عن مثقفينا وكرة القدم

 
الطيب طهوري
الفرق شاسع بين الفرح الوهمي والفرح الحقيقي..الوهمي سرعان ما ينتهي ..الحقيقي دائم..الوهمي أكثر ارتباطا بمجتمع القطيع..الحقيقي أكثر ارتباطا بالوعي المسؤول..
عندما يستلف عريس ما مالا من غيره ويكلف نفسه فوق طاقتها لإقامة عرس مظاهري كبير استجابة للقطيع الذي يعيش فيه،ثم يجد نفسه بعد نهاية العرس مخنوقا بالدائنين أعتبر فرحه فرحا وهميا..
الانتصار في الكرة لفريق ما فرح،لكنه فرح وهمي ايضا،لأنه فرح سرعان ما ينتهي،وهو أيضا فرح قطيعي..ذلك أن الانتصار في كرة القدم أو الانهزام فيها لفريق ما على فريق ٱخر أمر طبيعي ..لكن أن يتحول الانتصار إلى احتفالات صاخبة تستمر طوال الليل،ويصبح الناس نعسانين عاجزين عن تأدية أعمالهم على أكمل وجه،ثم ينتهي ذلك الفرح..أو تتحول الهزيمة إلى يأس كبير،يرى الناس فيه وكأن الحياة انتهت،وبشكل جماعي،فان ذلك لا يدل الا على أن المجتمع يعيش أزمة كبيرة،ازمة فقدان الفرح في حياته،وهو ما يدفع به إلى ما ذكرت،فرحا جنونيا أو ياسا رهيبا..
ما أثار انتباهي بعد هزيمة فريق الجزائر أمام غينيا الاستوائية ليس ذلك اليأس الذي صار عليه العامة من الناس،فذاك أمر متوقع..ما أثار انتباهي هو هؤلاء الذين نسميهم المثقفين أو نخبة المجتمع..لقد تفاجات كثيراً وأنا أرى العديد منهم يسلكون نفس سلوك العامة فيقيمون الدنيا ولا يقعدونها حزنا على فريقهم الذي تلقى تلك الهزيمة..
بعض هؤلاء المثقفين ارجع الهزيمة إلى تٱمر الدول الأفريقية المشاركة في البطولة على فريقنا..
البعض الٱخر أرجعوها إلى ما ما سموه بالسحر الاسود وتاسفوا كثيرا على افتقاد الجزائر السحرة الذين كان بأمكانهم ،لو وجدوا ،ابطال ذلك السحر..
البعض الثالث ألغوا صداقات ،افتراضية أو واقعية، لأصدقاء غير جزائريين لأن أولئك الأصدقاء عبروا عن فرحهم بهزيمة الجزائر..
البعض الرابع تعهدوا بمقاطعة سلع دول وعدم زيارتها لأن البعض من أبناء تلك الدول عبروا عن فرحهم بهزيمة فريقنا..
البعض الخامس ملأوا صفحاتهم الفيسبوكية بالأدعية التي يطلبون من الله بها الانتصار لفريقنا يجعله يهزم الفرق التي سيتقابل معها..و..
لم يبق أمامهم سوى التوجه إلى قبر الراقي الشهير بلحمر والتبرك به،فلربما يكون منقذهم..
الغريب في الأمر أن هؤلاء المثقفين واولئك لم يروا أمامهم ما وصلت إليه حال البلاد من بؤس..
لم يروا ٱلاف العقول الجزائرية التي تكونت بأموال الجزائريين تهاجر لتخدم دولا أخرى على حساب بلادهم الجزائر..لم يحزنوا على ذلك..
لم يحزنوا على ٱلاف الحراقة الذين مات الكثير منهم في أعالي البحار وتركوا وراءهم أمهات وٱباء وأهالي يبكون حرقة عليهم…
لم يحزنوا على الذين زج بهم في السجون،فقط كونهم عبروا ،وبشكل سلمي،عن أحلامهم في بناء دولة جزائرية ديمقراطية حديثة، أو عارضوا،وهو أمر مشروع،السلطة التي تحكم بلادهم وتسير شأنها العام..
لم يحزنوا على الفقر المقنن الذي يزحف وبسرعة على اغلب الجزائريين..
لم يحزنوا على الأراضي الزراعية التي قضى عليها الأسمنت المسلح واستولي عليها المتنفذون..
لم يحزنوا على المجاري المائية مولدي الحراش ووادي سيبوس ووادي بوسلام وغيرها من الأودية والأنهار التي تلوثت كلها ولم يعد ماؤها صالحا للاستعمال..
لم يروا طوابير الزيت والحليب التي جعلتنا أضحوكة العالم..لم يحزنوا لذلك..
لم..
لم..
ما أتعسنا..
ستنتهي مقابلات البطولة الافريقية،تماما كما انتهت البطولة العربية،ونعود إلى حالنا..حالنا المؤلمة جدا جدا..وننسى كل هذا الذي حدث..
وما يبقى في الواد غير حْجارو..
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا صرنا كلنا هكذا؟..لماذا أصبحنا قطيعا كلنا، أناسا عاديين ومثقفين؟..
إنهها الزمة التي نمر بها..أزمة انغلاق كل أبواب التغيير أمامنا وبقائنا ندور في حلقة مفرغة من كل شيء، إلا من سوادها..كل شيء نراه ينهار امامنا، وبسرعة عجيبة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا..
المجتمعات التي يصير حالها هكذا تمسي مجتمعات صراخية لا مجتمعات مفكرة..مجتمعات تتعلق بما هو هامشي في حياتها، لا بما هو أساسي..
التعامل مع كرة القدم هكذا، انتصار فرق وهزائم فرق، لايدل إلا على شيء واحد..إنه يأسنا الذي وصل إلى أقصاه..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى