إهدار سنوات في حل الدولتين، بينما كنا في حاجة لهذا الوقت لإقناع الإسرائيليين ويهود العالم أجمع أن الدولة المزدهرة التي أقاموها إنما قامت على أساس غير أخلاقي وهو تجريد شعب آخر من ملكيته. كما أن حصر الصراع في الأراضي التي احتلت عام 1967 لن ينهي الصراع المشكلة حتى لو انسحبت إسرائيل منها، بل سيتحول إلى صراع من نوع مختلف. ولعل من المهم للعالم، خاصة لليهود، أن يفهموا ما حدث في فلسطين بعد الحرب العالمية الثانية. فقد سُمح للصهيونية أن تصبح مشروعا استعماريا، لأن إنشاء دولة يهودية قدم لأوروبا بما فيها ألمانيا الغربية طريقة سهلة للخروج من أسوأ تجاوزات معاداة السامية على الإطلاق. وكانت إسرائيل أول من أعلن اعترافها بألمانيا الجديدة مقابل تلقي الكثير من المال، وتفويض مطلق لتحويل فلسطين بأكملها إلى إسرائيل. إذن، قدمت الصهيونية نفسها كحل لمعاداة السامية، وأصبح هذا الحل هو السبب الرئيسي لاستمرارها.

ويؤكد بأن الحل العادل لمعضلة فلسطين لن يتحقق إلا إذا توقف التعامل مع الأساطير على أنها حقائق. فلم تكن فلسطين فارغة من السكان، ولم تكن وطنا لليهود. لقد كانت مستعمرة، تم تجريد شعبها من ممتلكاتهم في عام 1948،  وأرغموا على مغادرة أرضهم ووطنهم. إن للشعوب المستعمرة، حتى بموجب ميثاق الأمم المتحدة، حق النضال من أجل التحرير. وإن النهاية الناجحة لهذا الصراع تكمن في إنشاء دولة ديمقراطية تضم جميع سكانها. لذلك، فالتخلي عن الأساطير ومواجهة الواقع هو خطوة أولى مهمة للمضي إلى الأمام.

رغم أننا لا نقر بقضية الدولتين التي أثبتت فشلها فعلاً وواقعاً أو حل الدولة التي تجمع الجميع أو ما شاكل، لكننا نقول أن فلسطين هي أرض الفلسطينيين من جميع الديانات سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهود وقد سلبت منهم ويجب أن تعود لأصحابها الأصليين مهما طال الزمن واستمر ليل الظالمين، ومن يريد أن يسكن فيها ضيفاً يرحب به ويعامل كشخص له حقوق كحال المواطن الأصلي مأن الحقوق يجب أن تعود لأصحابها وفق جميع شرائع الأرض والسماء وقيم العدالة والقانون.

س 7:كشف الاكاديمي الامريكي ريك وايلز، بأن الكيان الصهيوني يريد محو الشعب الفلسطيني من الوجود، وتهجيره من أرضه بالكامل وذلك من خلال التجويع والحصار والقتل الممنهج وتدمير المدارس والمستشفيات والجامعات والمساجد والكنائس والبنى التحتية بالكامل في قطاع غزة قبل الانتقال لاحقا الى الضفة الغربية لتدميرها بالمثل ، وليس الهدف هو اطلاق سراح الرهائن والقضاء على حركات المقاومة فحسب كما تزعم الالة الاعلامية الصهيونية ، فما رأيكم في كلامه ؟

ج : صحيح تماماً، فما ذكره وايلز هو ما بينه العديد من الباحثين حتى داخل الكيان وصحافته وإعلامه من خلال العديد من المنشورات والدراسات والتحليلات من قبل المؤيدين لحكومة نتنياهو أو من قبل معارضيه. المخطط ليس بخفي فقد عرضه نتنياهو بالخرائط أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أشهر من أحداث أكتوبر 2023م ولم يخف خططه العلنية بمحو أي ذكر لفلسطين وحقوق شعبها بل أنه بين مخططاته حول إسرائيل الكبرى ونشر فلسطينيي الضفة والقطاع في دول الجوار كمصر والأردن وسوريا والسعودية وحتى قبرص وتركيا واليونان.

بل أن ثمة رأيا يتبناه بعض النواب في الكنيست وكذلك نواب مجلس العموم البريطاني وغيرهم من محللين تحدثوا فيه أن نتنياهو كان على علم بما سيحصل في السابع من أكتوبر حسب تقارير الموساد والشوباك إلا أنه سهل للعملية أن تتم دون أي اعتراض كي تكون له الحجة لتدمير غزة بالكامل وتشريد شعبها وإبادته كمرحلة أولى ثم الانتقال للمرحلة التالية وهي الضفة الغربية كي يكتمل تطبيق خطته القبيحة والله من وراءه محيط وسينقلب عليه كل ذلك بإذن الله تعالى وسيكون مصيره ومصير حكومته السجن كمجرمي حرب قتلة.

علينا أن لا ننسى أن الصهيونية العالمية ليست حركة يهودية خالصة بل أن الصهيونية المسيحية (Christian Zionism) أخطر من نظيرتها اليهودية، وهي من تتحكم بالولايات المتحدة وبريطانيا وأغلب أوربا. فالولايات المتحدة، كما يذكر المفكر عبد الله النفيسي ،ويشاركه في ذلك محللون آخرون، يحكمها قبيلة من أولئك المسيحيين المتصهينين المتطرفين المسمون بالمحافظين الجدد (the neoconservatives)، وهؤلاء يمتلكون قاعدة انتخابية كبيرة تصل لحوالي 100 مليون نسمة وقد صدر في توصيفها وتوصيف عقائدها وسلوكياتها كتب ومؤلفات ودراسات كثيرة داخل وخارج أمريكا مثل كتاب (الصهيونية المسيحية – Christian Zionism -) لمؤلفه بول ميركلي (Paul Merkley) وبين أن المرشدين الروحيين والموجهين الفكريين والمنظرين الكبار للحركة أمثال: بيل غراهام (Bill Graham) وجيري فالويل (Jerry Falwell) وبات روبرتسون (Pat Robertson)، وهؤلاء هم شيوخ وآباء روحيين لبوش الإبن وصقوره ومن على شاكلته، وهم يكرهون الإسلام وكل ما يرتبط به بشكل عنيف جداً، ويرتبط مشروعهم الرئيس بالأمن الإسرائيلي بالدرجة الأساس وهم المحركين الرئيسيين لاحتلال الدول الإسلامية كأفغانستان والعراق وسوريا وغيرها، وهؤلاء يرتبطون بالأساس بعوائل غنية متنفذة من اأصول يهودية تمتلك النفوذ والمال والثروات والشركات حول العالم. وبالتالي فمن يسيطر على القرار في الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها ينتمون لفكر متطرف ليس أقل من فكر حكومة نتنياهو المتطرفة بل هما صنوان وشريكان وتوأمان يكمل بعضهما البعض لذلك تجد أن التطرف الصهيوني في إسرائيل له ما يعضده من التطرف الصهيوني الأمريكي ويقويه وينصره ويديم رخمه ولولا هذا السند والعضيد والشريك لما بقيت إسرائيل لمدة أسبوع واحد حيث تنفذ ذخيرتها وينهار اقتصادها الهش أصلاً. يتبع 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى