الطاقة الإستشفائية الكامنة داخل الإنسان…كوانتم الشفاء

 
توماس برنابا
تدور أفكار هذا الكتيب على افتراض أن “جسم الإنسان يشفي نفسه” وما محاولات الأطباء، سواء بالجراحة أو الأدوية، ورجال الدين إلا محاولات لاستثارة هذه الطاقة الإستشفائية الكامنة داخل الإنسان بالطريقة المناسبة حتى تستيقظ من سباتها، وتعمل على شفاء المرض فى فترة، طالت أو قصرت، وربما تقصر هذه المدة إلى لحظات، وربما تطول إلى أيام، ولكن أولاً وآخراً الجسم البشري هو الذي يشفي نفسه، وهناك أجهزة فى الجسم تختص بالقيام بهذا الشفاء، وخاصة الجهاز المناعي لجسم الإنسان، وكرات الدم البيضاء التي تهاجم الأجسام الغريبة التي تدخل لجسم الإنسان. والأدوية، ومنها المضادات الحيوية، تقوم بحث هذه الكرات البيضاء للدم أو الإكثار منها لتقوم بعملها.
قيل فى الأمثال: “كل الطرق تؤدي إلى روما” وأيضا تعددت طرق الشفاء، وكلها تقود إلى الشفاء أيضاً. فطريق الأطباء والأدوية فعال، وأيضا طريق رجال الدين يكون فعالاً فى الكثير من الأحايين، وكذلك المشعوذيين، والسحرة، وممارسي الشفاء باليوجا، وغيرها من الطرق الشرقية القديمة، فكلها تقود إلى الشفاء.هذا يقودنا إلى سؤال هام: “هل الشفاء الذي يحدث فى الأديان الوثنية، والأديان الأخرى، بل وأيضا مع من ليس لهم دين، ومع المشعوذين والسحرة هو من الشيطان وليس من الله؟” والشفاء الذي يحدث على يد رجل دين بعينه مسلم كان مسيحياً! فالذي يحدث هو استثارة الطاقة الكامنة فى جسم الإنسان والمختصة بإعادة التوازن والسلامة لجسم الإنسان ليحدث الشفاء، وهذا يعتمد أولاً وآخراً على (الإيمان) والذي ربما يسمى فى الأوساط العلمية بالتوقع والإيحاء Suggestion and Expectation.
إن شفاء أي مريض يعتمد أساساً على إيمان وتوقع المريض فى الشفاء. مثلاً إذا لمس الكاهن أو الشيخ أو العراف … الخ، فالحقيقة أن الإنسان هو الذي يشفي نفسه، ولكن طاقة الإيمان والإيجابية التى بداخل أي إنسان حينما تُفعل لا تشفي سوى الشخص نفسه، لأنه لا يعرف جسم الإنسان، وسبب شقائه إلا جسم الإنسان ذاته، ويعرف كيف يعيد ضبط توازنه، ويشفي الاضطراب الذي حدث به لأن لكل جسم ذكاء خاص به، فما تفعله يد الكاهن أو الشيخ هو إيقاظ الطاقة الاستشفائية فى تفعيل عمل هذه الطاقة الموضوعة منذ تكون الجنين داخل الإنسان بواسطة الخالق، وما يستثيرها هو عمل الإيمان. فماذا يمكن للإيمان أن يفعل في جسم الإنسان؟ لقد نشط الإيمان واستحث الطاقة الاستشفائية الموجودة بالفعل داخل الإنسان، وقد حدث بها خلل، والجسم هو الوحيد الذي يعرف كيف يشفي نفسه، وهذا هو سر شفاء الكثيرين فى أغلب الأديان على يد كهنتهم وسحرتهم. فالشافي هو إيمان الإنسان نفسه، والذي يستحث الإيمان أو المحك الذي يجعل الإيمان (التوقع او الإيحاء) يصل إلى أعلى مستوياته المطلوبة فى الشفاء هو لمس يد كاهن أو منديل أو شرب ماء أو استحمام فى إحدى البرك أو مسح بالزيت أو غيرها من الوسائل!
