أحوال عربيةأخبار العالم

المقاومة الناعمة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي

الدكتور خيام الزعبي- كاتب سياسي

القوة الناعمة هو مصطلح صاغه في التسعينيات من القرن الماضي عميد مدرسة كيندي للدراسات الحكومية بجامعة هارفرد جوزيف س. ناي، حيث يعرّفها على أنها القدرة على الحصول على ما يُراد عن طريق الجاذبية، بدلاً من الإرغام أو دفع الأموال. فالقوة الناعمة تستخدم نوعاً مختلفاً من العمل، وهي ليست قوة القسر ولا المال لتوليد التعاون، بل هي الانجذاب إلى القيم المشتركة، والعدالة، ووجود الإسهام في تحقيق تلك القيم

إسرائيل التي تتفرد بقتل غزة وتتفنن بحصارها وترتكب أبشع الجرائم الإنسانية، وتنتزع أرواح المدنيين في القطاع بدون رحمة، وفوق كل ذلك تلقى الدعم والمباركة لكل جرائمها، ليس فقط أممياً بل عربياً، واليوم هي المرة الأولى في تاريخ حروبها المتّوجة بالإنتصارات تجد نفسها مشلولة بذات الحصار الذي تطوق به الآخرين، فإسرائيل أمام منعطف إستراتيجي لن تسعفها كل بشاعة القتل والدمار التي تمارسها أن تخفي إخفاقها في الخروج من مأزق غزة، وإرباكاتها التكتيكية أمام حركات المقاومة التي أصبحت مؤشرات معالمها واضحة للجميع.

لطالما ارتبط اسم ” المقاومة” بالصاروخ والمدفع والعمليات الحربية، أي ما يعرف بـ “القوة الصلبة”، التي أملتها عليها ظروف انخراطها في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي خوضها حروب دفاعية عدة بمواجهة العدوان الارهابي، غير ان عناصر القوة التي تمتلكها “المقاومة” لا تركز فقط على القوة الخشنة كما يظن كثيرون، بل إنها تمتلك عنصر قوة شديد الأهمية، يوازي بفاعليته ونتائجه السياسية والثقافية والإعلامية والجماهيرية والاجتماعية القوة العسكرية، الا وهو عنصر ” القوة الناعمة”.

أن القوة الناعمة تصلح كوسيلة للنجاح في الصراع مع إسرائيل؛ لانتزاع الحق الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية، أو تسويق حل الدولة الواحدة، ويضاف إلى هذا التصور النضال من أجل الحفاظ على القدس، أي أن القوة الناعمة تمتلك القدرة على قلب وتغيير الديناميكية الدولية، وانتزاع شرعية إسرائيل، وتصويرها كدولة مارقة على القانون الدولي.

إن المقاومة نجحت في تبني سياسة القوة الناعمة كأداة من أدوات حل الصراع، لكشف سياسات إسرائيل العنصرية، كتبني مشروع المقاومة السلمية على صعيد الأمم المتحدة، حيث صوتت 138 دولة لصالح عضوية فلسطين كدولة في الأمم المتحدة، واتخاذ الاتحاد الأوروبي قرارًا بمقاطعة المستوطنات، وإنشاء الحملات الأكاديمية، ووسم إسرائيل بدولة الفصل العنصري “الأبارتهايد”، ونبذ الرواية الصهيونية.

وللثقافة العاملة، بوصفها أداة من أدوات القوة الناعمة، أشكال كثيرة لا حصر لها، فمن الجوانب الثقافية المستخدمة بالنسبة للدول التي تسعى للتأثير في شعوب الدول الأخرى، برامج التبادل الثقافي، والتبادل الطلابي، ونشر اللغة القومية، وفتح المؤسسات التعليمية في الخارج، وتقديم المنح الطلابية لطلبة الدول الأخرى، أما بالنسبة للمنظمات والمؤسسات والأحزاب فإن الأشكال الثقافية للقوة الناعمة تتركز أكثر في المسلسلات والأفلام والأغاني والأناشيد الوطنية.

إذ تقوم هذه الأناشيد بوظائف التعبئة الوطنية والحشد ورفع الروح المعنوية والدعم والمؤازرة، وتقوم كذلك بوظائف لا تقل أهمية عن المذكورة سابقًا، وهي وظائف الإرشاد والتوجيه والتوعية، خاصةً لدى الأوساط التي تتعرض لتجاذبات سياسية وثقافية تسعى لتفريغ الروح الوطنية وسلب النزعة الفدائية من عقول الناس وقلوبهم، ومحاولة إقناعهم بالحلول السلمية والوساطات الدولية بديلًا عن المقاومة، الحقّ الأصيل والمكفول للشعوب التي تعيش تحت الاحتلال، بالمنطق الأخلاقي والشرعي، وحتى بمنطق القوانين الدولية.

وعن فرص القوة الناعمة في النضال ضد الكيان الصهيوني التي يمكن الانطلاق منها لبناء إستراتيجيات المواجهة الناعمة في القدس وفلسطين عموما، ومنها تصوير الفلسطينيين باعتبارهم شعبا مظلوما تحتله إسرائيل، والتحيز الكامل الأميركي لإسرائيل، بالإضافة الى العدوان العسكري الإسرائيلي المتكرر على الفلسطينيين، الأمر الذي جعل الكثير من الصورة الحضارية التي روجت لها إسرائيل عن نفسها تتغير لصالح الفلسطينيين، والرغبة الغربية وخصوصاً الأوروبية في التواصل مع العرب، فضلاً عن نجاح نماذج تحررية مماثلة لحالة الفلسطينيين.

ولتعزيز مكانتها في إطار تلك العلاقات، أعطت “المقاومة” أولوية لإنشاء مراكز البحث، أو تطوير القائم منها، وتشير الدراسات المختلفة إلى أنها استطاعت إنشاء مراكز بحث كثيرة، إن على صعيد الجامعات أو المراكز الخاصة، وذلك لإنتاج معرفة المقاومة التي تعد عنصراً أصيلا من عناصر ومؤشرات إنتاج القوة الناعمة، ونستطيع من خلالها إقناع الجامعات، ومراكز البحث المهمة في الدول الغربية، والتي تساهم في صنع القرار، أو من خلال إنتاج الكتب المتعلقة بمقاومة الاحتلال والأبارتهايد، وهذا يمكن أن ينقل تجربتنا بشكل مؤثر جدًا إلى المحافل الأكاديمية، ويساهم في تغيير الرأي العام الدولي.

إذاً، في جميع الأحوال، أن أشكال المقاومة الناعمة والشعبية في مواجهة المشروع الاستعماري الاحتلالي، يجب أن تصبح ثقافة وطنية، وجزءاً أصيلاً من الوعي الوطني الفلسطيني.

ونحن كسوريين، نرفع القبعة تقديراً واعتزازاً لكل مقاوم، منتج، مخرج، مؤلف، وفنان سوري، كرّس بفنه وبعمله – سواءً بالاشارة أو بالتلميح أو بوضوح شديد – أن “إسرائيل” هي الخطر والآفة، التي تعيثُ خراباً وإفساداً في أصقاع أمتنا وشعوبنا العربية والإسلامية.

فتحية من سورية الأبية المرابطة، من سورية جمال عبد الناصر إلى أطفالنا في غزة وإلى كل مقاوم وكل شهيد يسقط على أرض فلسطين من أجل تحريرها شبراً شبراً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى