أخبارفي الواجهة

المبادرة الصينية لبناء الحضارة العالمية

آدم الحسن

اجتمع في العاصمة الصينية بكين في منتصف اذار من هذه السنة 2023 ممثلي الحزب الشيوعي الصيني مع أكثر من 500 من قادة الأحزاب و المنظمات و الحركات السياسية من أكثر من 150 دولة لإجراء حوار و تبادل الآراء و المعرفة لتشخيص طبيعة المرحلة الحالية التي تمر بها البشرية و وضع اسس تنمية اساسها المصير المشترك للبشرية .
لقد ركزت جلسات الاجتماع على التعرف على المبادرة الصينية و موضوعها ” الحضارة العالمية ” حيث تضمنت هذه المبادرة اربعة اسس لبناء هذه الحضارة هي :
اولا : احترام تنوع الحضارات .
ثانيا : الدفاع عن القيم المشتركة للإنسانية .
ثالثا : التقدير الشديد لميراث الحضارات المختلفة .
رابعا : الدعم المشترك للنشاطات الشعبية .
لقد جاءت المبادرة الصينية لتدحض ما ورد من افكار و توجهات التي طرحها فوكوياما في مؤلفه ” نهاية التاريخ ” و التي لخص فيها مستقبل البشرية في اتجاه أو خيار واحد و كانه امر ملزم و حتمي و هذا الخيار هو السيادة للقيم الليبرالية التي اعتبرها المصير الوحيد للبشرية و حكم على التاريخ بالتوقف عند هذا الخيار , كذلك دحضت هذه المبادرة التصور الذي توصل اليه صومايل في مؤلفه ” صراع الحضارات ” و التي لخص فيها المستقبل بكونه ليس صراع بين دول و انما صراع بين حضارات و بذلك جاءت هذه المبادرة للتغلب على المفاهيم التي تروج لها الأنظمة الرأسمالية بكل ما تتضمنه من غطرسة و تحيز فكري .
إن الشعور بالمخاطر المشتركة لكافة الأمم كالتغيير المناخي و الأضرار البيئية و انتشار الأمراض و الأوبئة و غيرها من الهموم المشتركة للبشرية هو الذي يدفع البشرية بحضاراتها المختلفة للتوحد و للبحث المشترك عن حلول واقعية تتعاون على تنفيذها جميع الدول .
لقد اكد الكثير من قادة الاحزاب السياسية في هذا اللقاء دعمهم للمبادرة الصينية و استعدادهم للمساهمة معا ليناء حضارة عالمية وفق اسسها الأربعة المقترحة من قبل الحزب الشيوعي الصيني و جعلها اسس حيوية بالنسبة لعالم اليوم من اجل تثبيت قيم السلام و التنمية و العدالة و الأنصاف لكل الشعوب دون تمييز .
من المؤكد أن المبادرة الصينية اخذت لها مكانة مميزة لكونها رافقت الصعود الصيني في العلوم و التكنولوجيا و الاقتصاد بما يمنح الصين القدرة لكي تكون مركزا حضاريا عالميا .
لقد ورد في المبادرة نقاط هامة بالنسبة لعموم المجتمعات البشرية لابد من الإشارة اليها و هي :
اولا : المحافظة على التقاليد الحميدة المتأصلة في الحضارات السابقة و هذا يتضمن عدم الانحياز و الجري الفوضوي وراء بعض المفاهيم الحداثية للأخلاق كتشجيع المثلية الجنسية بدلا من معالجتها .
ثانيا : احترام التنوع الحضاري .
ثالثا : إشاعة مبدأ التسامح بدل من تفعيل الصراع بين الحضارات .
رابعا : التعلم المتبادل , ففي كل ثقافات الشعوب هنالك جوانب ايجابية يمكن اشاعتها و التعلم المتبادل منها .
خامسا : ضرورة دمج التنمية بالتحديثات الوطنية في البلدان المختلفة .
سادسا : التمسك بمبدأ الاستقلال مع استكشاف مسارات متنوعة نحو التحديث .
سابعا : حماية النزاهة و العدالة الدولية .
ثامنا : تعزيز السلام و الاستقرار في العالم .
كانت دعوة الحزب الشيوعي الصيني لقادة الأحزاب و الحركات و المنظمات السياسية و لم تكن موجهة للحكومات حيث شملت الدعوة احزاب شيوعية و اشتراكية و ليبرالية و قومية و دينية , تنوع كبير من التشكيلات السياسية التي لها حضور مؤثر في اكثر من 130 دولة , و السبب في ذلك إن قيادة الحزب الشيوعي الصيني تعتقد أن هذه التشكيلات السياسية المتنوعة قادرة على أن تكون قوة مهمة توجه عملية التحديث و تحديد أي نوع من التحديث تحتاجه المجتمعات و كيف يمكن تحقيقه .
إن المتتبع للتجربة الصينية سيجد التحديث فيها عبارة عن تحديث صيني النمط , و الاشتراكية في الصين ذات خصائص صينية , تجربة متجذرة في الظروف الوطنية للصين و تستفيد أيضا من تجارب الدول الأخرى حيث نجحت في تحقيق الفائدة للشعب الصيني و دفعت بالتنمية المشتركة للعالم .
كان اهتمام المشاركين و هم يمثلون الجزء الأعظم من التشكيلات السياسية في العالم هو التأكد من إن الصين في سعيها للتحديث و التنمية و بناء الحضارة العالمية لن تسلك طريق النهب الذي سلكته الدول الاستعمارية بمجرد أن تصبح الصين دولة قوية ذات نفوذ واسع , أما الرئيس الصيني شي فقد أعلن استعداد الصين لشرح تجربتها للأمم الأخرى بما مرت به من نجاحات و اخفاقات و تقديم الحلول الصينية النابعة من هذه التجربة و ذلك لمزيد من التعاون بين الأمم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى