مجتمع

العيدية عادة وتقاليد راسخة لدى أبناء الجالية الإسلامية بأرض المهجر بستراسبورغ بفرنسا

ما بين الماضي و الحاضر جميل الذكريات تربطا لما عشناه من لحظات سعيد راسخة في الظهان و عالقة لا تنسى ولن تمحى , وخاصة أنها لحظات تذكرنا بذلك الماضي المجيد و لحظات الإنتظار التي لايمكن وصفها بأي شكل من الأشكال,.

يرتبط العيد بمظاهر الفرح والبهجة والتكافل، وتأتي العيديّة في مقدمة تلك الطقوس، حتى باتت عنصراً أساسياً مرتبطاً بذاكرتنا وصورتنا عن العيد وبطقوس بهجته وفرحته.

ومن هاته الطقوي الحفاظ كل الحفاظ على تقاليد العيد ومسمياته المتعددة لإحياء التراث الديني التاريخي الإجتماعي، حيث يعد حفاظا على الهوية الإسلامية وعلى الموروث الشعبي الثقافي الذي يمثل جذور الأمة العريقة الضارب في أعماق المجتمع ولا مكن الإستغتاء عنها و لا الإنسلاخ عنها، لذا يحرص الجميع على الإحتفال بها وإسعاد الأطفال.

العيد ليس لباس وهدايا بل الكثير من مظاهر الفرح ترافق عيد الفطر المبارك في كل المجتمعات، منها إرتداء الملابس الجديدة،تسلم الهدية وزيارة الأقارب والأصدقاء، ولعل الأطفال الصغار هم العنصر الأهم في بهجة العيد ومختلف المناسبات الجميلة برمتها سواء دينية إجتماعية وغيرها، ويتجلى ذلك بوضوح عند زيارة الأطفال للهالي و الأقارب والجيران وطرقهم لأبواب البيوت في أول أيام العيد وهم يرددون بصوتٍ واحد مرتفع مدوية صح عيدكم.

في الوقت الذي تجبر فيه الغربة الكثير من المهاجرين بأرض المهجر على ترك طقوسهم الاجتماعية والثقافية الخاصة بالعيدية، والتخلي عنها لإحياء عاداتهم وتقاليدهم في كل مناسبة، تحاول الجالية المغاربية والعربية برمتها (الجزائرية، المغربية, التونسية وغيرهم) بستراسبورغ بفرنسا، إستحضار لذة نكهات أعيادهم الدينية والمناسباتية في البلدان المستضيفة لهم بديار الغربة، نكهات تشكل عيدا مصغرا، تعويضا عن حرمانهم من الأفراح الكبيرة.

فلا يمكن أن يمر العيد من الأعياد الدينية و الإجتماعية من عامة موروثتنا العام. مرور الكرام بدون إحياء العادات والتقاليد الراسخة في الأعماق والمتوارثة أبا عن جد، ومن جيل لجيل أخر. ولا يقتصر حضور طقوس العيد للجالية بستراسبورغ، على إقامة الشعائر الدينية من فضل , نصف رمضان و ليلة القدر وفرحة عيد الفطر وكسوة الطفال وأيامه الثلاثة , وفضل العشرة من ذي الحجة، وصوم يوم عرفة، وإخراج الصدقات، ونحر الأضحيات لأفراح العيد، بل تمتد لتوفير واقتناء الأزياء والمستلزمات الشعبية من حنة للزينة وكحل وعطور وبخور وسواك وثياب خاصة كالعباءة والعمامة للشيوخ، ناهيك عن إعداد الموائد بتشكيلة مكسرات وحلويات وكعك مرفقة بالعصائر والمشروبات، ولمن يملك القدرة المالية ويحظى بالعطلة القيام بالرحلات، لزيارة الأصدقاء المقيمين بالجوار وبالمدن الأخرى في باقي الدول والمرضى والعجزة، دون نسيان موتانا بالمقابر رحمهم الله.

                                   العيدية: 

إن من أهم هذه التقاليد العريقة والعادات الاجتماعية الراسخة لا تمحى ولا تندثر هي العيدية حيث يتجمع الأطفال يوم العيد حول آبائهم وأقاربهم وأجدادهم وجيراهم ومعارفهم للحصول على حظهم من العيجدية سواء من النقود او باقي الهدايا كل وقدرته..

                                     أصل كلمة عيدية: 

إن كلمة عيدية تعني العطاء والعطف وهي مشتقة من كلمة عيد ومعناها كثرة عوائد الرحمن سبحانه وتعالى على عباده وهي إما أن تكون عوائد مادية أو غيرها.

العيد بالفرحتين:

فرحة الكبار بالعيد، و فرحة الأطفال الصغار باللباس والهدايا المقدمة لهم عامة وبالعيدية خاصة لما لها من أهميها و حب بشغف لايمكن الإستغناء عنها ولا التفريط فيها فعيد بدون عيدية للأطفال لايعد عيد, ولكل فرحته الخاصة ونشوته بها، ولكل حلمه في إستلامها.

العيدية هدية العيد التاريخية، عادة إسلامية، ثقافية، إجتماعية لم تفقد بريقها اللامع منذ القدم من سالف العصور وصولا حتى يومنا هذا، فلا توقف ولا إنقطاع، و التشبث بها والمحافظة عليها بكل المقاييس والمعاير على إختلاف الأمكنة والأزمنة.

العيدية ليست فرضا ولا سنة إنما هي عرف تقليدي عائلي إجتماعي ساد بين جموع الناس، والعيدية ليست بصورة واحدة في كل المجتمعات، بل لها صور عديدة وطقوس مختلفة، تختلف من حيث البساطة والغلو فيها من بلد إلى أخر ومن مجتمع إلى مجتمع آخر.

العيدية دينيا :

في ظل الإختلافات الواقعة في بعض المجتمعات فيا يخص حكم العدية دفعها من عدمها . إختلف أهل العلم في العيدية ونوعها، فقيل إنها عادة طيبة مستحبة وقيل بل هي فرض على الكفاية وقيل بل فرض عين على كل أب وأم وجد وجدة وعم وعمة وخال وخالة ، والأخير هو الصواب عند أهل التحقيق والنظر.

وقد تعددت الأراء والأقوال في المقدار الذي يصدق عليه وصف العيدية بين إعطاؤها من باب فرحة الأطفال و جبر خوارطهم و منعها بدون تقديم المبرر المقتع.

العيدية وما أدراك ما العيدية إسم وفرحة وسعادة منتظرة، هي عادة سنوية عبر الأقطار الإسلامية والعربية عامة، وفي المغرب العربي، خصوصا موريتانيا, المغرب، الجزائر، تونس وليبيا وغيرهم من البلدان، والتي إنتقلت ورحلت معهم في حلهم وترحالهم أينما نزلوا وأستقروا، ومن بين المدن والدول التي لم تنقطع بها هاته العادة الأسرية الإجتماعية بين الأهالي والأسر مدينة ستراسبورغ بشرق فرنسا، بمنطقة الألزاس، بنهر الراين، خصوصا لأبناء الجالية عموما، والمغاربية خصوصا، وتكون العيدية في غالب الأحيان عبارة عن نقود وحلوى وبالونات أو هدية وغيرها، كل حسب قدرته المادية وحالته المالية والإقتصادية والتي تعطى للأطفال الصغار في صبيحة يوم العيد المبارك خصوصا، وباقي أيامه، وأيضا كذلك للأحبة لمن لم يتمكن من توفير الأضحية لأطفاله، وتعود عادة العيدية إلى قرون قديمة خلت وإلى سنين خلت، منذ أن وعينا وحاضرناها وعشناها وأستمتعنا بعطاياها في كل عيد فرحم الله سلفنا.

وللعيدية تاريخ طويل على مر العصور منذ قرون خلت حسب روايات التاريخ

العيدية باتت عادة من العادات والتقاليد الراسخة الموارتة عن كابر، أبا عن جد، ومن جيل لجيل، عادة من الموروث الشعبي الثقافي الإجتماعي الذي لا يفرط فيها، ولا يستغنى عنها، تحت أي ظرف من الظروف.

تعتبر العيدية أحد أهم تلك الطقوس من العادات والتقاليد المتداولة، كما تعتبر أساسا مصدرا للسعادة وإدخال البهجة والسرور على مستلميها من الأطفال، وتختلف طريقة وقت ومكان تقديمها، ومدى قيمتها من بلد إلى أخرى ومن عائلة إلى أخرى؛ وهي كلمة مشتقة في الأصل من كلمة عيد، ومن العوائد، والعائد، ما يعود بالنفع والخير واليمن والبركات على المجتمعات في وقتها.

العيدية هي الفرحة المنتظرة من أجمل مظاهر العيد التي يفرح بها الأطفال ساعتها ويضعون لها أهمية كبيرة وتصور حسب توقعاتهم لما سوف يحصلون عليه كمبلغ مالي، ونوع الهدية التي سيحضون بها، ويخططون فيما يجب إنفاقه، وما يمكن شراؤه بها بعد العيد، أو ادخاره في دفاتر توفيرهم كما هو الحال للعديد.

فالنسبة لهم هذه المنحة القيمة من الأهل خاصة، والأقارب والجيران عامة، من الأيادي الدافئة التي لا تقدر بثمن، فهي نوع من مشاركة الكبار لفرحة صغارهم يوم العيد وتجسيد مادي للحب والعاطفة التي تربطهم ببعضهم والمودة التي تحفهم، كما تعلهم منذ الصغر حب الخير والعطاء والتصدق والإهداء للغير بالجود والكرم على خطى الآباء والسلف رحمهم الله.

تمنح العيدية للأطفال بشكل خاص، من الآباء والأمهات والأجداد والأشقاء الأكبر سنا، وبقية أفراد العائلة والأقارب، وأيضاً من الجيران والأصدقاء، حسب مقدرة كل شخص من الناحية المالية والمادية، وما تجود به يده في مثل هذه المناسبات السعيدة.

وكما هو الحال والحفاظ على عادة العيدية في الدول العربية عامة والمغاربية، فأبناء الجالية لا يستغنون عنها بأرض المهجر بديار الغربة بستراسبورغ فرنسا.

لكن هذا العامين خصوصا عادت العيدية وعادت معها فرحة الأطفال العارمة بها بعودة الحياة العامة الطبيعية والحمد لله على سابق عهدها بعد السماح للمساجد بإعادة فتح أبوابها للمسلمين لأداء الصلوات وبشعائرهم الدينية وطقوسهم المعتادة، والتي سبق لهم أن حرموا منها في الأعوام الماضيين تحت تأثيرات ظروف كورونا، نتيجة الحظر والحجر الصحي والتباعد الإجتماعي، مما قلل الزيارات، وغير عادات اللقاءات العائلة، وحرم الكثير منها، بالإضافة إلى تراجع الأحوال الإقتصادية بسبب التوقف عن العمل، وتسريح العمال، وغلق المؤسسات إلخ….، مما جعل البعض يحاول التهرب من إعطاء العيدية والتحجج بحجج مختلفة مختلقا الأعذار والأسباب، صراحة فأحوال الناس أصبحت جد صعبة لا تطاق ولا تحتمل، كان الله في عونهم.

فعلى الرغم من أن الجيل الرابع بأرض المهجر تأثر وتاه بين الإندماج والحرص على التقاليد، إلا أن الجيل الثالث تاه بعض الشيء، إلا ما رحم ربي، وظل يعاني من عديد الأزمات النفسية والسيوسيو إجتماعية، ودخل في صراع ونزاع مع النفس، وذلك بسبب أزمة هوية وقومية ومدى إرتباطهم بالوطن الأم، وجذوره الضاربة في أعمال المجتمع برمته.

إلا أنه والشهادة لم يحد ولم يزغ عنها وظل محافظا متمسكا بأصالته وهويته وتاريخه الثقافي وعاداته وتقاليده، والإفتخار بها أيما إفتخار، ولا يفرط فيها، لكن بطريقته الخاصة ورؤيته المختارة لنفسه ولبيئته ولمحيطه الذي يعيش فيه وترعرع في وسطه.

فمبروك للجميع عيديتهم وفرحتهم، وعيد سعيد للجميع، كل عام والجميع بخير صحة وعافية أعاده الله بالخير واليمن والبركات.

كانت هاته ومضة عن العيدية لدى أبناء الجالية بستراسبورغ بفرنسا

الأستاذ الحاج نورالدين أحمد بامون — ستراسبورغ فرنسا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى