رسالة لغير الحجاج
العيد في حياتنا له طعمه ، هو فرحة فيها تشرق الروح استبشارا باختتام عبادة ربانية ، أحيا المسلمون أيامها و لياليها في مجاهدة و استباق الطاعات ، في أيامها القلوب تتعلق بالسماء في اشتياق ، تشد الأنظار لبيت الله العتيق لتكتمل الفرحة ، استجابة لنداء علوي يتمناه كل مسلم ، أيام كلها في رحاب الرحمة و المغفرة ، فالله يدعو فيها أحبابه لخير الدنيا و الآخرة ، نقبل إلى الله في شوق كي تنالنا تلك الرحمات حتى ندركها .
يقول الله تعالى : ﴿وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: من الآية 268) ،
يكفينا أن نستحضر نية الفريضة، نخلص التوجه إليه طمعا في إتمام ركنه، يكفينا أن نستعد و نعد و بعدها فالله هو الموفق.
لا يهمنا بعد عقد النية حصول المقصد بعد التوجه إليه سبحانه ، فقد يدرك صاحب النية أجر القاصد ، فالنية تسبق العمل .
لحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم سيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم”، قالوا كيف يا رسول الله قال: “حبسهم العذر )
لو أننا لم ندرك ركن الحج ، فلا يمنعنا أن نعيش متعة الحج و أن نستمتع فنعيش مشاعر و أحاسيس الحجاج في العشر الأوائل من ذي الحجة ، نعيش بمشاعرنا و نحن نتأمل الحجيج و هم محرمون بلباس الطهر ، نعيش معهم ويكبرون ، نعيش معهم و هم يطوفون حول الكعبة المشرفة بأصواتهم الموحدة ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ) .
يكفينا أن نعيش معهم وهم يسعون بين الصفا و المروى ، نعيش معهم في أجواء الارتقاء النفسي و الصفاء الروحي و قد عزمنا أن تستقر حياتنا في رحاب عالم الطاعات ، فنجعل من الحج محطة عبور لحياة جديدة ، حياة تصبغها الطهارة ، نجعل منها محطة انطلاقة ، نبرم فيها الصفقات المربحة مع الله تعالى ، فنسعى لنشر الخير بالكلمة الطيبة التي تجمع و لا تفرق ، نجعل من عطاء العاملين طريقا لنا لنكسر الجمود و الكسل ، نجعل من الحج محطة لأحياء روح الأخوة الإسلامية فتذوب في نفوسنا نزعات الجاهلية ، فنؤثر الحب على الكراهية ، نؤثر الإجماع على التشتت و الافتراق ،نؤثر حياة الفضيلة على حياة الرذيلة ، نؤثر حياة البسطاء الأتقياء على حياة الترفع و الخيلاء ، نحب الخير لكل الناس ، نزور المرضى ، نتكافل مع المحتاجين ، ندخل السرور و البهجة في البيوت المحرومة ، نصلح ذات البين بين المتقاطعين من الأرحام و الأقارب ، نسامح و نعفو و نتراحم .
حتى يصدق فينا وصف الحبيب- صلى الله عليه وسلم- بقوله:( إن الله يحب من عباده الأتقياء الأخفياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا، وإذا غابوا لم يفتقدوا، أولئك مصابيح الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة) .
الأستاذ حشاني زغيدي