مجتمع الطاقة المتجددة والبيئة عام 2022

 
كاظم المقدادي
 
الطاقة المتجددة (Renewable Energy) هي نوع من أنواع الطاقة التي تتولد من مصادر وعمليّات طبيعيّة، دون تدخل الانسان، وتتجدد بصوره دائمه، أي أنها لا تنفد مع الاستهلاك الكبير. تختلف عن مصادر الطاقة غير المتجددة بأنها دائمة التجديد وغير محدودة ونظيفة، أي صديقة للبيئة ولا تؤثر عليها بتاتًا، أو أن تأثيرها بسيط لا يُقارن مع تأثير الوقود الأحفوري( الفحم والنفط) مثلًا.وبذلك فهي الوسيلة الفعالة لمكافحة الإحتباس الحراري، لكونها لا تنتج تنشأ عادةً المخلّفات التي ينتجها الوقود الأحفوري الضارّة للبيئة، مثل ثنائي أكسيد الكربونCO2) ) المؤدي لزيادة الاحتباس الحراري.
ويوجد في الطبيعه عدّة أنواع من الطاقة المتجددة، مثل اشعة الشّمس، والطّاقة الحراريّة الجوفيه، والرياح، وأمواج البحر، وطاقة المياه الجاريه او الساقطه من المنحدرات،والشلالات، بالاضافه الى طاقة الكتلة الحيويّة باشكالها المختلفه. يمكن إنتاجها من حركة الأمواج والمد والجزر أو من طاقة حرارية أرضية وابتكارات اخرى.
وقد أصبحت مصادر الطاقة المتجددة جزءًا لا يتجزأ من مسؤولية الشركات التي تسعى لتحقيق التنمية المستدامة، ويزيد استهلاك هذه الطاقة يومًا بعد يوم؛ ففي عام 2017 غطَّت الطاقة المتجددة ما يُقارب 8 % من كهرباء العالم، رُبع هذه الكمية حصلت عليه الصين، والسدس كان حصة الولايات المتحدة الأمريكية والهند واليابان.
حالياً أكثر إنتاج للطّاقة المتجددة يـُنتج- بحسب وكيبيديا، الموسوعة الحرة، في محطات القوى الكهرمائية بواسطة السّدود العظيمة أينما وجدت الأماكن المناسبة لبنائها على الأنهار ومساقط المياه. وتستخدم تقنيات توليد الطاقة التي تعتمد على الرياح والطّاقة الشمسيّة على نطاق واسع في البلدان المتقدّمة وبعض البلدان النّامية؛ ومؤخرا اضحت وسائل إنتاج الكهرباء باستخدام مصادر الطّاقة المتجددة أمراً مألوفاً، وقد وضعت العديد من البلدان خططاً لزيادة نسبة إنتاجها للطّاقة المتجددة بحيث تغطي احتياجاتها من الطّاقة بنسبة 20% من استهلاكها في عام 2020.
واليوم، فان الطاقة المتجددة تُعتبرُ من أهم الحلول للتحديات الراهنة التي تواجه مستقبل الطاقة في العالم. وقد إرتفعت الفائدة من استخدام مصادرها في السنوات الأخيرة، بسبب المخاوف البيئية بشأن الاحترار العالمي، وتلوث الهواء، ولتخفيض التكاليف في مجال تكنولوجيات الطاقة المتجددة ، وتحسين الكفاءة والموثوقية.
الوكالة الدولية للطاقة المتجددة
من منطلق أهمية الطاقة المتجددة، إنبثقت في 26 /1/ 2009 الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) كمنظمة حكومية دولية لتشجيع اعتماد الطاقة المتجددة على نطاق العالم. وتهدف إلى تسهيل نقل التكنولوجيا والطاقة المتجددة وتوفير الخبرة للتطبيقات والسياسات ذات العلاقة. وقد خصصت لها أول ميزانية سنوية مقدارها 25 مليون يورو..
وفي حزيران 2009 اختيرت أبوظبي عاصمة الإمارات ، لإستضافة المقر الرئيسي للأمانة العامة للوكالة الدولية. وهذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها وكالة دولية باختيار مدينة في منطقة الشرق الأوسط كمقر لها. وتحتضن “مدينة مصدر”، مقر الوكالة الرئيسي، وهي أول مدينة في العالم حيادية الكربون وخالية من النفايات والمعتمدة بالكامل على الطاقة المتجددة،.
وتهدف I RENAلتصبح القوة الدافعة الرئيسية في تعزيز الانتقال نحو استخدام الطاقة المتجددة على نطاق عالمي، وبصفتها الصوت العالمي للطاقات المتجددة، تقوم لهذا الغرض بتقديم المشورة والدعم العملي لكل من الدول الصناعية والنامية، ومساعدتها على تحسين الأطر التنظيمية وبناء القدرات ونقل التكنولوجيا. وتُيسر الوصول إلى جميع المعلومات ذات الصلة، بما في ذلك البيانات الموثوقة عن إمكانات الطاقة المتجددة، وأفضل الممارسات، وآليات مالية فعالة للدولة من أحدث الخبرات التكنولوجية وتشارك IRENA في التنسيق مع منظمات الطاقة المتجددة القائمة، مثل REN21..
أول لقاء دولي رفيع المستوى في العام الجديد
في ضوء مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ ( COP26) الذي إنعقد في غلاسكو، ومتابعة لمقرراته، وتحفيزاً للتحول نحو قطاع الطاقة المتجددة، عقدت الجمعية العامة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) إجتماعا لها يومي 15 و16 كانون الثاني الجاري في أبوظبي.ومثّل هذا الاجتماع أول لقاء رفيع المستوى لمجتمع الطاقة المتجددة والبيئة العالمي لهذا العام، وهو بمثابة متابعة للتعهدات التي قُطعت لدعم تحول قطاع الطاقة والزخم الذي شهده عام 2021 في هذا المجال..
جمع اللقاء أكثر من 1100 مندوب من 137 بلداً، بما فيهم رؤساء دول ووزراء ورؤساء منظمات دولية ورؤساء تنفيذيين. وينعقد الأجتماع تحت شعار ” تحوُّل الطاقة: من الالتزامات إلى العمل”، والذي يعكس الحاجة المتزايدة لترجمة الطموحات الجريئة إلى خطوات ملموسة من شأنها دفع التحول إلى نظام طاقة أكثر نظافةً وعدالةً ومرونة.
وتترأس الجمعية العامة لـ IRENA السيدة ألكسندرا هيل تينوكو- وزيرة الشؤون الخارجية في جمهورية السلفادور. وقد أظهرت دراسة صدرت مؤخراً عن ” IRENA ” أن السلفادور لم تبنِ أي محطات طاقة جديدة قائمة على الوقود الأحفوري منذ عام 2013، كما أنها أحرزت تقدماً كبيراً لناحية تنويع قاعدة توليد الطاقة لديها. ومنذ عام 2015، نمت الدولة قدرة الطاقة الشمسية الكهرضوئية بمقدار 10 أضعاف، كما تطمح خطتها الوطنية الرئيسية إلى توليد 682 ميغاواط من الطاقة المتجددة الجديدة بحلول عام 2026.
وأشار تقرير “توقعات تحولات الطاقة حول العالم” الصادر عن ” IRENA” أن إزالة الكربون بشكل كامل من نظام الطاقة العالمي بحلول عام 2050 بما يتماشى مع تحقيق هدف وقف ارتفاع درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية، تتطلب خفض الانبعاثات المرتبطة بالطاقة، بصورة سريعة وحادة خلال هذا العقد. وبحلول عام 2030، يجب أن يصل إجمالي قدرة الطاقة المتجددة العالمية إلى 10700 جيجاواط، أي حوالي 4 أضعاف القدرة الحالية. وسجّل العالم في العام الماضي رقماً قياسياً في توليد الطاقة من المصادر المتجددة بلغ 260 جيجاواط، أي بزيادة تقارب 50 في المئة عن الرقم السابق.
وفي تقرير نُشر قبيل انعقاد الجمعية العامة لـ IRENA تحت عنوان “المساهمات المحددة وطنياً وأهداف الطاقة المتجددة في عام 2021″، تبيّن أن 144 من أصل 182 من المساهمات المقدمة تتبنى أهدافاً محددة الكمية للطاقة المتجددة، و30 مساهمة فقط تنوّه إلى موضوع التدفئة أو التبريد أو النقل. كما أشار التقرير أنه في حال تنفيذ الأهداف الحالية، بما فيها الإعلانات الطموحة للحياد الكربوني والتخفيضات المخطط لها لانبعاثات غاز الميثان، فإنها ستتمكن فقط من وقف ارتفاع درجات الحرارة عند 1,8 درجة مئوية بحلول عام 2050. لذا يجب تحديث المساهمات المحددة وطنياً لتعكس إمكانات الطاقة المتجددة والأهداف المناخية بصورة أفضل.
هذا،وشهد هذا الحدث العالمي، الذي أقيم في بداية “أسبوع أبوظبي للاستدامة”، متابعة لمجريات مؤتمر (COP26) بحضور رفيع المستوى، بالإضافة إلى الكشف عن تقريرين رئيسيين لـ “IRENA” هما: “تحليل سوق الطاقة المتجددة: أفريقيا ومناطقها” و”الجغرافيا السياسية لتحول قطاع الطاقة: عامل الهيدروجين”. كما تتطرق المحادثات أيضاً إلى دور الشباب في تحول قطاع الطاقة، مع استعراض آراء برلمانيين وشخصيات من القطاع الخاص حول هذا التحول.
تباطؤ يتبعه ازدهار: مستقبل الطاقة المتجددة بعد الوباء
تحت هذا العنوان نشرت مجلة ” البيئة والتنمية” في عددها 267، حزيران 2020 تقريراً وافياً،جاء فيه: “قبل انتشار جائحة “كورونا”، كان قطاع الطاقة المتجددة يشهد نمواً مطرداً سنةً بعد سنة. ومع أن الجائحة قد تؤدي إلى تخفيض نمو هذا القطاع في المستقبل القريب على الأقل، فإن نقاط القوة الكامنة في مصادر الطاقة المتجددة تظل قوية وتعزز جدواها الاقتصادية مقارنة بالوقود الأحفوري على المدى الطويل، خاصة مع بقاء التغيُّر المناخي بنداً أساسياً على جدول الأعمال الدولي.
ويمكن لخطط الانتعاش الاقتصادي بعد أزمة “كورونا” أن تدفع القادة حول العالم إلى تبني خطط تسرّع من التحوّل إلى اعتماد الطاقة المتجددة بهدف خفض انبعاث غازات الدفيئة. وفي هذا السياق، دعا فرانشيسكو لا كاميرا، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (أيرينا)، قادة الدول إلى اغتنام الفرصة لوضع برامج انتعاش اقتصادي تسرّع التحوُّل نحو طاقة الرياح والشمس.
تبقى المكاسب التي حققتها الطاقة المتجددة خلال العقد الماضي مصدر ثقة في تعافي هذا القطاع على نحو أسرع من غيره. وبفضل تطور التقنيات وانخفاض الأسعار والأبحاث المستمرة على تخزين الكهرباء، تفرض طاقة الرياح والطاقة الشمسية نفسها حول العالم كمصدر نظيف ومنخفض الكلفة تزداد جدواه يوماً بعد يوم.
ما زال استقرار قطاع الطاقة المتجددة يمثّل مصدر جذب للمستثمرين. ولذلك فإن الباحثين عن ملاذ آمن في سوق مضطربة يفضلون الاستمرار في التحول إلى الطاقة المتجددة. وفيما تواجه محطات الطاقة العاملة على الفحم ومحطات الطاقة النووية الحالية ضغوطاً مختلفة قد تسرّع من تقاعدها المبكر في كثير من الدول، فإن تراجع أسعار النفط والغاز سيدفع المنتجين إلى خفض المعروض مما سيعزز من تنافسية مصادر الطاقة المتجددة.
يرتبط اهتمام البلدان بتطبيق خطط التحفيز الأخضر مع مواقفها المسبقة تجاه تغيُّر المناخ قبل حصول الأزمة الحالية. وهذا يعني أن دولاً مثل الصين ومعظم الدول الأوروبية ستلحظ تعزيز حصة الطاقة المتجددة في إجراءات الانتعاش الاقتصادي. ويرى مناصرو التحفيز الأخضر أن العمل المناخي مناسب تماماً لخلق فرص عمل جديدة، حيث سيساعد أيضاً في معالجة التفاوت الاقتصادي والاجتماعي والعرقي الكبير الذي كشفه الفيروس، خاصةً في الولايات المتحدة.”
وإختتم التقرير:”إن التحول إلى طاقة أنظف يعني تحقيق مكاسب صحية لاحظها الكثيرون عندما تسببت عمليات الإغلاق في تحسين جودة الهواء. ولعل النقطة المضيئة الوحيدة في هذه الأزمة هي تقديمها صورة مستقبلية مشرقة عن الوضع الذي سيؤول إليه العالم عند تراجع الانبعاثات والملوثات”.
وكل هذا وغيره مطروح على اجتماع الجمعية العامة لـ IRENA في أبو ظبي، وبإنتظار البلاغ الختامي، الذي نأمل ان يجسد ما أعلنه فرانشيسكو لا كاميرا – مدير عام الوكالة الدولية للطاقة المتجددة: « تزداد خطورة التحدي الذي نواجهه مع مرور كل عام.. وإذ نلتقي في هذا الاجتماع، فإننا ندرك أن عام 2021، وضع معايير جديدة للطموح، والالتزام، ونشر الطاقة المتجددة في أنحاء العالم»…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى