أخبارالحدث الجزائري

فرنسا، المخزن والساحل.. والانتخابات الرئاسية في الجزائر

زكرياء حبيبي

بمناسبة كلمته أمام المشاركين في الندوة المنظمة حول موضوع “وضع ميثاق أخلاقي للممارسة الإعلامية، استعدادا للانتخابات الرئاسية المقررة في 7 سبتمبر المقبل”، دعا وزير الاتصال الجزائري محمد لعقاب، الصحفيين الجزائريين إلى عدم إغفال الأحداث التي تدور حول الجزائر في مالي والصحراء الغربية على غرار التحول الأخير في الموقف الفرنسي بشأن مسألة تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية، والتي وصفتها الجزائر بالطعنة في خضم الحملة الانتخابية لرئاسيات 7 سبتمبر.

وإذا كانت التغطية الإعلامية للانتخابات الرئاسية المقبلة أكثر من مهمة، كما أكده محمد لعقاب، فيجب الاهتمام بشكل خاص بما يحدث في مالي في أعقاب التصعيد العسكري، وتخلي أصحاب السلطة الجدد في باماكو عن اتفاقيات الجزائر التي صادق عليها المجتمع الدولي، وعن الطعنة التي وجهتها الحكومة الفرنسية فيما يتعلق بمسألة الصحراء الغربية. ولذا ارتأينا أن نحاول تحليل هذه الأحداث.

أما فيما يخص مالي، فيؤكد مراقبون الفشل العسكري للقوات المسلحة المالية المدعومة من قبل مرتزقة شركة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة، في فصيلة تُمولها دولة الإمارات، في شمال هذه الدولة الساحلية.

فالصور والفيديوهات التي بثتها بعض وسائل الإعلام وتناقلتها منصات التواصل الاجتماعي، والتي تُبين هزيمة قوات أسيمي غويتا، تأتي لتُؤكد دقة وصدق الرؤية الجزائرية الداعمة للحل السياسي والمصالحة المالية الداخلية، بما يسمح بتمثيل جميع فئات المجتمع المالي ضمن نظام سياسي يضمن السلام والتنمية، ولن تعود تداعياته إلا بالنفع على المنطقة بأكملها.

إن التخلي عن اتفاقيات الجزائر والخضوع لإملاءات دولة وظيفية مثل نظام المخزن، بحجة الوصول إلى البحر، لا يخدم إلا مصالح فرنسا وحلفائها الغربيين. ففرنسا التي خرجت من الباب، وها هي تعود من النافذة عبر بيدقها المغرب الذي هو في الواقع محمية فرنسية فقط.

إن الاعتراف الفرنسي بـ”خطة الحكم الذاتي” التي اقترحها شبه “أمير المؤمنين” منذ عام 2007، بعد 16 عاما من توقيع والده اتفاق وقف إطلاق النار الذي يسمح بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، ليس مفاجئا على الإطلاق، لأن فرنسا هي الدولة الوحيدة من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التي كانت تُعرقل قرارات مجلس الأمن بشأن موضوع تقرير مصير الشعب الصحراوي منذ عام 1975. وهي فرنسا التي طالما دعمت عسكريا وسياسيا، واقتصاديا، الاحتلال غير القانوني للأراضي الصحراوية من قبل جحشها المخزني.

لكن المفاجأة، هو توقيت هذا القرار الذي يأتي في خضم الحملة الرئاسية في الجزائر، الدولة المحورية في المنطقة والتي دافعت عن تطبيق القانون الدولي منذ بداية الصراع. وهو القرار الذي استنكرته وأدانته وزارة الخارجية الجزائرية عبر بلاغ صحفي، ووصفته بأنه يأتي بنتائج عكسية ويضرب سياسة فتح صفحة جديدة وبناء شراكة جديدة متبادلة المنفعة.

علاوة على ذلك، كيف نفسر الموقف الكاذب لبعض المسؤولين الفرنسيين الذين كانوا يعولون على زيارة دولة لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لفرنسا في الخريف المقبل، وآخرها موقف السفير الفرنسي الحالي بالجزائر، الذي أكد بأن “فرنسا بحاجة إلى الجزائر”.

واليوم، من الواضح أن إيمانويل ماكرون استسلم لمطالب اليمين واليمين الفرنسي المتطرف، المُقرب من نظام المخزن، لإبقاء أحد المحسوبين عليه في “ماتينيون” لتشكيل حكومة جديدة. وحتى زعيم المعارضة اليسارية جان لوك ميلينشون لا يعارضها نظرا لحُبه لمملكة نظام المخزن.

وهنا يكون إيمانويل ماكرون قد فضل الوضع الراهن على حساب فتح صفحة جديدة مع الجزائر، ولصالح طبقة الدولة الفرنسية العميقة المكونة من أولئك الذين يحنون إلى الجزائر الفرنسية والمقربين من نظام المخزن، مثل كزافييه دريانكور، ورشيدة داتي، وإريك سيوتي، ونيكولا ساركوزي، وجان لوك ميلينشون، وفرانسوا هولاند، وإدوارد فيليب، ومارين لوبان، والإيديولوجي العرقي برنارد لوغان.
وتتماثل هذه الطبقة مع عقيدة المخزن التي لم تهضم يوما، استقلال الجزائر، والتي تعمل جاهدة، بدون كلل أو ملل، لإضعافها، بل وحتى لتدميرها. فبالنسبة لنظام المخزن، فإن تدمير الجزائر كدولة قومية أكثر أهمية من احتلال أراضي الصحراء الغربية.

ومن خلال هذه الخرجة الجديدة، يكون نزيل قصر الإليزيه قد “خان” قسماً كبيراً من الفرنسيين الجزائريين، الذين حشدوا جهودهم من أجل نجاحه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، وجنبوه أيضاً الهزيمة خلال الجولة الثانية الأخيرة من الانتخابات التشريعية. وهي خيانة ستلقي بظلالها على الطابور الخامس، وسيعمل بدون أدنى شك على “تعطيل” حسن سير الانتخابات الرئاسية المقبلة، التي ستكون لنتيجتها عواقب معينة على مستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية.

علاوة على ذلك، تجدر الإشارة إلى أن فرنسا، وكذلك نظام المخزن، يتابعون عن كثب هذه المرحلة المهمة من الانتخابات الرئاسية الجزائرية يوم 7 سبتمبر المقبل، في حياة الجزائر الجديدة، من خلال محاولة “تشويه سمعتها” عبر أدوات إعلامية تابعة للدولة الفرنسية العميقة، كما هو الحال بالنسبة لصحيفتي لوموند أو لو فيغارو.

ومن ناحية أخرى، تنغمس الأصوات الدعائية والمؤثرون في نظام المخزن في الافتراء والأكاذيب من خلال التشكيك في أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستُجرى في الجزائر.

التجمع المغاربي الجديد يُخيف فرنسا

تخشى فرنسا وروابطها الاستعمارية الجديدة والموالية لحلف شمال الأطلسي من إعادة انتخاب عبـد المجـيد تـبون وقيس سعيد في الجزائر وتونس في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول المقبلين. إعادة انتخاب، مرادفة لبناء تجمع مغاربي جديد، يجمع كل من الجزائر وتونس وليبيا، والذي يمكن أن تنضم إليه في المستقبل القريب موريتانيا، التي أعادت للتو انتخاب محمد ولد الشيخ الغزواني، لفترة رئاسية ثانية على رأس الدولة الموريتانية.

فالتجمع المغاربي الجديد، الذي أبرم مؤخرا فصلا جديدا بتوقيع اتفاق مهم في قطاع المياه، سيكون له تأثير وديناميكية ونفوذ أكبر من اتحاد المغرب العربي البائد، الذي أصيب بالشلل منذ عام 1994 من قبل نظام المخزن، جراء أكاذيبه حول الجزائر، واتهامها ب”التورط” في الهجمات الإرهابية التي ضربت مراكش.

وسيكون للتجمع المغاربي الجديد، دورا أكبر أهمية، نظرا لموقعه الجيوستراتيجي، على “الإيكواس”، “المنظمة” التي وُجدت لخدمة القوى الاستعمارية السابقة، كما سيُشجع هذا التجمع المغاربي الجديد بلدانا أخرى في منطقة الساحل على أن تصبح جزءا منه في المستقبل، في إطار التكامل الإقليمي الذي أطلقته الجزائر، مثل الطريق العابر للصحراء، وخط أنابيب الغاز الذي يربط نيجيريا بأوروبا عبر النيجر والجزائر، ووصلة الألياف البصرية المحورية العابرة للصحراء التي تُمكّن شعوب دول الساحل، مثل مالي والنيجر وتشاد وموريتانيا من الاتصال بشبكات الألياف الضوئية الجزائرية، وكذلك طريق تندوف – الزويرات وأخيرا المشروع الضخم للسكك الحديدية التي تربط الجزائر ببعض الدول المجاورة جنوبا.

وفي الختام، تجدر الإشارة إلى أن رغبة الجزائر في الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، في إطار مبادئها وقناعتها ببناء عالم متعدد الأقطاب، تثير قلق الغربيين الذين يُضاعفون من نشر الأكاذيب عبر أدواتهم الدعائية وبيادقهم…، فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى