طه حسين في نظر زوجه سوزان من خلال كتابها مَعَك

معمر حبار

سوزان طه حسين “مَعَك”، ترجمة: بدر الدين عروركي، مراجعة: محمود أمين العالم، الطبعة الأولى، 2015، من 366 صفحة.

مقدمة القارئ المتتبّع:

رأيت الكتاب لأوّل مرّة عبر صفحة صديقنا محمد عبد العزيز. فقمت بتحميله على الفور. فله منّي بالغ المحبّة، والاحترام والتّقدير.
يعترف صاحب الأسطر أنّه لأوّل مرّة في حياته يقرأ لسوزان زوج طه حسين. ولم يقرأ لها من قبل.

الغاية من قراءة الكتاب، وعرضه هو الوقوف على جديد طه حسين من خلال زوجه وقد سبق أن قرأنا له.

العناوين الفرعية من اختيار صاحب الأسطر. وتعبّر عن قراءة القارئ المتتبّع.

نصيحة لمن يريد أن يقرأ مَعَك:

أنصحك وأنت تقرأ الكتاب أن لا تقارن أبدا بين الأسلوب السّاحر لطه حسين، وأسلوب زوجه الفرنسية الذي لا يختلف عن الفرنسيين الذين قرأنا لهم من حيث الدّقة، وصدق الوصف، وتأريخ الحوادث، والحرص على تسجيل الأحداث، وحسن التّسلسل، ودون بلاغة، ولا فصاحة، ولا مجاملة، ولا ثرثرة.

من أراد أن يقرأ الكتاب فليقرأ كتب طه حسين من قبل. لأنّ ذلك سيساعده على المقارنة، والمراجعة، والتّصحيح، والتّثبيت، وتكون له الخلفية التي يعود إليها، والأرضية التي يعتمد عليها.

ولا أنصح بقراءة كتاب “مَعَك” دون قراءة كتب طه حسين.

طريقة صياغة سوزان لكتابها “مَعَك”:

صاغت سوزان كتابها على الطّريقة التّالية: مثلا: بتاريخ: 24 جوان 1975 تتحدّث عن أحداث: سبتمبر 1935، وما بعدها. والكتاب كلّه على هذا المنوال. وأعترف أنّي لم أفهم الطّريقة جيّدا إلاّ حين وصلت لصفحة 181.

ومن لم يستوعب هذه الطريقة اختلطت عليه التّواريخ، وربّما ضاع بين الفترة التي تعيشها سوزان، والفترة التي تتحدّث عنها.

سوزان من خلال الكتاب:

حرصت سوزان طه حسين حرصا شديدا على ترجمة الكتاب إلى اللّغة العربية. وكانت ترى أن القارئ العربي أفضل من القارئ الفرنسي. ولذلك فرحت فرحا شديدا بترجمته للّغة العربية.

حسب ما جاء في المقدمة، وشهادة ابنها: رغم مرور ما يقرب من ستين سنة على زواجها بطه حسين إلاّ أنّها لم تتعلّم اللّغة العربية.

ظلّت زوج طه حسين طوال حياتها الزوجية على مسيحتيها، وتوفيت وهي مسيحية.

الأستاذ جاك بيرك هو الذي اقترح على سوزان طه حسين أن تترجم الكتاب، واقترح عليها اسم المترجم السوري.

كتبت الكتاب “مَعَك” وهي في التّاسعة والسّبعين من عمرها، وتوفيت وهي في الرّابعة والتّسعين من عمرها.

التكامل بين “الأيّام” لطه حسين و “مَعَك” لسوزان:

كم هو محظوظ طه حسين: كتب “الأيّام” عن أيّامه. ورزق بزوجة كتبت “مَعَك” عن أيّامهما. ولا أعرف من نال هذا الشرف الثنائي معا.

والزّوجة التي تكتب عن زوجها لهي عظيمة تستحقّ كلّ التّقدير. والزّوج الذي يكتب عن زوجه لهو كريم يستحقّ كلّ الاحترام.

يمكنني أن أعتبر أنّ كتاب “مَعَك” لسوزان هو الجزء الثّاني لـ “الأيّام” لطه حسين.

سوزان لا تتحكم في زوجها طه حسين:

لم أشعر دقيقة واحدة أنّ سوزان تتحكّم في زوجها طه حسين فيما تعلّق بالجانب الأدبي، والفكري، والسّياسي.

حين يتعلّق الأمر بالمؤتمرات، والزّيارات الرّسمية، والمحاضرات فإنّ طه حسين هو الذي يحدّد المكان لزوجه، والاتّجاه سلفا. لكن حين يتعلّق الأمر بالنزهة، وتسلية الأطفال، وزيارة الأحباب، والعائلة فإنّ سوزان هي التي تحدّد سلفا المكان، والوجهة، والمدّة.

وما يجب ذكره: سوزان مستقلّة عن زوجها في حياتها الشخصية، وحركاتها، ولقاءاتها، وسفرها. ولم يكن طه حسين مستقلاّ عنها في حركاته داخل مصر، وخارجها، ومحيطه.

فضائل طه حسين على زوجه سوزان:

واضح جدّا أنّ سوزان تأثّرت وبشكل كبير بالشكل، والمظهر الخارجي حين التقت بشخصيات غربية. لكنّ طه حسين كان يطرح معهم الفكرة. وهذا يعزّز ما ذهبت إليه في الحلقات السّابقة أنّ سوزان لم يكن لها أثر على الجانب الفكري، والأدبي، والسّياسي لطه حسين.

الزيارات داخل مصر، وعبر العالم التي كانت تقوم بها سوزان، وكذا الشخصيات المختلفة ماكان لها أن تحلم بها لولا شهرة زوجها طه حسين، باعتبارها رفيقته. ويدخل هذا ضمن فضل طه حسين على زوجه، كما كان لها فضل على زوجها من حيث المرافقة، والخدمة.

عشق سوزان لطه حسين:

واضح جدّا أنّ سوزان أحبّت طه حسين حب الجنون. وتمسّكت به تمسّك الأمّ برضيعها. وسعت إليه، وعملت المستحيل لتظفر به. وقد استنكر عليها أهلها ذلك.

أفهم -الآن- سرّ من قال أنّ طه حسين لا يريد أن يغضب أصهاره الفرنسيين حين يتعلّق الأمر بالثّورة الجزائرية. وفي الحقيقة لا يريد أن يغضب زوجه الفرنسية.

سخرية الأزهريين من زواج طه حسين من فرنسية:

قالت: تلقى طه حسين نقدا شديدا، وسخرية من طرف بعض الأزهريين لأنّه تزوّج بفرنسية حتّى أفقدته الصواب.

القسّ الفرنسي الذي أوصى سوزان بالزّواج بطه حسين:

قسّ فرنسي هو الذي تحدّث مع طه حسين لساعات، وبطلب من سوزان ك “جَاهْ”، وأعجب به أيّما إعجاب، وأوصى سوزان أن تتزوّجه، وتتشبّث به بعدما رفض أهلها أن يزوّجوها أعمى، ومسلم، وأجنبي. وأخبرها أنّها ستتعلم منه، وأنّه متفوّق عليك.

لعلّ هذه الحادثة -وأخرى لا نعلمها- كانت ضمن الأسباب التي دفعت طه حسين ليكون رقيقا، ولطيفا مع الغرب، والثّقافة الغربية.

مسيحية سوزان البارزة:

سوزان: مسيحية، وتستشهد بالإنجيل. ورفقائها من القساوسة، وتزور الكنيسة، وتشهد طقوسها. وتقول عن نفسها: “ولا أشرب الخمر على الإطلاق”.

محيط سوزان أغلبه مسيحي، ولذلك كانت تكثر الزّيارات للمسيحيين العرب، والغربيين، وبمناسبة، ودون مناسبة. ولا أبالغ إذا قلت أنّ تلك النّشأة أثّرت على أبناء طه حسين. وأنا الذي لا أعرف عنهم شيئا، ومطلقا.

وسوزان مداومة باستمرار، ودون انقطاع لحضور المناسبات الدينية المسيحية، وبافتخار شديد سواء كان ذلك في مصر، أو خارجها، أو مناسبة وطنية، أو عائلية. وفي المقابل لم تذكر عن طه حسين -فيما قرأت، وأتذكّر- أيّ سطر عن حضوره للمناسبات الدينية الإسلامية.

ظلّت سوزان تصف الشخصيات الدينية الغربية بالعظمة، والسّمو، والانبهار، والإعجاب خاصّة أثناء زيارتها للفاتيكان. ولم أقف على نفس الموقف حين يتعلّق الأمر بشخصيات دينية عربية.

