الكلاسيكو السنوي !!
الكلاسيكو السنوي !!
حسين علي محمود
في نهاية كل عام تظهر آراء وجدل بين مؤيد ورافض لتهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد وكأن هذه الاعياد هي وليدة اللحظة ولم تكن موجودة منذ الالف السنين في التقويم والمسيحيين متعايشين مع المسلمين منذ القدم في بلد مليء بالديانات والقوميات المتعددة اسلام ومسيح وصابئة وايزيديين منصهرين مع بعض والتعايش السلمي بينهم متجذر ومتعانق في اطار الإنسانية والمحبة الاخوية يجمعهم وطن واحد وعلم واحد ومعاناة واحدة في كل شيء، مثل باقة ورد زاهية تعطي رائحة واحدة زكية، لا يعرفون العنصرية وليس في تربيتهم الاسرية اي مفردات طائفية واثنية.
«الإنسان عدو ما يجهل» لهذا يتخذ بعضنا مواقف مضادة للأديان الأخرى دون أن يعلم عنها شيئاً، ناهيك من دراستها أو حتى الاطلاع عليها، مع أن الله أمرنا بالإيمان بالأديان السماوية وبكل الكتب والرسل دون تفريق : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير ) [البقرة:285- 286].
المعايدة تدخل من المنظور الاجتماعي والانساني وليس الديني البحت، لان من غير المعقول اذا هنئة جارك المسيحي او صديقك معناه انت تؤمن بما يؤمن هو والامر بالعكس اذا هنئك صديقك المسيحي بعيدك او في قدوم شهر رمضان هنا اصبح يؤمن بمعتقداتك!!
كما ان المعايدة غير مفروضة على احد، ان شئت قدم معايدتك او لا تفعل، ولم نسمع ان شخصا من احدى الديانات فرض على الاخرين بالقوة ان يعايده بالعيد.
اما ان تتهم الاخرين باشياء بعيدة عن المعنى الحقيقي للاسلام الذي هو دين الوسطية والاعتدال والمحبة والتسامح فهذا لا يجوز، كما أن الاختلاف بين جواز المعايدة من حرمتها هو اختلاف فقهي بين بعض المسلمين، لكن دون اثر فعلي.
طيب لماذا لا ناخذ الامور بعقلانية اكثر ومنطق الصواب يقول من القرآن الكريم ” لكم دينكم ولي دين “
والله سبحانه وتعالى لن يحاسب انسان عن افعال انسان اخر.
اقول ان معايدة غير المسلم هي أيضا من باب رد التحية فإذا كان يحييني بالمعايدة فى عيدي فأنا ارد له التحية في عيده ايضا بمثلها أو أحسن منها. ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) [النساء – 86]كذلك التهنئة ليست كما يقول البعض أنها من باب الولاء لهم، فكيف تكون من باب الولاء والله تعالى يقول ( اتبعوا ما أنـزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ) [ الأعراف – 3]فالولاء تعني الإتباع فإذا كنت اتبع ما أنزل من رب العالمين فأين الولاء اذن لغير المسلم عندما اعايده وأخيه فى عيده؟؟
يقول عز وجل ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) [ الممتحنة: 9]فالموالاة للذين يقاتلونا فى الدين ويخرجونا من ديارنا فمن يتولهم هم الظالمون وهذا هو الولاء المنهى عنه.
ان الله يؤاخذ بما كسبت نيتك وبما عقدت عليه ايمانك، فهل المعايدة لهم هو إقرار بمعتقداتهم؟؟
( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمنكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور رحيم ) [البقرة:225]يعني يؤاخذك الله على الذي كسبه قلبك من فعل أو بما عقدت عليه، إذن المعايدة ليس ايمان بمعتقداتهم لكن من منظور اجتماعي وانساني يكون القاء التهنئة والتحية في أعيادهم.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوصي المسلمين باقباط مصر ( إذا فُتحت مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما ) – صحيح الجامع.
هناك الكثير من الآيات في القرآن الكريم تؤكد ان المسيحيين اهل كتاب وعبادة واصحاب انسانية ومودة.
ما جاء فى القرآن الكريم بشأن الديانة المسيحية، كثير جدا
لقد أطلق القرآن الكريم على المسيحيين «أهل الكتاب» و«الذين أوتوا الكتاب من قبلكم» و«الذين آتيناهم الكتاب» و«النصارى» ووصفهم بالإيمان، وعبادة الله وعمل الخير، يقول الله فى سورة آل عمران آية 113: «من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويسارعون فى الخيرات، وأولئك من الصالحين» وأمرنا بمجادلتهم بالتى هى أحسن، يقول الله فى سورة العنكبوت آية 46: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن»، كما أمرنا بإعلان إيماننا بما أنزل إليهم فى قوله في سورة العنكبوت آية 46: «وقولوا آمنا بالذى أنزل إلينا و أنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون»، كذلك وصف القرآن الكريم النصارى بأنهم ذوو رأفة ورحمة، فقال فى سورة الحديد آية 27: «وقفينا بعيسى بن مريم، وآتيناه الإنجيل، وجعلنا فى قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة»، والله سبحانه وتعالى اعتبرهم أقرب الناس مودة للمسلمين، إذ قال فى سورة المائدة 82: «لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى، ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون»، في هذه الآية القرآن يفصل بين النصارى والذين أشركوا لأن الآية تضع «اليهود» و«الذين أشركوا» فى جانب، و«النصارى» فى جانب آخر، فلو كان النصارى من المشركين لما صح هذا الفصل والتمييز، وايضا فى سورة الحج آية 17: «إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا، إن الله يفصل بينهم يوم القيامة»، وهكذا يوضح لنا القرآن الكريم أن المسيحية شريعة سماوية أرسلها الله لهداية الناس على يد المسيح بن مريم، وأن المسيحيين غير المشركين، وأنهم أقرب الناس مودة للذين آمنوا.
الخلاصة :
العراق عامة الموصل خاصة مدينة التنوع فيها المسلم والمسيحي واليزيدي منذ القدم، أجدادنا الذين هم افقه منا بالدين كانوا يتبادلون التهاني والتبريكات مع كل الطوائف، وهم اخوتنا ومصيرنا واحد، وان هذه الافعال اساس التعايش السلمي والمحبة مع بقية مكونات مجتمعنا الذي يعكس روح التسامح والتعايش السلمي بين الافراد، بغض النظر عن اختلاف دياناتهم أو معتقداتهم، فهو أساس بناء مجتمع قوي ومزدهر، يقوم على احترام العقائد والقيم المشتركة يعزز الوحدة الوطنية ويخلق بيئة تحترم التنوع وتحتضنه كعنصر قوة.