أنواع الشفاء:
1- شفاء ميتافيزيقي Metaphysical Healing
وهو شفاء قام به رجال الدين على مر العصور لعضو فى جسم الإنسان كان قد فسد أو ولد الإنسان به فاسداً مثل الشلل والعمى من بطن الأم، ومذكور فى الكتب المقدسة أن (الله) يقوم بخلق أعضاء جديدة، فالعضو قد تهرأ وفسد ودمر، ولم يعد بقدرة جسم الإنسان أن يشفيه، وبالتالي الأدوية أيضاً ليس لها مفعول، فيأتي (الله) بقدرة إلهية إعجازية، ويتدخل لخلق أعضاء جديدة، فمن الواضح في شفاء الأعمى أنه خلق له عين جديدة، والمفلوج من بطن أمه قد خلق الله له أطراف جديدة. هذا النوع من الشفاء هو الذي نجده بكثرة فى العهد الجديد من الكتاب المقدس، وغيرها من الكتب المقدسة، ولكن لا دليل أبدًا أن مثل هذه المعجزات تحدث الآن!
2- شفاء فيزيقي Physical Healing
وهو شفاء لأمراض تنتاب جسم الإنسان فى أحد أعضائه، وتجعله لا يؤدي وظائفه بصورة صحيحة لحدوث اضطراب أو خلل Malfunction ومن هذه الامراض:
1. أمراض عضوية، ويندرج تحتها الأمراض التى يطلق عليها عصبية ونفسية، لأنها تنتج عن خلل حقيقي فى كيمياء الدم.
2. أمراض هيستيرية ناتجة عن خلل وهمي ليس له وجود بدني.
3. أمراض سيكوسوماتية (نفسجسمية) ناتجة عن خلل حدث في عضو من أعضاء الجسم، نتيجة توتر أو خوف أو قلق، وهذا النوع الثالث من الشفاء الذي نحن بصدد دراسته فى أوساطه المختلفة سواء على يد طبيب، أم رجل دين، أو مشعوذ، أو ممارس روحاني … إلخ، ولكن يجب أن نضع فى الاعتبار بعض الامور:
• أن هناك خلل حدث بعضو سليم تدب الحياة به.
• قد يكون سبب الخلل عضوي أو نفسي.
أولاً: الأمراض العضوية
وهي أمراض تحدث بعضو من جسم الإنسان قد يصيب القلب أو الكليتين أو الكبد أو البنكرياس وغيرها بسبب اختلال وظيفي malfunction، ناتج عن سوء تغذية أو عدم اهتمام باللياقة الصحية، أو مهاجمة فيروس، وأحب أن أدرج تحت هذا النوع من الأمراض، الأمراض النفسية والعصبية، لأنها، فى واقع الأمر، أمراض عضوية ناتجة عن اختلال فى كيمياء الدم بزيادة أو نقص مكون رئيسي فى الدم، يسبب بعض الأعراض، مثل الاكتئاب، والهلاوس المختلفة بأنواعها، وغيرها من أعراض الأمراض المختص بها الطب النفسي Psychiatry ولشفاء هذه الأمراض يجب توفير الأدوية اللازمة أو العمليات الجراحية لإعادة التوازن للعضو المريض، أو استثارة جسم الإنسان لزيادة المكون الناقص أو تقليل الزائد بوسيلة ما.
ثانياً: الأمراض الهستيرية
هذا النوع من الأمراض أساسه وهم، فهناك أناس، بسبب صدمات تحدث لهم أيّا كان نوع هذه الصدمات، يصابون بشلل أو عمى أو خرس، أو توقف أحد الأعضاء أو أكثر عن العمل، وبما أن السبب وهم سيكون العلاج أيضاً وهمًا.
ثالثاً: الأمراض السيكوسوماتية (النفسجسمية)
وهي أمراض لها علاقة بكلاً من الجسم Soma والنفس Psyche وكنتيجة لتوتر أو خوف أو قلق أو رعب، يحاول جسم الإنسان أن يفرغ الطاقة الناتجة عن هذه المشاعر السلبية، فيقوم جهاز الهيبوثلاموس أسفل المخيخ بتحويل اتجاه هذه المشاعر السلبية نحو أحد أعضاء الجسم، فتسبب له أحد الأمراض مثل قرحة فى المعدة أو تعرق دائم أو اختلال فى وظائف الكلى أو الكبد أو حتى القلب والبنكرياس أو صداع وغيرها، وشفاء مثل هذه الأمراض يعتمد على إشعار المريض بالطمأنينة والسلام، وإعطائه سببًا لعدم القلق، وعدم الخوف فيزول السبب الرئيسي، وبذلك تزول أعراض المرض، وكأنها لم تكن! أما الآن فدعونا نناقش بعض المصطلحات والموضوعات المختصة بهذه الامراض:
1. Placebo
2. Nocebo
3. Hypochondriasis
4. Nosophobia
5. Hysteria
6. Psychosomatic disorders
1-Placebo
تعني كلمة (Placebo) في اللاتينية “I shall please” أي: “أنا سوف أس” وهو تدخل أو علاج طبي كاذب بنية قيادة المريض ليؤمن أن هذا العلاج ربما يحسن من حالته المرضية، وهناك ممارسة شائعة لاستخدام Placebo وهو إعطاء المريض مادة خاملة Inert مثل قرص سكر أو نشا، ويتم إخبار المريض أن هذا القرص سيحسن من حالته، ولكن يجب التنويه أن حقيقة أن هذا القرص خالٍ من أي مادة فعالة، قد تم إخفائها عن المريض. وهذا العلاج سيجعل المريض يصدق (بل ويؤمن) أن هذا العلاج سيغير، ويحول حالته إلى الأفضل، وهذا الإيمان أحياناً يسبب تحويل الحالة إلى الشفاء، وهذه الظاهرة تسمى علمياً بأثر البلاسيبو Placebo effect وهذا الأثر يشير إلى أهمية الإدراك، ودور المخ فى شفاء الجسد لنفسه. ويعرف البلاسيبو بأنه مادة أو إجراء يخلو من أي نشاط فعال لعلاج حالة ما. وفي نطاق هذا التعريف تندرج العديد من الأشياء والممارسات التى يمكن أن نطلق عليها بلاسيبوهات placebos وتعطي أثر بلاسيبو. بعض المواد الدوائية التى يمكن وصفها للمريض، والتي تخلو من أي مادة فعالة نحو المرض المعالج، ربما تعمل كبلاسيبو، مثل الأقراص، والمراهم، والمستنشقات، والحقن، وربما الأجهزة الطبية، مثل الموجات فوق الصوتية تعمل كبلاسيبو، وأيضا الجراحة الكاذبة، حيث يتم جراحة فعلية، وفتح وخياطة دون عمل أي شيء غير أن المريض يستيقظ من البنج، ويرى أن عملية جراحية بالفعل أجريت له، وغيرها من الأمور والأساليب الكاذبة، والتي يصدقها المريض، ربما تساهم فى تحسين حالته، وهذه بعض القصص التى تؤكد ذلك:
“شاب عانى من ضيق فى التنفس، ووخز فى الصدر. ذهب لعدة أطباء دون حدوث أي تحسن فى خلال فترة تناول أدوية كثيرة بلا أي تحسن إلى أن ذهب لطبيب أستاذ فى الطب فى مستشفى استشاري، شعر أن الأمر برمته سيكوسوماتي، لذلك طلب منه إجراء منظار للمعدة والجهاز الهضمي، واتفق معه على ميعاد يأتي فيه مستعدَا (حالة استعداد وإيحاء) وفى اليوم المحدد قام بتخديره دون إدخال المنظار فيه، وعندما استفاق أعطاه شهادة بأن أجهزته الحيوية سليمة، فشعر هذا الشاب أنه سليم معافى، وفي اليوم الثاني زالت الأعراض تماماً!”
“شاب كان يعاني من زغطة (الحزقة) Hiccup – Hiccough مستمرة لمدة أسبوعين. ذهب لأطباء عديدين، وبعد أخذ أدوية كثيرة لم يتحسن إلى أن تم إفهامه من صديق له أنه يعاني من توتر وقلق فقط دون أي مشاكل عضوية، فذهب هذا الشاب يصلي ويدعو أن يكشف له الله عن السبب وأوضحت أمامه أن علاقته المتوترة برب عمله سببت هذا، فغفر لرب عمله وأصبح يعامله بمحبة فزالت الأعراض تماماً!”
“رجل فى الخمسين من عمره، كان يعاني من تكلسات كلسية مثل المسامير خرجت من عظام القدم اليسرى، واخترقت اللحم والجلد فى شكل مقزز، وأغلب الأطباء أجمعوا على ضرورة بتر القدم. وهو لم يوافق على هذا الأمر إلى أن ذهب لطبيب ذو خبرة، اقتنع أن الأمر سيكوسوماتي بحت فطلب منه أن يتناول أقراص ريفو Rivo ثلاث مرات بعد الأكل، ويوافيه بعد أسبوعين، مع العلم أن هذه الأقراص منتشرة فى مصر لأمراض كثيرة جداً حيث تعمل كبلاسيبو، وعاد هذا الرجل ورجله قد اندملت تماماً!”
وقد بينت دراسة أن شفاء المريض ربما يزداد ويفعل بكلمات من الطبيب ومن حوله من أشخاص بإنه سيتحسن فى أيام قلائل، وهذا على العكس من عبارات سلبية ربما تصدر من الطبيب مثل: “أنا لست متأكدًا من أن العلاج الذي سأعطيه لك له أي فعالية.”
إن أثر البلاسيبو أحياناً يطلق عليه أثر فسيولوجي بسبب البلاسيبو، فالبلاسيبو مادة خاوية الفعالية ولا تسبب أي شيء، ولكن مخ الإنسان يربط بينه وبين دواء حقيقي، ويعمل البلاسيبو كمحفز وعامل مساعد لتحفيز المخ على إحداث تغيير فسيولوجي يسبب الشفاء.
أثر وألية البلاسيبو:
حينما تحسن مادة خاوية الفعالية من حالة مريض، هذا الأثر يطلق عليه (أثر بلاسيبوهي) وهذه الظاهرة مرتبطة بإدراك وتوقع وإيحاء المريض، فإذا رأى واقتنع وآمن المريض أن هذه المادة مفيدة، وتستطيع أن تشفيه، سيشفى. ولكن إذا تمت رؤية المادة، برغم خواء فعاليتها، أنها ضارة ستسبب فى أثار سلبية (Nocebo) ويعترف الأطباء أن أثر البلاسيبو لغز علمي، فذكاء جسم الإنسان الداخلي يعرف ما أمرضه، ويعرف تماماً الوسيلة والألية اللازمة للشفاء!
عامل التوقع والايحاء (الإيمان):
للبلاسيبو أثر أو عامل توقع حيث أن المادة الخاوية الفعالية التي يتم الإيمان بها بواسطة المريض سيكون لها أثار مشابهة للدواء الحقيقي. وربما يتم تحفيز أثر التوقع بحماس الطبيب وباختلاف حجم الأقراص الموصوفة للمريض فى اللون والحجم والسعر أو باستخدام حقن. وقد بينت إحدى الدراسات أن الاستجابة للبلاسيبو زادت من 44% إلى 62% عندما أعطى الطبيب المريض دفأً وانتباهاً وثقةً، وقد ميز الأطباء بين ثلاث أنواع من البلاسيبو:
• الدواء الذي يعلم الطبيب أنه خاوي الفعالية، ولكن المريض يؤمن بأنه فعال.
• الدواء الذي يؤمن بأنه فعال كلاً من الطبيب والمريض، ولكن أثبتت الدراسات، فيما بعد، بأنه خاوي الفعالية كليةً.
• الدواء الذي يؤمن كلٌ من الطبيب والمريض بأنه فعال، ولكنه فى حقيقة الأمر ضار وخطير أكثر من كونه خاوي الفعالية وغير ضار!
البلاسيبو فى الأوساط الدينية:
إن معظم الأمراض التى تصيب الإنسان هي بسبب مخالفة الإنسان لما تربى عليه من مبادئ، لذلك تُفتح مفاتيح الغضب عليه من داخل جسمه، من داخل عقله، من داخل ضميره، ويصاب بأمراض كثيرة. وقد اكتشف الإنسان هذا الأمر بصور بدائية فى أديان كثيرة البدائية منها والمعاصرة، وعلم رجال الدين أنه حينما يتم التصالح مع الله يتم إخراج الأرواح الشريرة أو الشياطين والتى تسبب الأمراض، ولذلك يشفى الإنسان مما يصيبه من أمراض، ولكن الشياطين أو الجن هي مجرد نظم فكرية من أفكار سلبية تسبب المرض، حينما تسكن عقل الإنسان. ففعلاً حينما يصاب الإنسان بقلق أو أرق أو توتر أو صراع نفسي بسبب خلافه لمبادئه أو وصايا إلهه، يحاول الهيبوثلاموس الموجود أسفل المخيخ بترجمة هذه المشاعر السلبية إلى أعراض بدنية مثل شلل أو توقف أحد أعضاء الجسم عن أداء وظيفته، وحينما، بسبب ما سواء واقعي أو وهمي، يتم إزالة هذه المشاعر السلبية سيتم بالتالي اختفاء الأعراض البدنية، وتعود الأعضاء المعتلة لأداء وظائفها مرة أخرى بصورة سليمة، وما يلي بعض ما يحدث فى الأوساط الدينية:
يظهر البلاسيبو بين العرافين حينما يطلب من المريض وصفة غريبة يقوم بتوفيرها الشخص المعني بنفسه زيادة فى عامل التوقع والإيحاء، مثل توفير ظفر ديك أسود مع قرفة يمنية بالإضافة إلى حرشف ثعبان، ويطحنهم، ويضعهم على الجرح مثلاً، فيشفى المريض. يعتقد البعض أن هذا الشفاء يأتي من الشيطان لأن هؤلاء العرافين أعوان الشياطين، ولكن لا وجود للشياطين أو الجن. وما حدث بالفعل حقيقي والشفاء حدث بالفعل! ولكن ليس هناك قوة للعراف أو المادة التى اقترحها كدواء للتداوي به، بل الشفاء يكمن فى عقل المريض، وما فعله هذا العراف هو استثارته وتوجيه الإيمان بالعراف، وقدرته على العلاج ستوجه الطاقة الاستشفائية الكامنة فى تحفيز وإسراع عملية الشفاء عن طريق زيادة سرعة عمل الأجهزة الدفاعية، فقد اكتشف البعض من البشر أثر البلاسيبو منذ بداية التاريخ، وعن طريقه استطاعوا كسب ثقة وطاعة أتباع كثيرين، واستطاعوا أن يكونوا زعماء للقبيلة أو كهان يحترمهم ويجلهم الجميع!
يمكن أن نعتبر مسح الزيت على عضو مصاب ممارسة مسيحية للبلاسيبو حيث أن ليس للزيت فعالية لشفاء الأمراض، أو رش ماء مُصلى عليه أو مَقري عليه بآيات من الكتاب المقدس أو القرآن على المريض، أو شرب هذا الماء، أو شرب ماء معين أو الاستحمام به جيء به من بئر مقدسة أو نهر تم ظهور قديس أو ولي عليه، أو وضع منديل من القماش تم الصلاة أو القراءة عليه من نص مقدس على الأعضاء المصابة، أو استنشاق أنواع معينة من البخور، أو تناول الخبز والخمر فى سر التناول (الافخارستيا) فى المسيحية، أو سماع تراتيل أو قراءة قرآن وغيرها من الممارسات التي تعتبر بلاسيبوهات Placebos إجرائية، ربما ليست دوائية كما فى الأوساط الطبية، لكن لها نفس الأثر البلاسيبوهي على العقل، حيث أن الإيمان (أو التقبل والتوقع والإيحاء) بأن رجل الدين الذي يقوم بهذا الإجراء، سواء رش مياه أو وضع قماشة أو قراءة آيات أو نطق بعض الأدعية والصلوات أو ألقى برقية ما، هو رجل ذو شفافية، لدية دالة بينه وبين الله أو أنه مكشوف عنه الحجاب، أو أنه قديس أو من أولياء الله، قادر على وصل العلاقة المفصومة بينه وبين الله بسبب المعاصي الذي أرتكبها، ففي هذه العملية يحدث استثارة القوة الاستشفائية عن طريق إقناع أو خداع العقل الباطن أن الله قد تقبل دعاء الكاهن أو الشيخ، فيشعر المريض بالراحة والطمأنينة والسلام الداخلي، فتزول الأعراض المرضية فورَا أو بعد حين، وهذا ما يسمى بالاستشفاء اللحظي Spontaneous Remission.
وقد يكون البلاسيبو من النوع الثالث الضار والخطير، والذي يشعر كلاً من رجال الدين أنه فعال بل مقدس، مثل ماء بئر ثبت أنها ممتلئة بالزرنيخ والكبريت وغيرها من المواد الضارة على الجسم، أو شرب بول الإبل القلوي الضار جدًا على الاعضاء الداخلية للإنسان. هذا النوع الثالث ربما يساهم فى شفاء البعض الذين يتوافر فيهم الإيمان الشديد أي الإيحاء الكامل بأن هذه المواد خالصة صافية للشفاء، حيث تستحث الأجهزة المناعية للإنسان، وتكون فى حالة جهوزية كاملة لمهاجمة الأجسام الغريبة وحصرها Quarantining ومن الناحية الأخرى يعمل العقل الباطن على تحفيز الهيبوثلاموس Hypothalamus لتحويل المشاعر السلبية إلى إيجابية، فتزول الأعراض المرضية، بل ويبدأ العضو يلئم ما به من إصابات أو جروح إن كان فيه هذه، ولكن إن لم يتوافر شرط الإيمان الكامل بأن هذه المواد فعالة فقد تميت الإنسان! لأن القلق والخوف منها يثبط عمل الأجهزة المناعية، فتتغلب المواد الضارة على الجسم فيمرض الإنسان مرضاً شديداً يؤدي به إلى الموت فى كثير من الأحيان.
هذا الأمر واضح بالنسبة للأجانب الذين يأتون إلى مصر، وهم مقتنعين أن مياه الصنابير المصرية مليئة بالملوثات، ولذلك يشربون المياه المعدنية، ولكن إن أُجبروا على شرب هذه المياه التي يشربها جميع المصريين دون أي أثر سلبي عليهم، فسيمرضون ويصابون بالتسمم، لأن القلق والخوف يثبط عمل الأجهزة المناعية مما يمرض الجسم بأقل الأسباب. هذا الأمر أيضاً مرتبط بإخراج الأرواح الشريرة Exorcism وهو معروف منذ الإنسان البدائي، حيث يعتقد الإنسان أنه مسه جان أو سكن به شيطان، وهو السبب فى إمراضه أو ضعف ذاكرته أو تركيزه … إلخ من هذه الأمور، وفي هذه الحالة لدى المريض قناعة كاملة بأنه مسكون أو ممسوس بمس شيطاني، وهذه القناعة مصدرها عقيدته الدينية. ولعلاج هذا الأمر لن تفلح حيل الأطباء مجتمعين، ولكن الحل الوحيد هو الذهاب بهذا المريض لرجل الدين الذي يؤمن بأنه قادر على إخراج هذه الأرواح الشريرة برقية ما أو قراءة نصوص مقدسة ما أو تلاوة بعض الأدعية، فالمريض لديه القناعة الكاملة بقدرة رجل الدين هذا وما يفعله على إخراج من يسكنه من شياطين. يحدث لذلك الإنسان حالة من غياب العقل أو التنويم المغناطيسي Hypnotism ويتكلم اللسان متحكماً به العقل الباطن المتوهم بأن هناك أرواح شريرة، بصوت نفس الإنسان أو بتقليد صوت أخر زيادة فى إقناع نفسه أن هذا شيطان! فنجد المرأة تتحدث بصوت خشن كرجل، والرجل ربما يتحدث بصوت ناعم كامرأة اعتقاداً منه أن تسكنه عفريتة أنثى. كل هذا يحدث من قبل العقل الباطن الذي يجعل اللسان يتحدث بأمور خاصة من خلفية هذا الإنسان الاجتماعية، ومن ذكرياته، ولكن كلامه بمجمله يوضع على لسان شخصية وهمية يسميها شيطان! إن الإنسان المريض كاتب النص script لهذا السيناريو Scenario وهو نفسه المؤدي Actor ولكن العقل مقتنع فى ذات الوقت بأن هذا شيطان! وهذا الأمر حيلة دفاعية يلجأ لها العقل الباطن ليمحو الآثار السلبية التى انتابت هذا الإنسان من خلال ما ألم به بسبب معتقداته وقناعاتة الدينية!
والدليل على هذا رأيته بعيني في مقطع فيديو حينما قام الأب مكاري برش المياه على الحاضرين فى إحدى اجتماعاته بالأزبكية بالقاهرة، مع إقناع الجميع مسبقاً أن من يلمسه الماء وبه مس شيطاني سيصرخ هذا الشيطان! فكان من بين الحاضرين أحد المسلمين اسمه محمد، وقد صرخ صراخاً شديداً، فسأله الأب مكاري: “إنت مين؟” فرد عليه، فقال: “أنا مارد.” مع العلم بأن المسيحيين لا يؤمنون بالجن بتاتا، وهذا من ضمن إيمانيات المسلمين، فهذه المعلومة ليست صحيحة أن تقال على لسان شيطان أو على مسامع مسيحي، بل هي من ذاكرة المريض محمد، وتجاهل الأب مكاري هذا الأمر، ورفع الصليب أمام عينيه، وقاله: ” ده أيه؟” فرد: “ده صليب” فسأله الاب مكاري: “عملك أيه؟” فرد أحمد: ” مُت عليه” وتجاهل الأب مكاري هذا الأمر أيضا، ولكنه استوقفني من الذي مات على الصليب من وجهة نظر المسيحيين أليس المسيح.؟ فلماذا يقول الشيطان إنه هو من مات على الصليب! أيكذب الشيطان ربما، ولكن هذه المعلومة جاءت من ذاكرة المريض محمد المسلم الذي فى عقيدته أن المسيح لم يمت ولم يصلب بل رفع! وتابع الأب مكاري، وقال له: “هأنفخ ثلاث نفخات فى وجهك، وأرش عليه ماء ثلاث مرات، وفى المرة الثالثة تخرج” فحدث هذا! فمن المتكلم هنا؟ مستحيل يكون كائن آخر يسمى الشيطان لأنه من وجهة نظر وعقيدة المسيحيين لا وجود لجان، ولا يمكن قبول أن الشيطان هو من مات على الصليب. فالمتكلم هنا هو ذاته محمد منوماً مغناطيسياً بالإيحاء! وهذه التجربة فعالة فى عكس أثر المشاعر السلبية إلى إيجابية فتزول الأعراض، وقد تكون شلل هستيري بالقدم أو اليدين أو بالعين مسببة عمى … إلخ، فالذي سببه وهم، يزال بالوهم!