وفي كلّ مرّة تزور فيها سوزان مدينة أوروبية إلاّ وتذكر الكنائس، وأجراس الكنائس، وما تقوم به من طقوس مسيحية، وبافتخار شديد، وبشكل علني، ومتكرّر. وتحزن لحزن الكنائس ورجالها، وتفرح لفرح الكنائس ورجالها.

طه حسين يسبق شيوخ الأزهر في تعليم المرأة:

قالت: كان طه حسين يتمنى أن يرزق ببنت ثانية بعدما رزق بابن ذكر. 44

يفهم من هذا سرّ وقوف طه حسين إلى جانب المرأة في عدّة قضايا، وطوال حياته. وسبق أن قرأت منذ سنوات كتاب للشيخ محمّد الغزالي -لا يحضرني اسمه-، أنّ طه حسين كان أوّل من وافق على تعليم المرأة حين كان وزيرا للتربية. وقد كان شيوخ الأزهر من قبل يرفضون ذلك. وسبقهم طه حسين لهذا الفضل.

قالت: “ساهم طه حسين في إدخال المرأة للجامعة المصرية”. 100

يفهم من هذا أنّ شيوخ الأزهر تأخّروا عنه في هذا الجانب. فنال السّبق، والفضل.

فضل سوزان على طه حسين كفضل النيل على مصر:

حين ذهبت سوزان لفرنسا قصد العلاج، وعلاج ابنيها، تركت طه حسين في مصر مدّة ثلاثة أشهر دونها، وقالت حينئذ: “حزينة القلب فاقدة العقل لمجرد فكرة ترك طه لعناية أصدقاء لاشكّ في إخلاصهم لكنّهم لايعرفون قطّ كيف يجب القيام بها”. 45

تدفعني هذه الأسطر للقول: فضل سوزان على طه حسين كفضل النيل على مصر.

جنون طه حسين بزوجه سوزان:

راسلها طه حسين وهي في فرنسا، فقال: “تعلمين أنّ الكتابة غير التّحدّث، وأنّ قراءة رسالة ليست هي الاستماع لصوت”. 46

أوتي طه حسين سحر البيان، ورغم ذلك يقرّ أنّ “الاستماع لصوتك” له سحر يفوق بكثير الحرف، والسّطر. ما يدل أنّ طه حسين كان متيّم بزوجه، ويحبّها حدّ الجنون.

يراسل طه حسين زوجه سوزان، قائلا: “ألم أقل لك لا أساوي شيئا بدونك”.

يقرّ طه حسين أنّ لا يساوي شيئا دون زوجه سوزان.

تسعون رسالة أرسلها طه حسين لزوجه سوزان خلال ثلاثة أشهر. 64 حتّى سوزان تفاجأت بحبه الشّدّيد، وجنونه تجاهها وهي في الثّمانين من عمرها.

يكمن سرّ طه حسين في حبّه الخارق، والمجنون لزوجه سوزان. ومن جهل هذا السّرّ جهل طه حسين. ومن عرفه، عرف طه حسين.

غابت سوزان عن طه حسين أيّام قليلة، فراسلها قائلا: “علينا أن لانكرّر على الإطلاق هذا الفراق الحكيم الأحمق. فبدونك أشعر أنّي أعمى حقّا”. 87

أقول: هذه الحالة -وغيرها كثير- تعبّر بصدق عن جنون طه حسين بزوجه. ورسائل العشق الكثيرة التي أرسلها طه حسين لزوجه تؤكّد ذلك.

راسل طه حسين زوجه فقال: “لا تتألمي وحدك فأنا مازلت قادرا على التألم معك… أحبّك حتّى نهاية الحساب”. 98

أرسل طه حسين رسالة إلى زوجه وهو في الحجاز، فقال: “تعالي إلى ذراعي، وضعي رأسك على كتفي، ودعي قلبك يصغي إلى قلبي”. 165

طه حسين وفرنسا المحتلة للجزائر:

رفض طه حسين أن يحضر احتفالات فرنسا التي تقيمها كلّ 14 جويلية. رغم أنّ فرنسا سعت لتورّطه في ذلك.

يرى طه حسين أنّه من العار أن يقف مصري أمام محكمة يحكمها أجنبي. 60

طه حسين الوديع مع فرنسا المحتلّة:

نفس الظّاهرة التي وقفت عليها في “الأيّام”، وقفت عليها من جديد في “مَعَك”، وهي: طه حسين في فرنسا هو الوديع، والمسامح، والرّقيق، والحنون. وطه حسين في مصر، هو الشّرس، والعنيف، والعنيد، والخشن.

تعامل المصريين مع ابنهم طه حسين، وتعاملهم مع زوجه سوزان:

يبدو أنّ المصريين تعاملوا مع ابنهم طه حسين بحرارة فائقة -وهذا حقّهم، وواجبهم-. لكنّهم تعاملوا مع زوجه سوزان ببرودة. ويكفي أنّهم لم يترجموا كتابها وهي بين ظهرانهم.

طه حسين الكئيب، والجاد في عمله:

قالت سوزان: “لم يكن طه حسين كئيبا دوما، لكن لحظات فرحه كانت نادرة تماما”. 71

يمكن القول أنّ القارئ لتراث طه حسين يدرك ذلك جيّدا.

قالت سوزان: كان طه حسين لا يعرف غير العمل ولا يتوقّف إلاّ لأجل النوم، أو الأكل. 75

قالت: لم يكن طه حسين كثير الشكوى. 77

وقفت على هذه الملاحظة بنفسي وأنا أقرأ الكتاب.

طه حسين والمستشرقين:

يراسل طه حسين زوجه سنة 1925، وهو يومها أستاذ بالجامعة معبّرا لها عن فرحه الفائق بما يقوم به من أعمال علمية. وممّا قاله: “فأبحاثي الشخصية تصل بي إلى نتائج كبار المستشرقين”. 75

قال طه حسين: “قررت أن لا أقرأ أبحاثهم إلاّ بعد أن أنجز أبحاثي لكي أكون على علم فقط”. 75

مازال طه حسين متأثّرا بالمستشرقين حتّى ولو ظهر -عبر هذه الفقرة، وللوهلة الأولى- أنّه تراجع، ونضج. لأنّه مازال يتعامل معهم على أنّهم الميزان ولو في حالة العلم، والرّفض.

طه حسين و كتابه الشعر الجاهلي:

رسمت سوزان الحالة الكئيبة التي أعقبت صدور كتاب “الشعر الجاهلي”، وأثرها البالغ على طه حسين. ودافعت عنه بشراسة كزوجة وليست قارئة. والزّوجة لا تناقش حين يمسّ زوجها. 77

ويبدو أنّ طه حسين لم يكن ينتظر أبدا، ومطلقا ردّ النّقاد المصريين، والعرب بتلك القوّة، والشّراسة على كتابه “الشعر الجاهلي” في مارس 1926 حتّى وصلت القضية إلى المحاكم. وأزعم أنّ الأضواء الإعلامية التي أحيطت بطه حسين حجبت عنه ما تخفيه الأيّام.

قالت: أنجز طه حسين كتابه “في الشعر الجاهلي” من جانفي 1926 إلى مارس 1926. ص 77

أزعم أنّ من الأخطاء التي ارتكبها طه حسين في كتابه “في الشعر الجاهلي” هي السّرعة في إنجاز الكتاب. وكتاب مثل هذا لا ينجز أبدا في عام واحد. وعوامل أخرى سنذكرها إذا تطلّب الأمر ذلك.

طه حسين و كتابه الأيّام:

قالت: كتب طه حسين “الأيّام” سنة 1932 خلال تسعة أيّام في فرنسا حين كان يداوي هناك.

أشعر أنّ طه حسين كتب “الأيّام” هروبا من النّقد الشّديد، والقويّ جدّا، وغير المنتظر الذي تلقاه عقب “الشعر الجاهلي”. وهو نوع من ممارسة النّسيان، والبحث عن الرّاحة النّفسية عبر استحضار الطفولة، والشباب.

قالت: ترجم كتاب “الأيّام” إلى “الفرنسية، والألمانية، والروسية، والعبرية، والإنجليزية”. 90

فراسة طه حسين:

قالت: “كان طه يرى بلا عينين”. 83

تريد أن تقول أنّ له فراسة ثاقبة في معرفة حقيقة الأشخاص من خلال أصواتهم، وهو الذي لم يرهم.

ماحدث لطه حسين سنوات 1936/ 1932:

تحدّثت عن محنة مارس 1932حتّى نهاية سنة 1934، أي أربع سنوات، فقالت: “لم يكتفوا من طرده من الكلية، وأرادوا أيضا إحراق كتبه، فأخذوا منه بيته الذي يسكن فيه، وأغرقوه بالشتائم، وحاولوا أن يحرموه من كلّ وسيلة للعيش بمنعهم مثلا بيع الصحيفة التي كان يصدرها، وإنذارهم البعثات الأجنبية بالكفّ عن أن تقدّم له عروض عمل”. 90

لاشكّ أنّ طه حسين مدلّل مصر، ورفعته مصر فوق الكثير من الذين تفوّقوا عليه. لكنّه طُرد، وشتم، ومنع، وهدّد، بالإضافة إلى السّخرية. ورغم ذلك ظلّ عديم الشكوى.

العلاقة القوية جدّا التي ربطت بين طه حسين وماسينيون:

قالت: عقب الضّغوط التي تعرّض لها طه حسين سنوات 1932-1934، راسله ماسينيون وعرض عليه العمل في الولايات المتّحدة الأمريكية. لكنّه اعتذر ولم يسافر. 92

أقول: يتحدّث مالك بن نبي، وحمودة بن ساعي على “مطاردة؟!” ماسينيون لهما، ومنعهما من العمل، والتّحريض عليهما. وفي الوقت نفسه يتحدّث طه حسين عن عرض ماسينيون له بالعمل في الولايات المتّحدة الأمريكية. وتبقى المقارنة بحاجة إلى أن يقف عليها القارئ المتتبّع ويستخرج منها ما يمكن استخراجه. وكلّ من زاويته، وقراءاته.

قالت: فكّر طه حسين في الانتحار عقب الضّغوط التي تعرّض لها سنوات 1932-1943. وتؤكّد أنّها “لم تكن تلك طريقته في مواجهة العقبات”. 95

قالت: ولم يتأخّر ماسينيون قط عن المجيء إلى البيت. سواء أكان اليوم يوم أحد، أو لا إذا كان يمرّ عبر القاهرة. 112

قالت: شارك لويس ماسينيون بالاحتفال بإعداد كتاب “إلى طه في عيده السبعين”. وكانت تربطه صداقة بطه حسين امتدت لخمسة وأربعين عاما. وتعرّف عليه منذ حقبة الجامعة الأولى. وكان والد ماسينيون مكلّف بالاهتمام بالمبعوثين الشباب المصريين. 200

قالت عن ماسينيون: كان كثير الحضور لمصر. ولا يتغيّب أبدا عن بيتنا ولو للحظة قصيرة حين يزور مصر. 201

قالت: كان مؤنس ابن طه حسين طيلة الفترة التي قضاء بمعهد المعلمين العالي بباريس مواظبا على حضور محاضرات ماسينيون التي كانت تفتنه، وعند الخروج كانا يمشيان معا. وكان ماسينيون يستعلم باهتمام ودي عن كلّ مايقوم به طه من عمل أو يخطّط للقيام به. 201

مايجب ذكره أنّ سوزان تتحدّث بإعجاب شديد جدّا عن ماسينيون.

طه حسين والراتب الشهري:

تشكو سوزان دوما ضعف راتب طه حسين، وأنّه لا يكفي رغم المناصب العالية التي نالها طه حسين، والتّرقية، وارتفاع عدد سحب الجرائد التي أشرف عليها طه حسين كانتقال سحب إحدى الجرائد من 4OOO إلى 20000 ألف نسخة. 96.

والسّؤال الذي يطرحه القارئ المتتبّع: هل هذه الشكوى مرّدّها لطبيعة المرأة التي لا تشبع، ولا ترضى؟ أم حقيقة عاشها طه حسين؟.

قالت: “كان لا يتفاخر بفقره”. 63

طه حسين وترجمة كتبه:

ظهر كتاب “على هامش السيرة” سنة 1932، وفي نفس السنة ظهرت الترجمة الفرنسية لـ “الأيّام”. 101

أزعم أن ترجمات كتب طه حسين إلى اللّغة الفرنسية كان بدعم، وحرص، وحماسة، وحلم زوجه سوزان الفرنسية. بالإضافة إلى عوامل أخرى نجهلها.

قالت: تمّ ترجمة “الأيّام” لليابانية سنة 1975. ص 105

تحدّثت سوزان عن ترجمات قام بها طه حسين لكتب، ومقالات، ونصوص مسرحية، وفي عدّة مناسبات، وبشكل ليس باليسير. 133

طه حسين وعمادة الكلية:

قالت: أعيد طه حسين إلى كرسي الجامعة في ديسمبر 1934 في عهد رئيس الوزراء نسيم باشا. 103

يبدو أنّ تعاسة طه حسين كانت سنوات 1932-1934 حين طرد من عمادة الكلية. وسعادته، ومولده الجديد كان بتاريخ 1934 حين أعيد عميدا للكلية. وكأنّ حياة طه حسين مبنية على العمادة.

طه حسين مدلّل مصر:

قالت: “لم يبحث طه عن الشعبية قط”. 106

وقفت على ذلك وأنا أقرأ له.

قالت: “نادرا ما كان المسؤولين لا يلبون طلبه”. 106

يؤكّد هذا أنّ طه حسين مدلّل مصر.

سوزان التي تأخّرت عن زيارة قبر زوجها طه حسين:

قالت: زيارة قبر طه حسين للمرّة الأولى بتاريخ نوفمبر 1973. ص114

لم ألمس حزن سوزان على زوجها طه حسين. ولا يوجد أثرا لذلك. ويكفي أنّها لم تزر قبر زوجها إلاّ أيّام من وفاته. ومباشرة عادت لحياتها اليومية وكأنّ شيئا لم يحدث.

سوزان تتنكّر لبطولات الجزائريين:

تحدّثت سوزان الفرنسية عن “بطولات؟!” الفرنسيين أثناء الحرب العالمية الأولى. لكنّها لم تذكر بطولات الجزائريين الذين قادهم الاستدمار الفرنسي لمساعدته، والمشاركة في الحربية العالميتين الأولى، والثّانية، والحرب الصينية لتحرير فرنسا.

سوزان وزيارتها للجزائر أثناء الاستدمار الفرنسي:

زارت سوزان الجزائر سنة 1943، وبالمصادفة، ولمدّة عشرة أيّام، ودون زوجها طه حسين. ووصفت عمّال الموانئ، بقولها: “ولقد هزّني الهزال الشديد لعمال مينائه”.

مالم تذكره سوزان -عامدة متعمّدة- أن هزال الجزائري سببه الاستدمار الفرنسي. ولو تعمّقت في الدّاخل الجزائري، وجبال الجزائر، وقراها لرأت رأي العين الإبادة، والمجاعة، والأوبئة، والأمراض القاتلة بسبب الفرنسيين المجرمين المحتلّين، وهي الفرنسية.

تتحدّث عن الثّورة الجزائرية وتسميها “المعركة الجزائرية”، وعن المستدمرين الذين ولدوا في الجزائر، وعادوا لوطنهم فرنسا بعد استرجاع السّيادة الوطنية سنة 1962. و”حب الفرنسي للجزائر؟!” 120.

ما يجب قوله في هذا المقام: يحبّ المستدمر الفرنسي الجزائر التي احتلّها، واستولى على أرضها الخصبة، ونهب خيراتها. ولذلك “يحبها؟!”، ويحب العودة للنّهب، والسّطو وليس حبه للجزائر.

تستعمل سوزان مصطلح “المسألة الجزائرية؟!”. وتتعمّد -أقول تتعمّد- رفض استعمال مصطلح الاحتلال الفرنسي للجزائر، أو مايدلّ على ذلك. 157

أثر طه حسين على دائرة العلاقات لزوجه سوزان:

سفر سوزان كان كثيرا، ومتعدّدا. ويظهر حقيقة بٌعدها عن طه حسين بصفة كثيرة، ومتعدّدة، وباستمرار، ولأيّام وخاصّة رحلاتها خارج مصر.

ودائرة سوزان من حيث العلاقات كبيرة، ومتعدّدة، ومختلفة، ومستمرّة سواء داخل مصر، أو خارجها.

سؤال القارئ المتتبّع: هل هذا التّنوع، والاختلاف، واتّساع دائرة العلاقات نابع من مكانتها الذاتية؟ أم بفضل شهرة زوجها طه حسين؟ ولا أبالغ إذا قلت أنّ شهرة طه حسين لها دخل في هذه العلاقة، واتّساعها.

طه حسين والموسيقى:

طه حسين مولع بالاستماع للموسيقى، والمسرح. والسؤال الذي يطرحه القارئ المتتبّع: هل أثّر ذلك على كتابات طه حسين أم لا؟.

ما يجب ذكره أنّ طه حسين يعشق الموسيقى . لكنّه يتعامل مع أجراس الكنائس كموسيقى وليس كرمز ديني. ولذلك لم يعجبه الحال حين أدخلوا الآلات الموسيقية الكهربائية في الكنائس وتمنى لو بقت على حالتها الطبيعية. 218

طه حسين مدلّل القصر، ولم يغضب عليه:

تحدّثت سوزان وبشكل كبير، ومستمر، وبمناسبة، وغير مناسبة عن أنّ “القصر كان غاضبا على طه حسين”.

لم أقف أثناء قراءتي على هذا “الغضب؟!” الذي تحدّثت عنه، باستثناء فترة سنوات 1932-1934. وتلك مسألة أعقبت طبع كتابه “في الشعر الجاهلي”، وطرده من الكلية والتي كانت لها علاقة بالقضاء، والمخالفين، والمنتقدين له. ولم يكن لها علاقة بالقصر. ورفض القصر -فيما أزعم – التّدخل في القضايا الفكرية، والأساتذة، والجامعة.

نقد طه حسين للدولة العثمانية:

قالت: “كان طه يتألم دوما من التصرفات التي مارستها الإمبراطورية العثمانية في مصر خلال قرون”. 151

يبدو أنّ أعضاء حكومة اليونان أكرموا طه حسين عبر الاحتفال المقام في الجامعة، وبالغوا في الكرم، وأقاموا فيلما مستوحى من كتابه “الوعد الحق” مكافأة له -فيما أزعم- على موقفه المؤيّد لليونان ضدّ تركيا، والدولة العثمانية خاصّة وأنّ السّفير التركي غضب من محتوى كلمته التي ألقاها.

المصريين يهبون عيونهم لطه حسين:

تحدّثت سوزان عن مصريين، وعرب وضعوا عيونهم تحت تصرّف طه حسين، آملين أن يعود بصره. لكنّ سوزان أطالت المدح لفرنسي -وهي الفرنسية- قام بنفس الفعل. وأزعم لو أنّ الفرنسي لم يقم بما قام به ما سمعنا، ولا قرأنا عن عظمة المصريين، والعرب الذين منحوا عيونهم لطه حسين.

سوزان بين وفائها لوطنها فرنسا المعتدية، ومصر المعتدى عليها وطن زوجها طه حسين:

سوزان تحب وطنها فرنسا، وتحب مصر وطن زوجها. وفي الوقت نفسة “مستاءة من تصرّف فرنسا أثناء السويس” -هكذا قالت وبالحرف-. ومعجبة من كون المصريين لم يشتموها، ولم يسيئوا إليها.

لكنّها لم تصف “السويس؟!” بالعدوان الثلاثي. لأنّ فرنسا هي التي كانت ضمن الثّلاثي الصهيوني، والبريطاني، والفرنسي. وفصلت في الأمر حين قالت: “ثقتي ببلدي كانت وتبقى مطلقة”. 156

عشق طه حسين لفرنسا:

قالت سوزان عن زوجها طه حسين: “كانت لديه فكرة رفيعة عن فرنسا، وكان قد ناضل كثيرا للدفاع عنها في كثير من المناسبات، كما عمل الكثير لنشر ثقافتها، وبذل كلّ ما يستطيع للإبقاء على مؤسّسات التّعليم في أثناء الحرب”. 157

طه حسين يقفز على الجزائر المحتلّة، ويتعمّد عدم زيارتها:

تحدّثت سوزان وبشكل مطوّل، ومفصّل عن رحلات طه حسين لعديد من الدول الأوروبية، ومكة، والمدينة، وتونس، وتمّ القفز على الجزائر ولم يزرها.

ارتكب طه حسين نفس الجريمة التي ارتكبها صاحب “بساط الريح” سنة 1949 حين ذكر الدول العربية، وتعمّد -أقول تعمّد- عدم ذكر الجزائر، والقفز عليها.

كان طه حسين سائحا، وزائرا لمكة، والمدينة ولم يكن حاجا.

لم يذكر سبب عدم زيارة طه حسين للجزائر، والقفز عليها، ومحوها من جدول زياراته لا تصريحا، ولا تلميحا. وهذا التجاهل بحدّ ذاته جريمة من طرف طه حسين، وزوجه الفرنسية سوزان.

لا أتحدث عن عدم زيارة الجزائر، ولا ألوم من لا يزورها. فهي من الشؤون الداخلية التي نظلّ نحترمها، ولا نتدخل في شأن أصحابها، والدولة القائمة عليها. لكن من زار دول عربية وقفز على الجزائر متعمّدا فهو مجرم لا محالة، خاصّة أيّام الاستدمار الفرنسي. ويعتبر القفز على الجزائر وجه من أوجه الاستدمار الفرنسي الذي يسعى لطمس الجزائر بكلّ الوسائل ومنها القفز على الجزائر، وعدم زيارتها.

طه حسين وفضل الشرق الإسلامي على الغرب الأوروبي:

قالت سوزان: طه حسين مقتنع بإسهام الشرق في حضارة الغرب. لكنّه يركّز على أهمية دور البحر الأبيض المتوسط. 159

ما يجب ذكره أنّ الاستدمار ركّز سابقا، والغرب حاليا على دور البحر الأبيض المتوسط في بناء الحضارات، وتطور المجتمعات المحيطة بها.

المرأة المصرية أيّام طه حسين:

قالت سوزان بعدما شهدت حفل استقبال شوقي لطاغور سنة 1926: “وكنت المرأة الوحيدة، شأني في الكثير من المرّات”. 167

هذه الحالة تعبّر عن وضعية المرأة المصرية، والعربية، وثقافة المجتمع يومها. وللقارئ أن يقارن بعدها.

طه حسين وقلّة الأكل:

قالت: “كان طه حسين قليل الأكل. وكأنّه يمنّ علينا بالأكل”. 174

يبدو ذلك واضحا من الصور، والمقاطع التي نشرت عنه.

لماذا ألّف طه حسين بعض كتبه بأوروبا؟:

ممّا وقفت عليه أنّ عدّة كتب لطه حسين كـ: “الأيام”، و”الفتنة الكبرى” وأخرى -لا تحضرني الآن- ألّفها في أوروبا. ولم تذكر الأسباب. ولم يذكرها في كتبه -فيما أتذكّر، ولغاية هذه الأسطر-.

لا أبالغ إذا قلت أنّ معظم وقت طه حسين قضاه سائحا في أوروبا. وأزعم أنّ ذلك من الأسباب التي دفعته لتأليف بعض كتبه في أوروبا.

النزهة بالنسبة لطه حسين:

قالت: “كان يحب القيام بالنزهات”. 176

كان التنزه لشم رائحة الورود المختلفة، وربّما شمّ رائحة تراب الأرض بعد أن يمسّه المطر الخفيف. وأزعم أنّ حالته لاتسمح بأكثر من ذلك.

حكم طه حسين:

قال طه حسين: “عندما لا نستطيع دفع الشّرّ فلا أقلّ من أن نسخر منه”. 92

“الكتابة هي أيضا العمل”. 158

“إنّ الإسلام دين الصفاء والتسامح”. 165

طه حسين وفلسطين:

قال طه حسين بتاريخ: نوفمبر 1945، وفي لقاء له مع مجلة فرنسية l’image du monde: ” لقد انتهت الحرب بالقنبلة الذرية، لكنّها تركت قنبلة زمنية هي فلسطين”. 205

مصر التي منعت ابنها المدلّل طه حسين:

أجرى طه حسين عملية جراحية بالقرب من الدماغ بالسويد، وهو في السّبعين من عمره، وعلى نفقته الخاصة، وبأضعاف. ولم تتكفّل بها مصر. 195

أوقفت جريدة “الجمهورية” المصرية عقدها مع طه حسين سنة 1964. ص196

تأسفت سوزان لأنّ وسائل الإعلام المصرية لم تعد تتحدّث عن حياة طه حسين بعد خروجه من الوزارة. 196

قالت: منع كتاب “المعذبون في الأرض” لطه حسين في مصر، وطبع بلبنان سنة 1949.

مقتطفات عن طه حسين:

قالت سوزان عن زوجها طه حسين: “كان نادرا ما يطلب شيئا ما”. 194

قالت: “كان طه حسين بالقرآن شغوفا”. 197

قالت: “لم يكن طه من عبدة الألقاب”. 142

الثّلاثاء 7 شوال 1445هـ، الموافق لـ 16 أفريل 2024

الشرفة- الشلف- الجزائر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى