العنف والاغتصاب ضد النساء
د. حسام الدين فياض
لا يعتبر العنف ظاهرة جديدة وليدة اليوم أو الأمس القريب، إنما هي ظاهرة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ الإنساني حتى تصل إلى بدء الوجود الإنساني على وجه هذه البسيطة، وقصة قابيل وهابيل هي أبرز مثال على ذلك، حيث شهدت الأرض آنذاك أول جريمة قتل عرفها التاريخ الإنساني تم استخدام العنف فيها.
أما في يومنا المعاصر نجد أن رغم ما توصلت إليه المجتمعات الحديثة من تطور ورقي في جميع مجالات الحياة المادية، والثقافية، والاقتصادية، تبقى ظاهرة العنف سمة من سمات البشر يتسم به الفرد والجماعة، ويكون عندما يكف العقل عن قدرة الإقناع أو الاقتناع، فيلجأ الإنسان لتأكيد الذات بالعنف من خلال ضغط جسمي أو معنوي ذو طابع فردي أو جماعي، فيمارسه الإنسان بقصد السيطرة أو التدمير. ويعد العنف ظاهرة اجتماعية عالمية شاملة، ليست خاصة بمجتمع معين، أو مكان، أو زمان معينين.
وقد أثار انتشار ظاهرة العنف في المجتمعات العربية في الآونة الأخيرة مجموعة من التساؤلات عن أسبابها، وحواضنها، والدوافع التي تغذي استمرارها، والآثار والنتائج المترتبة عليها، حيث بات شيوع كلمة العنف ومفرداتها أمر طبيعي في السياق الكلامي لأفراد المجتمع، وفي وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، كما ارتبطت هذه الكلمة بكثير من الظواهر والأحداث مثل التطرف، التفكك الأسري، والعنف ضد الأطفال وبالأخص العنف ضد المرأة من خلال الاغتصاب، والاعتداء، والتحرش الجنسي.
كما أكدت العديد من الدارسات أن من بين أهم أسباب تفشي ظاهرة العنف في المجتمعات العربية عموماً، ظاهرة التفكك الأسري، وارتفاع معدلات الفقر، والبطالة، والأزمات الاقتصادية الخانقة واضطراب العلاقة بين الوالدين، وانتشار الطلاق النفسي بين الأزواج، كذلك التسرب المدرسي وفشل مخرجات العملية التعليمية في تحقيق الأهداف المرجوة منها، كما أشارت أيضاً إلى أن الفضاءات وشبكة الانترنت وبعض البرامج التلفزيونية والمواد الإعلانية تلعب دوراً مهماً في انتشار ظاهرة العنف، كذلك الأمر بالنسبة إلى انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات والشروبات الكحولية بين الشباب يعتبران من الأسباب المهمة في تنامي ظاهرة العنف الاجتماعي. بالإضافة إلى تداعيات الحروب الكارثية وما تخلقه من ثقافة للعنف وشيوع للقتل وتجاوز لحقوق الإنسان وبما تفرزه من نتائج مدمرة للاقتصاد والأمن والتماسك والسلام الاجتماعي.
ويُعرف العنف لغوياً بأنه كل قول أو فعل ضد الرأفة والرفق واللين، وهو فعل يجسد الطاقة أو القوة المادية في الإضرار المادي بشخص آخر. أما اصطلاحياً هو كل سلوك عدواني يتجه إلى الاستخدام غير الشرعي للقوة أو التهديد بهدف إلحاق الضرر بالغير، ويقترن العنف بالإكراه والتكليف والتقييد، وهو نقيض الرفق لأنه صورة من صور القوة المبذولة على نحو غير قانوني بهدف إخضاع طرف لإرادة طرف آخر. ورغم تعدد العوامل المؤدية إلى العنف، إلا أن منطلقه الأساسي هو غريزة العدوانية المتفاوتة في قوتها بين إنسان وآخر، وهي غريزة يتأثر أسلوب التعبير عنها بظروف متعددة منها الثقافة السائدة، فمثلما أن العدوان غريزة، فإن الشعور الاجتماعي والضمير والإحساس بالذنب كذلك مشاعر فطرية لدى الفرد، وبالتالي فإن العنف لا يصدر عن فرد ما على الأغلب إلا وقد رافقته أفكار ومشاعر سلبية يستند إليها لتبرير اعتدائه. ومهما اختلفت الدوافع والوسائل والأهداف والنتائج، فإنها جميعها تشير إلى مضمون واحد وهو العنف الذي يهدف إلى إلحاق الأذى بالذات أو بالآخر.
كما يُعرف العنف ضد المرأة على أنه ” كل فعل يمثل تدخلاً خطيراً في حريتها وحرمانها من التفكير والرأي والتقرير والسلوك ويتجاوز هذا العنف الأذى الجسدي ليشمل الأذى المعنوي، والنفسي، ومن ثم، فإن العنف تجاه المرأة هو كل قول، أو تصرف، أو رأي، أو علاقة، من قبل أفراد المجتمع يلحق بها ضرراً مادياً أو معنوياً، يتمثل في التدخل في التعبير عن آرائها وسلوكها بحرية واستقلالية، وعدم معاملتها كعضو حر وكفء في الأسرة، أو يحولها إلى وسيلة، أو أداة لتحقيق أغراض ذكورية في المجتمع. وعلى العموم يمكن لنا إرجاع ظاهرة العنف ضد المرأة إلى الأسباب الآتية:
1- الأسباب الذاتية: تعد المرأة نفسها هي أحد العوامل الرئيسية لبعض أشكال العنف وذلك لتقبلها له والتسامح والخضوع أو السكوت عليه مما يجعل الآخر يتمادى أكثر. وغالباً ما يكون هذا السبب مفعّل عندما لا تجد المرأة المعنفة من تلجأ إليه ومن يقوم بحمايتها. كما إن ضعف المرأة نفسها في المطالبة بحقوقها الإنسانية والعمل لتفعيل وتنامي دورها الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي، والثقافي.
2- الأسباب الثقافية: كالجهل وعدم معرفة كيفية التعامل مع الآخر وعدم احترامه وما يتمتع به من حقوق وواجبات تعد عاملاً أساسياً للعنف. وهذا الجهل قد يكون من الطرفين المرأة والشخص الذي يمارس العنف ضدها. فجهل المرأة بحقوقها وواجباتها من جهة، وجهل الآخر بهذه الحقوق من جهة أخرى قد يؤدي إلى التجاوز وتعدي الحدود. فضلاً عن تدني المستوى الثقافي للأسر وللأفراد والاختلاف الثقافي الكبير بين الزوجين بالأخص إذا كانت الزوجة هي الأعلى مستوى ثقافياً مما يولد التوتر وعدم التوازن لدى الزوج كرد فعل له فيحاول تعويض هذا النقص باحثاً عن المناسبات التي يمكن انتقاصها واستصغارها بالشتم، أو الاهانة، أو الضرب. إذن التخلف الثقافي العام وما يفرزه من جهل بمكونات الحضارة والتطور البشري الواجب أن ينهض على أكتاف المرأة والرجل على حد سواء ضمن معادلة التكامل بينهما لصنع الحياة الهادفة والمتقدمة، يعد سبباً أساسياً من أسباب العنف ضد المرأة.
3- الأسباب التربوية: إذ قد تكون أسس التربية العنيفة التي نشأ عليها الفرد هي التي تولد لديه العنف وتجعله ضحية له حيث تشكل لديه شخصية وتائهة وغير واثقة مما يؤدي إلى جبر هذا الضعف في المستقبل بالعنف، بحيث يستقوي على الأضعف منه وهي المرأة، فالعنف يولد العنف.
4- العادات والتقاليد: إذ هناك أفكار وتقاليد متجذرة في ثقافات الكثيرين والتي تحمل في طياتها الرؤية الجاهلية لتمييز الذكر على الأنثى مما يؤدي إلى الإقلال من دور الأنثى في المقابل تكبير دور الذكر حيث يعطى الحق دائماً للمجتمع الذكوري للهيمنة والسلطة وممارسة العنف على الأنثى منذ الصغر وتعويد الأنثى على تقبل ذلك وتحمله والرضوخ إليه إذ إنها لا تحمل ذنباً سوى أنها ولدت أنثى. ولا يخفى ما لوسائل الإعلام من دور يسهم في تدعيم هذا التمييز وتقبل أنماط من العنف ضد المرأة في البرامج التي تبث واستغلالها بشكل غير سليم. وإن النظرة القيمية الخاطئة التي لا ترى أهلية حقيقية وكاملة للمرأة كإنسان كامل الإنسانية حقاً وواجباً، هو ما يؤسس لحياة تقوم على التهميش والاحتقار للمرأة وبالتالي للعنف ضدها.
5- الأسباب البيئية: تضغط المشكلات البيئية على الإنسان كالازدحام وضعف الخدمات ومشكلة السكن وزيادة عدد السكان…إلخ، فضلاً عما تسببه البيئة من احباطات للفرد إذ لا تساعده على تحقيق ذاته والنجاح فيها كتوفير العمل المناسب للشباب، كل ذلك يدفعه دفعاً نحو العنف ليؤدي إلى انفجاره على من هو أضعف منه ألا وهي المرأة.
6- الأسباب الاقتصادية: إن الخلل المادي الذي يواجهه الفرد أو الأسرة والتضخم الاقتصادي ينعكس على المستوى المعيشي لكل من الفرد أو الجماعة، حيث يكون من الصعب الحصول على لقمة العيش والحياة الكريمة التي تحفظ للفرد كرامته الإنسانية، بذلك تعد المشكلات الاقتصادية من أهم المشاكل التي تضغط على الفرد لأن يكون عنيفاً ويصب جام غضبه على الآخر وبالأخص المرأة. فضلاً عن ذلك مفهوم النفقة الاقتصادية التي تكون للرجل على المرأة وأنه هو من يعول المرأة لذا يعطي لنفسه الحق بتعنيفها وذلك عبر إذلالها وتصغيرها هذا جهة. ومن جهة أخرى تقبّل المرأة ذاتها لهذا العنف لأنها لا تتمكن من إعالة نفسها أو إعالة أولادها. كما أن ثقل الأزمات الاقتصادية الخانقة وما تفرزه من عنف عام بسبب التضخم والفقر والبطالة والحاجة جعلت من العامل الاقتصادي يحتل 45% من حالات العنف ضد المرأة.
7- عنف الحكومات والسلطات: إذ تأخذ الأسباب نطاقاً أوسع ودائرة أكبر عندما يصبح العنف بيد السلطات العليا الحاكمة وذلك بسن القوانين التي تُجيز تعنيف المرأة أو تأييد القوانين وحمايتها لمن يقوم بالعنف ضدها أو عدم نصرتها عندما تمد يدها لطلب العون منهم وإنصافها ضد مَنْ يمارس العنف ضدها.
8- الاستبداد السياسي: يعتبر الاستبداد المانع الأساسي لتطور المجتمع ككل والذي يقف حجر عثرة أمام البناء العصري للدولة والسلطة، فضلاً عن انتفاء الديمقراطية بما تعنيه من حكم القانون والمؤسسات والتعددية واحترام وقبول الآخر كثقافة وآلية تحكم المجتمع والدولة بحيث تكون قادرة على احترام مواطنيها وتنميتهم وحمايتهم بغض النظر عن اختلاف النوع (الجنس).
9- تداعيات الحروب الكارثية وما تخلقه من ثقافة للعنف وشيوع للقتل وتجاوز لحقوق الإنسان وبما تفرزه من نتائج مدمرة للاقتصاد والأمن والتماسك والسلم المجتمعي.
وفيما يتعلق بالأسباب المباشرة لانتشار العنف الجنسي ضد المرأة يمكن لنا إجمالها بما يلي:
أ- تعاطي المواد المخدرة: هناك علاقة وثيقة بين تعاطي المواد المخدرة وبين سلوك العنف والانتهاك الجنسي للمرأة وقد اعتمدت نظريتين في هذا السياق الأولى: هي نظرية إنكار المسؤولية والتي تذهب إلى أن الفرد عادة ما يبرر سلوكه المنحرف بأنه قد فعل ذلك وهو تحت تأثير المخدر، أما الثانية تشير إلى فكرة ” تعطيل الزمن وتذهب إلى أن الناس يتناولون الكحوليات ليفعلوا ما يحلو لهم ولا يستطيعون القيام به في صحوهم.
ب- الأدب والفن الإباحي: تكشف معظم الدراسات التي تناولت الانتهاك الجنسي للمرأة إلى مشاهدة الرجال للفن الجنسي الإباحي والشاذ يعتبر عاملاً مشجعاً على ارتكاب السلوك الجنسي العنيف. بالإضافة إلى انتشار الفضائيات والمواقع الإباحية التي تشجع على الإقدام على ممارسة فعل الاغتصاب والدعارة. وأخيراً يعتبر فشل عملية التنشئة الاجتماعية والانحلال الأخلاقي والابتعاد عن التعاليم الدينية السامية التي تحض على العفة والتحلي بالأخلاق الحميدة والقويمة من العوامل المهمة في انتشار الجرائم الجنسية.
وفي النهاية نقول إن العنف ضد المرأة أياً كانت طبيعته وغاياته هو انتهاك لحقوق الإنسان للمرأة ويمنعها من التمتع بحقوقها الإنسانية وحرياتها الأساسية مثل الحق في الحياة والأمن الشخصي والحق في التعليم والحق في التعبير عن رأيها والحق في المشاركة في الحياة العامة. هذا الانتهاك يبقي المرأة في وضع التبعية ويساعد على استمرار التفاوت في توزيع القوى بين الرجل والمرأة.
وتعتبر جريمة الاغتصاب – على سبيل المثال – شكل من أشكال الجرائم التي تتسم بأقصى درجات العنف الموجه نحو المرأة، لما لهذه الجريمة من آثارها النفسية، الجسدية، الاجتماعية والعلائقية على المرأة، والأسرة، والمجتمع. ومشكلة الاغتصاب هي مشكلة عالمية موجودة في كل المجتمعات على اختلاف ثقافاتها ودياناتها، إلا أن ظروف ارتكابها والدوافع والسمات الشخصية لمرتكبيها تختلف من مجتمع إلى آخر.
بذلك نعتقد أن جريمة الاغتصاب من أشد أنواع السلوك العنيف الذي يقترفه الرجل بحق المرأة، وذلك لأنه سلوك يطعن عفتها وطهارتها. أي أنه يدل على كل سلوك شاذ وعنيف وغير سوي يمارسه الرجل على المرأة ويولد لديها مشاعر وأحاسيس سلبية، وذلك لكون أن الرجل قد استعمل القوة ضدها، كما أنه لم يكن هناك رضا أو قبول متبادل من كلا الطرفين وبخاصة المرأة، وهذا ما ينتج عنه شعور بالذنب والخجل من الفضيحة، الإحساس بتلطيخ شرف العائلة، كما تصبح نظرتها للحياة والمستقبل نظرة تشاؤمية، أما إذا كان هناك رضا متبادل فإنه لا وجود لهذه المشاعر والأحاسيس ويكون هناك متعة جنسية بين متبادلة بين الطرفين.
ويُعرف الاغتصاب لغوياً بأنه مصدر (اغتصب)، اغتصب (فعل) يغتصب، اغتصاباً، فهو مغتصِب، والمفعول مغتصَب. وهو يعني أخذ الشيء قهراً وظلماً، أي أخذ شيء ما دون إذن أو دون وجه حق. ويقال اغتصب المرأة أي عصبها ليزني بها رغماً عنها. أما اصطلاحياً فإن مفهوم الاغتصاب بأبسط معانيه هو الاتصال الجنسي مع امرأة رغماً عنها، إما باستخدام القوة أو بالحيلة أو بالإرهاب، ودوافعه تنحصر من سوء الفهم للوظيفة الجنسية إلى عمق العدائية نحو الإناث. فهو سلوك عنيف ينتهك فيه جسد الضحية يتم عن طريق القهر والإجبار، وهو ليس بغرض الاستماع بممارسة الجنس ولكن الرغبة في ممارسة القوة على طرف أضعف من المغتصِب لوجود علّة نفسية قد يعاني منها أو لأسباب أخرى، كما أنه يؤثر على الحالة النفسية والجسدية للمرأة ويولد لديها عدة أعراض. كما يمكن اعتباره من ناحيةٍ أخرى نوعاً من الإرهاب الممارس على المرأة من قبل أفراد يحملون العدائية والكره لها وغايتهم هو إذلالها وإخضاعها لسلطتهم وأيضاً لإثبات الرجولة والقوة مما يخلق الرعب والخوف لديها والذي قد يسبب لها صدمة تحول دون مواصلة حياتها بالشكل الطبيعي والمعتاد.
بناءً على ما تقدم يمكن لنا تعريف الاغتصاب ” بأنه ممارسة المعاشرة الجنسية رغماً عن الشخص، وهو أحد أنواع مجموعة كبيرة من الممارسات التي تسمى العنف الجنسي، والتي تبدأ من النظر واستعمال ألفاظ وإيحاءات جنسية مروراً بالتحرش الجسدي، وانتهاءً بالاغتصاب “. وبذلك يصنف الاغتصاب بالجريمة والاعتداء الأكثر وحشيةً، الذي يعاقب عليه القانون، وهو اختراق جنسي مهما كانت طبيعته، تعرض له الشخص من طرف آخر، عن طريق العنف، الإجبار، التهديد، المفاجأة. يأخذ العنف الجنسي عدة أشكال مختلفة، وهو لا يقتصر على أفعال الاتصال الجنسي بغير رضى الطرفين بل يشمل مدى واسعاً من السلوكيات الجنسية، بما فيها محاولة الحصول على فعل جنسي والتحرش الجنسي، والإكراه، والتهريب بقصد الاستغلال الجنسي، والتشويه التناسلي للأنثى.
وتشير الدراسات المعاصرة إلى أن النساء تشكل الغالبية العظمى من ضحايا العنف الجنسي، ومعظم المرتكبين لهذه الأفعال هم من الرجال. ويعتبر هتك حرمة الجنس فعل عدواني مدفوع بالقوة وحب السيطرة. كما أن للعنف الجنسي تأثيرات جسدية ونفسية على الصحة والمعافاة، وقد تكون هذه التأثيرات قصيرة الأمد أو طويلة الأمد. وتختلف العواقب الصحية وردود الأفعال للعنف الجنسي اختلافاً كبيراً بين الأفراد وفقاً لطبيعة الانتهاك (مثل تكراره، ووخامته، ومرتكبه).
ومن الحقائق الهامة حول جريمة الاغتصاب أن المغتصِب ليس بالضرورة أن يكون شخص غريب أو بعيد عن الضحية أو له شكل غير مألوف، فهو من الممكن زوج أو أحد أفراد العائلة (الأقارب)، أو صديق، زميل العمل، كما أن الشكل الخارجي للضحية كالملابس أو طريقة تصفيف الشعر أو طريقة المكياج أو طريق الحديث والمشي ليس لها علاقة مباشرة بعملية الاغتصاب إلا إذا اتصلت بنفسية المغتصِب وعقدها، ويعتبر الأشخاص الذين لديهم إعاقات جسدية أو عقلية، أو مهارات لغوية محدودة أكثر عرضة للاغتصاب، لأنهم لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم أو إخبار المحيطين بما حدث. بالإضافة إلى ذلك لا تحدث جريمة الاغتصاب في أغلب الأحيان في الشوارع أو الأماكن المظلمة في العراء كما يتخيل البعض، ولكنه يحدث في الأماكن المغلقة حتى يكون الجاني في أمان تام. وعلى الرغم من أن هناك العديد من التعريفات لمفهوم الاغتصاب والتي تختلف من ثقافة إلى أخرى. إلا أن عنصر الإكراه والقوة والعنف والعدوان يشترك في معظمها، كما يبقى دائماً جرماً سرياً مسكوت عنه اجتماعياً.
وفيما يتعلق بأنواع الاغتصاب نجد الاغتصاب الذي يرتكب من طرف فرد أو شخص قريب من الضحية سواء كان فرداً من العائلة، صديقاً، رفيق عمل،…. وفي هذه الحالة، يكون الاغتصاب عموماً أكثر شدة وعنف على الضحية، وذلك لكون المعتدي قام بإذلالها وتحقيرها وخيانتها، وبالتالي فالصدمة تكون كبيرة لأن كل مفاهيم الثقة قد زالت. أما النوع الآخر فهو الاغتصاب الذي يرتكب من قبل مجهول، ورغم أنه يبدو أقل خطراً من الأول إلا أنه قد ارتكب حتى وإن كان عامل التحقير والخيانة قد أزيح إلا أن العنف دائماً موجود قد يرافقه القتل، ويمكن أن تكون له جروح نفسية وجسدية خطيرة ونتائج فورية، وهذا ما نسمع عنه في نشرات الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعي. إن الخوف من هذا النوع من الاغتصاب يدفع النساء في بعض المجتمعات إلى تعلم وسائل الدفاع عن النفس أو لوضع أقفال على الأبواب أو لشراء المسدسات أو لحمل السائل الرشاش للدفاع عن أنفسهن.
وبذلك فالاغتصاب سواءً ارتكب من طرف شخص قريب أو غريب يعتبر جريمة في حق الضحية ويولد لها صدمة يمكن ملاحظتها من خلال سلوكها وتصرفاتها. وبالتالي نرى بأن ضحايا الاغتصاب بحاجة إلى مساعدة وتكفل سيكولوجي وسوسيولوجي من أجل العودة إلى الحياة الطبيعية، ولابد من كسر قانون الصمت، وعلى الضحية اتخاذها لموقف وذلك بالاعتراف والتحدث عما حدث لها وما ارتكب في حقها.
وفي هذا السياق، ينبغي علينا التفريق بين الجريمة الجنسية والانحراف الجنسي حيث يخلط بعض الأفراد في كثير من الأحيان بين المجرم الذي يرتكب الجريمة الجنسية وبين المنحرف جنسياً، فمن الممكن أن يكون الفرد من مرتكبي جرائم الاغتصاب ولكنه لا يعد منحرفاً جنسياً، وقد يكون الفرد المنحرف جنسياً كالسادي الذي يجد لذته الجنسية من خلال الأذى البدني بالضحية ومع ذلك لا يرتكب جريمة من الجرائم الجنسية التي نص عليها القانون الجنائي.
وتتحد أنماط المغتصبين بشكل أساسي من خلال أربعة أنماط أولها: المغتصب العدواني وهو تعبير وتفريغ عن الغضب المكبوت والغيظ ويستخدم فيه الفرد القوة أكثر من اللازمة للحصول على الاتصال، وهذا النمط من المجرمين يهدف إلى إلحاق الضرر بالضحية وإصابتها. والمجرم يعتبر الاغتصاب تعبيراً عن غضبه، كما أنه قد يحصل على إشباع جنسي بسيط أو لا يحصل، وهو غالباً ما يشعر بالاشمئزاز أكثر من المتعة، وهذا النوع يعتبر إلى حد ما غير شائع. أي أن الغرض من الاغتصاب في هذا النوع هو الحصول على الاتصال الجنسي بهدف تفريغ الغضب المكبوت، ولا يهم إن كان هناك إشباع جنسي أم لا، بمعنى لا توجد لذة في هذا الاتصال، كأن يقوم شخص باغتصاب فتاة رفض والدها تزويجه إياها، فيقوم بهذه الجريمة رداً لاعتباره وتفريغ غضبه فيها. أما الثاني: فهو المغتصب ضعيف الشخصية حيث يكون فعل الاغتصاب بهدف إثبات القوة وليس لرغبة المغتصب في إيذاء ضحية جسمياً، ولكنه يريد أن يمتلكها جنسياً، فالاتصال الجنسي القوي هو تعبير عن السيادة، القوة، التحكم، السلطة، الأنانية والقدرة. والهدف من هذا النوع يكون الإخضاع الجنسي، ويستخدم القوة الضرورية فقط حتى ينجز هذا الهدف، كما يكون هدفه أيضاً السيطرة والتحكم في ضحيته، والعدوان الجسدي يُستخدم كقوة لإخضاع الضحية، والاتجاه مباشرة للحصول على الاتصال الجنسي. كما أن الاغتصاب في هذه الحالة يشكل اختبار لرجولة المغتصب وهو في هذا الموقف خليط من الإثارة والقلق والمتعة والخوف. وهذا النوع من المغتصبين يحتاج إلى الاعتقاد بأن الضحية تستمتع بهذا الفعل وتنجذب له وتأمل في تكرار هذه الخبرة. فالمغتصب في هذا النوع يكون هدفه إثبات رجولته والسيطرة جنسياً على ضحيته، كما يستعمل القوة حتى يتمكن من الاستحواذ على الضحية والتحكم فيها، كما ينتابه شعور مزدوج ومتناقض حيث يشعر باللذة والمتعة والخوف والقلق في آن واحد، إضافة إلى اعتقاده بأن ضحيته تستمتع بما يحدث معها وتنجذب إليه. أما النمط الثالث: فهو المغتصب السادي· الذي يصبح فيه العنف الجنسي هدفاً الغاية منه تعذيب الضحية والوسيلة هي الجنس، والدافع هو العقاب والتهديد، والمحاولة مع ضحيته تكون مثيرة جنسياً للرجل، وغالباً يحدث تزايد في العنف، فهو يستمد متعته من خلال تعذيبها، وعادة يتضمن الأفعال الشاذة القاسية. وهكذا فإن المغتصب في هذه الحالة يسعى إلى تعذيب ضحيته وإلحاق الأذى والضرر بها، كما يستعمل العنف بشكل مفرط حتى يحصل على المتعة والإثارة الجنسية، فالشخص السادي يتلذذ بتعذيب الآخرين والمغتصب تتحقق له تلك اللذة أو المتعة من خلال تعذيب ضحيته ويستعمل معها كل الأفعال العنيفة والمضرة بها. وأخيراً: المغتصب السيكوباتي* ويسمى أيضاً المندفع وهذا النمط منعدم الضمير الأخلاقي يمارس كل أنماط السلوك المضاد المجتمع والقانون من نصب واحتيال وسرقة وابتزاز واعتداءات جنسية وليس لديه أي إحساس بتأنيب الضمير، ونجده يعود للجريمة دون أن يستفيد من الخبرات السابقة كما ليس لديه تحكم بالذات وسلطة لأناه الأعلى في جهازه النفسي. والمغتصب السيكوباتي نجد لا اجتماعي لا يحترم القوانين ولا التقاليد والأعراف بل يسعى فقط وراء ما يشبع غرائزه مهما كانت الطرق وإن كانت لا شرعية.
أما عن ديناميات العنف الجنسي فقد قام عدد من الباحثين بتحليل القوى المحركة وراء السلوك الجنسي العدواني ودوافعه، وتوصلوا إلى أن العنف الجنسي هو فعل عدواني، وإن العوامل الأساسية وراء العديد من حوادث العنف الجنسي هي الرغبة في التحكم والسيطرة، وليست اشتهاء الجنس كما يعتقد على نحو كبير حيث نادراً ما يكون العنف الجنسي بدافع العشق، ولكنه على الأرجح فعل عنيف وعدواني وعدائي يستخدم كوسيلة للإهانة والسيطرة والإذلال والإرهاب والتحكم في النساء. فالعداء، والعدوانية، والسادية التي يظهرها مرتكب العنف الجنسي تميل إلى تهديد إحساس الضحية بنفسها. مما يؤدي إلى انتهاك إحساس الضحية بالخصوصية، والأمان، والعافية. كما أثبَتَ العمل مع الجانحين الجنسيين أن الرغبة الجنسية ليست هي العامل المحفز على العنف الجنسي. على الرغم من أن الجنس والعدوانية لهما علاقة بجميع أشكال العنف الجنسي، إلا أن الجنس هو فقط الوسيلة المستخدمة للتعبير عن الأنواع المختلفة للأحاسيس غير الجنسية مثل الغضب والعداء تجاه النساء، بالإضافة إلى الرغبة في التحكم والسيطرة وفرض القوة عليهن. ومن الجدير بالإشارة أنه ليس لكل الجناة نفس الدوافع لارتكاب العنف الجنسي، ولا يتشابهون في أسلوب ارتكاب الأفعال العنيفة جنسياً. على الرغم من هذا، فإن الغضب والقوة والجنس عناصر موجودة دائماً مهما كان السبب في العنف الجنسي أو طبيعة الفعل المرتكب. إن كشف الأسباب وراء رغبة الفرد في ارتكاب العنف الجنسي أمر معقد. ومع ذلك، فقد ظهرت بعض المواضيع المشتركة حول هذا الأمر. وهكذا نجد أن العنف الجنسي، يساهم في تعويض مشاعر العجز، وطمأنة الجاني على قدرته الجنسية، وتأكيد هويته، والاحتفاظ بمنزلته بين نظرائه، وحماية نفسه من القلق الجنسي، وتحقيق الإرضاء الجنسي، والتخلص من الإحباط الذي يشعر به.
وفيما يتعلق بالآثار الناتجة عن جريمة اغتصاب المرأة تُجمع معظم الدراسات النفسية والاجتماعية أنه لا يوجد نوع نمطي للضحايا، وبالتالي لا يوجد رد فعل نمطي لتجربة العنف الجنسي، فالآثار النفسية والاجتماعية تتفاوت بشكل كبير من شخص إلى آخر. وبوجه عام، فإننا نشك في تعرض الأفراد الذين تظهر عليهم المشاكل الصحية التالية، للانتهاك الجنسي: مثل متلازمة جريمة الاغتصاب، الإحباط، الرهاب النفسي، الجزع، زيادة تعاطي أو معاقرة مواد الإدمان، سلوكيات تجنح إلى الانتحار. وعلى الأمد الطويل قد يشتكي الضحايا من الأعراض التالية: الصداع المزمن، التعب، اضطرابات النوم (الكوابيس، استرجاع وتذكر الواقعة)، غثيان متكرر، اضطرابات الأكل، آلام الحيض، رفض العملية الجنسية لارتباطها بتجربة نفسية مؤلمة. وتعتبر متلازمة جريمة الاغتصاب، حيث يعاني كثير من ضحايا العنف الجنسي منها ويمكن تعريفها بأنها نمط استجابة الشخص الذي تعرض للعنف الجسدي للكرب وقد تظهر متلازمة جريمة الاغتصاب على شكل أعراض معرفية، أو سيكولوجية، أو سلوكية، وعادةً ما تتكون من مرحلتين هما: المرحلة الحادة وتستمر لعدة ساعات حتى عدة أيام بعد الحادث، وفي هذه الحالة يعتري الضحية اضطراب في التصرفات والسلوك المعتاد، وتهيج وانفعال كما تشعر بالغضب، ولوم النفس والشعور بالذل والتحقير والمهانة، وقد تستطيع الضحية أن تكتم أحاسيسها وانفعالاتها وتختزن معاناتها النفسية في اللاشعور كخبرة شديدة الإيلام تتسبب في الكثير من الأمراض والعقد النفسية. أما المرحلة المزمنة وتبدأ هذه المرحلة بعد حادث الاغتصاب بحوالي أسبوعين أو ثلاثة، وفيها تبدأ المغتصبة في العودة التدريجية إلى طبيعتها، وإن كان ينتابها الأحلام المرعبة والكوابيس والمخاوف الجنسية ومع المساعدة النفسية والطبية قد تتعافى الضحية تماما من هذه الخبرة المؤلمة بينما قد لا يستعيد البعض منهن أبداً صحتهن النفسية، وإنما يعانين طوال حياتهن من الاضطرابات النفسية المزمنة وفقد الإحساس بالأمان والبرود الجنسي. ولا تقتصر مضاعفات الاغتصاب على الضحية على ما سبق ذكره، فالمغتصب إذا كان مصاباً بأمراض جنسية، فإنه ينقلها إلى الضحية وأهمها وأخطرها الإيدز والسيلان والزهري والعدوى البكتيرية والميكروبية المختلفة التي تسبب التهابات الجهاز التناسلي مما يؤدي لانسداد قنوات فالوب وما يتبعه من عقم ومعاناة.
كذلك من أهم التبعات النفسية على الضحية تتمثل بشكل استجابات نفسية صدمية تؤدي إلى اختلال التوازن النفسي للضحية بسبب الاعتداء الجنسي مثل الشعور بالذنب الذي يمثل أعلى درجات توبيخ الذات، كما أنه يعبر عن مجموعة من الدوافع اللا واعية التي يُنزلها الشخص بذاته وقد تؤدي إلى الانتحار. بالإضافة إلى شعورها بالكره حيال أنوثتها والآخرين، حيث لا تجد الضحية نفسها كغيرها من بني جنسها معبرةً عن ذلك (لماذا أنا ؟)، (أنا لست كالأخريات)، (أنا لست امرأة)، فتكره نفسها لكونها تعتقد بأنها وسخة كونها استعملت كموضوع جنسي دون رغبتها، وامتلاكها لجسد تم التلاعب به، فتفضل الموت على الحياة لإحساسها بشيء اخترق جسدها ودفن كيانها مما يجعلها تميل إلى العزلة والتمركز حول الذات والتغيب عن أنظار الآخرين لانخفاض تقدير الذات وعدم القدرة على الاندماج معهم. أما عن أثر جريمة الاغتصاب على المجتمع نجد أن لهذه الظاهرة آثار بالغة التعقيد على المجتمع أهمها احتمال وجود الحمل بعد جريمة الاغتصاب وإجهاض المرأة المغتصَبة للجنين وهذه تعتبر جريمة أخرى بحق الإنسانية. وإذا رفضت المرأة المغتصَبة عملية الإجهاض فإنها بطبيعة الحال ستنجب طفلاً يعتبر ثمرة لعلاقة جنسية غير شرعية، أي أنه مولود غير شرعي يسمى باللقيط وفي حال التخلي عنه وعدم الاعتراف بوجوده، سينشأ هذا الطفل الضحية الذي لا ذنب له عندما يدرك واقعه على الحقد والكراهية لواقعه ومحيطه الاجتماعي بشكل عام كونه لم يتلقى الرعاية والتربية اللازمة لتنشئته الاجتماعية السليمة كأي طفل طبيعي، كما أنه سيشعر في دور الرعاية بأنه منبوذ من قبل من يقوم عليه مما يفتح الباب على مصارعيه للانحراف والانغماس بالجريمة والعنف والتطرف. وأخيراً تؤدي جريمة الاغتصاب على صعيد المجتمع إلى انتشار الدعارة والاتجار بالنساء، حيث ربط العديد من الباحثين ما بين احتراف الدعارة وبيت التعرض لجريمة الاغتصاب مما دفعهم إلى الاهتمام بظاهرة اغتصاب المرأة لتخفيف أحد أهم منابع هذه الظاهرة ومحاولة معالجة آثارها منعاً لاحتراف العديد من المغتصبات لمهنة الدعارة التي تشكل خطراً على استقرار المجتمع اخلاقياً وقيمياً واجتماعياً، بالإضافة إلى انتشار الأمراض الجنسية بين الأفراد، كما أن للدعارة دور كبير في تشجيع عمليات الاغتصاب وإعادة إنتاج الواقع بشكل سلبي على نحو كبير.
وفي النهاية سنحاول استعراض موقف علم الاجتماع من الجرائم الجنسية من خلال اهتمام علماء الاجتماع بدراسة وتفسير الجريمة والانحرافات داخل المجتمع باعتبارها تمثل تهديداً حقيقياً لأمن واستقرار المجتمع، وتشكل خطراً على إيجابية الأدوار فيه، ويركز علماء الاجتماع في تفسيرهم للانحرافات أو الجرائم الجنسية على أهمية العوامل الاجتماعية الكامنة وراء ارتكاب مثل هذه السلوكيات المضادة المجتمع.
ويمكن تمييز موقف علماء الاجتماع من الجرائم الجنسية عن موقف علماء النفس باعتبار علماء الاجتماع ينظرون إلى الجرائم الجنسية عندما تكون منتشرة أي يركزون على البعد الظاهر للمشكلة دون تجاهل البعد الشخصي، فالمشكلة التي تثير بشكل كبير اهتمام علماء الاجتماع هي انتشار الانحرافات والجرائم الجنسية، وأن هذه الانحرافات تكون راجعة بالدرجة الأولى إلى ظروف ومتغيرات اجتماعية تخرج في غالبية أبعادها عن نطاق الفرد الواحد.
وفي ظل هذا المنطلق يمكن النظر إلى الجرائم الجنسية على اعتبار أنها تمثل نوعاً من الانحراف عن الوظائف الاجتماعية التي ينبغي أن يؤديها الأفراد باعتبارهم أعضاء في المجتمع. وأيضاً باعتبارها تمثل نوعاً من الخلل في بناء المجتمع ووظائفه. فالشخص الذي يرتكب جريمة جنسية هو غالباً لم يربَّ أو ينشأ تنشئة اجتماعية سوية. وهكذا فإن العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى السلوكيات الإجرامية عموماً بما فيها الجرائم الجنسية تتمثل في فشل المجتمع في ترويض النزعات الغريزية البدائية لدى الإنسان في طفولته، بحيث تظل سلوكياته فجة قوية وفي صورتها الأولية دونما ترويض أو تطويع، وهي أيضاً تعبر عن فشل المجتمع في تمكين الطفل من تكوين ذات أو أنا اجتماعية سوية يكون بمقدورها السيطرة على النزعات البدائية والغريزية وتوجيهها بحيث تتلاءم ومتطلبات ونظم الحياة الاجتماعية، ثم هي أيضاً تعبير عن الفشل المجتمعي في جعل الطفل قادراً على استيعاب القيم والمعايير الاجتماعية والمبادئ الأخلاقية السامية لتكون جزءاً من تكوينه الذاتي.
وهكذا فإن فشل مؤسسات التنشئة الاجتماعية يعتبر عاملاً رئيسياً في انحراف الأفراد عموماً والانحرافات الجنسية خصوصاً. بالإضافة إلى الفشل في تكوين الشخصية السوية لدى الأفراد. كما يورد علماء الاجتماع عوامل أخرى لانتشار السلوكيات الجنسية المنحرفة مثل: التحضر والتصنيع والتفكك الأسري والاجتماعي وارتفاع مستويات البطالة والفقر وتأخر سن الزواج وتعاطي المخدرات والمسكرات وغيرها.
وفي إطار هذه المعطيات فإن الجرائم الجنسية تعتبر تهديداً لأمن المجتمع وسلامته شأنها في ذلك شأن الجرائم الأخرى، لذا ندعو إلى توعية أفراد المجتمع ضد هذه الجرائم من خلال إقامة الندوات التثقيفية والمحاضرات التوعوية ونشرها عبر وسائل الإعلام الجماهيرية ومواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى السعي الحثيث إلى تمكين المرأة في الحياة الاجتماعية لتسطيع الدفاع عن واقعها ومستقبلها، كما يجب حث المسؤولين في السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، على إنزال أقصى العقوبات ضد مرتكبي الجرائم الجنسية هذا من جانب. ومن جانب آخر، وبالتوازي يجب على الحكومات تفعيل عمليات التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، وبالأخص في مناطق العشوائيات والتجمعات السكنية ذات الكثافة السكانية المرتفعة بهدف التخفيف من منابع الإجرام لكي لا تكون مركزاً مناسباً لمرتكبي الجرائم وذلك عن طريق توفير متطلبات العيش الكريم والخدمات وإقامة أماكن الترفيه كالحدائق والمنتزهات العامة من أجل قضاء وقت الفراغ خاصة لدى فئة الشباب.
د. حسام الدين فياض
الأستاذ المساعد في النظرية الاجتماعية المعاصرة
قسم علم الاجتماع كلية الآداب في جامعة ماردين- حلب سابقاً
………………
- السادية Sadism : هي الميل للحصول على اللذة والمتعة عن طريق تعذيب الآخر والتلذذ بعذابه. وهي من الناحية السيكولوجية اضطراب في الرغبة الجنسية يتضمن معاناة نفسية وجسدية وفكرية. وقد اشتقت الكلمة من اسم ضابط وروائي فرنسي يدعى ماركيز دو ساد (1740-1814) Marquis de Sade، الذي اشتهر بسلوكه العدواني واضطراب سلوكه الجنسي وساديته ولذلك سمي الاضطراب الجنسي باسمه. وقد ألف دي ساد روايتين هما: جوستين وجولييت. ويمثل هذا الأديب أيقونة الشر في الأدب.
- تتكون كلمة سيكوباتي من مقطعين هما سيكو psysho ومعناها نفس وكلمة path ومعناها شخص مصاب بداء معين. وتشير إلى انحراف الفرد عن السلوك السوي والانحراف في السلوك المضاد للمجتمع والخارج على قيمه ومعاييره ومثله العليا وقواعده . وتعرف أيضاً بأنه المريض النفسي أو العليل، أو اعتلال نفسي أو اضطراب عقلي يتسم بالنشاط المعادي للمجتمع. وتُعرف الشخصية السيكوباتية: بأنها الشخصية المعتلة نفسياً أي المريضة نفسياً وتتسم بعدم النضج الانفعالي لنشأتها في بيوت باردة انفعالياً أو لضعف بناء الشخصية، بسبب التدليل المفرط بحيث لا يتعلم الفرد من طفولته قمع رغباته فيثبت عند مستوى طفولي من التمركز حول الذات أو لعدم توفر الأنماط الاجتماعية المقبولة.