وهذا الأمر شبيه بما حدث فى وسط طبي، حيث دخل على أحد الأطباء إنسان نحيل جداً، ويقول إن فى بطنه ديدان تأكل طعامه، ومع أن هذا الأمر قد يبدو صحيحاً إلا أن الطبيب عن طريق التحاليل اكتشف خلوه من هذه المزاعم، ولم يخبر المريض عن اكتشافه، بل أقنعه أنه سيجري له عملية جراحية، ويفتح بطنه ويخرج هذه الديدان. وبالفعل تم تخدير هذا الإنسان وتم فتح بطنه ثم خياطتها وعند استفاقاته تم إقناعه أنه تم إخراج الديدان من بطنه، وأروه بعض الديدان الطويلة أحضرها الطبيب خصيصاً له، فأقتنع المريض أن الديدان خرجت منه، ولذلك مع اندمال الجرح، سمن بدنه وتحرر من هذا الوهم!
2- Nocebo
تشابهاً مع أثر البلاسيبو يمكن للمواد الخاوية المفعول أن تسبب أثر سلبي، وهذا ما يعرف بأثر النوسيبو Nocebo Effect وكلمة Nocebo من كلمة لاتينية تعني (I will harm) “أنا سوف أؤذي” وهذا يتوقف على إيمان وتوقع المريض أن هذه المادة ضارة له أم نافعة له، ومثال واضح لأثر النوسيبو هو موت أحدهم من الفزع بعد أن تم عضه من قبل ثعبان غير سام. وجدير بالذكر أن المادة الخاوية الفعالية ليس لها عامل كيميائي أو غير كيميائي يمكنه أن يسبب الأثر الضار على المريض، وبذلك يرجع أي تغيير للأسوأ إلى عامل داخلي للمريض، وهو توقعه وإيمانه المتشائم والسلبي نحو هذا الأمر أو الدواء الخاوي الفعالية. ونحن نرى هذا الأمر فى حياتنا اليومية فى أمور شتى: مثلاً التشاؤم والتفاؤل بأمورما تندرج تحت موضوع Placebo و Nocebo فحينما يتفاءل إنسان بشيء ما مثلاً عقد أو قلادة أو فستان أو بدلة او شخص ما يراه صباحاً، أيّا كان السبب، يجد يومه سعيداً لأن العقل الباطن يزيد من فرز المواد الكيمائية المسببة للسعادة واليقظة، فنجد الإنسان منفرج الأسارير، فينجح يومه! والعكس صحيح فهناك من يتشاءم من شخص أو قطة سوداء أو من رقم 13، فهم مقتنعين تماماً بالأثر السلبي لهذه الأمور عليهم، ولذلك تضعف المواد الكيميائية فى الدم المسئولة عن السعادة والحيطة من قبل العقل الباطن، ولذلك نجد الإنسان لا يؤدي مهامه اليومية بتركيز، ويفشل يومه ويخسر الكثير بسبب تجهمه. ويزداد إيمانه بالتشاؤم من ناحية أخرى بسبب هذه النتائج، وبذلك يعيش سجين إطار عقيدة التشاؤم!
وأيضاً الإيمان بالحسد، حيث يقتنع المسلم وبعض تابعي العقائد الأخرى، بأن هناك تأثير لعين الحسود على جسم أو مقتنيات المحسود، وهذا الأمر موثق بالنصوص الدينية فيكون مقتنعاً تماماً به. ويرى المسلم أن الشخص المحروم دائماً حسود، فمن حُرم الأطفال يحسد من يرزق بمولود فتخاف الأم، وتعمل ما يسمى بالعروسة: حيث تأتي بعروسة ورقية، وتظل تثقب العروسة، وتقول فى عين فلان وفلان إلى أن تنتهي من كل من تشك فيهم أن حسدوا الطفل ثم تحرقها وترسم من رمادها صليب على جبهة الطفل أو هلال كلّ حسب دينه! ومن أشترى سيارة جديدة يرى أن الجميع سيحسدونه، ولخوفه من زوال هذه النعمة يذبح خروف ويطبع من دمه على كفه، كفوف فى جميع جوانب السيارة أو البيت … إلخ، اعتقادا منه أن الكف يذهب الحسد، بل أيضاً الخرزة الزرقاء، ورقم خمسة وغيرها.
فإن حدث ونسى الإنسان أن يتلو تعويذة كلامية (معوذة) أو يلبس تعويذة مادية وشعر بأن أحدهم حسده، يصاب بمرض (حيث يترجم جهاز الهيبوثلاموس هذا الخوف إلى عرض بدني فى أحد أعضاء الجسم) أو يضعف تركيزه، فيفسد ما فى يده متهمًا أن فلان حسده! فإيمان الفرد بالحسد يجعله فى حالة تخوف دائماً ودائما ما يتلو المعوذات الكلامية، ويرتدي ما يرد الحسد مما يفسد العلاقات البشرية، وهذا الإيمان هو ما يجعل الإنسان إيحائياً يرتبك فيما يقوم به من أعمال، فتفسد فى يده أو يخسرها، وعين الآخرين بريئة كل البراءة، لكن هذا ما نطلق عليه أثر النوسيبو Nocebo وإن تحرر الانسان من التشاؤم والإيمان بالحسد وأقتنع بعدم فعاليتهم لن تتكرر معه هذه الأمور! بالرغم من أن التشاؤم والإيمان بالحسد يَنسب لله عجز فى حماية الإنسان وفى ذات الوقت نقتنع أن أخواننا من البشر لديهم طاقة ماورائية سحرية لضرر الآخرين، وهو أمر عار من الصحة والحقيقة!
وأيضاً الإيمان بالسحر، حيث لا وجود لما يسمى سحر witchcraft ولكن خفة اليد magic يمكننا أن ندعوه سحراً، ولكنه ليس أمرًا خرافيَا بل يمكننا تعلمه. أما أن يمتلك فرداً ما قدرة سحرية ما لضرر أحدهم أو رفع أشياء أو إخفائها فهذا الأمر أسطورة، وليس حقيقي. ويرجع البعض أن هناك بعض العرافين والسحرة لديهم مقدرة على ضرر ونفع الآخرين. ومن المنافع ما تم ذكره آنفاً من اقتراح مواد علاجية خاوية الفعالية Placebo ويتم الشفاء من أمراض فيزداد الإيمان بأن هذا العراف أو الساحر لديه قدرة خارقة مستمدة من الأسياد أو الجان أو الشياطين، وبالتالي فأيضاً لديه القدرة على إيذاء الآخرين! وهنا يأتي ما يسمى بالعمل والحجاب، حيث يقنع العراف الناس بأن لديه المقدرة على عمل (عمل) لأحدهم لضرره، وحينما يشك ويعلم الإنسان المستهدف هذا يصاب فعلا بالمرض! تأييدا لمبدأ أثر النوسيبو حيث يترجم الهيبوثلاموس الخوف الشديد الذي ينتابه حينما يرى (العمل) أو ماء مرشوش حول باب بيته إلى أعراض بدنيه يصاب بها. وبما أنه ليس هناك سبب فيزيقي للمرض، بل مسببه الوهم، فلإزالته يجب أن نوهم المريض أيضا عن طريق رجل دين أو عراف آخر يكون لديه ذات العقيدة فى أن هذا ( العمل) يستدعي طاقة روحية أو جان أو شياطين تمس الجسد. فيذهب المريض لسحار يعمل له حجاب، وحينما يقتنع بقدرة الساحر وحجابه تزول الأعراض. أو حينما تجري له رقية أو صلاة عليه تزول الأعراض والسبب إيمان الإنسان بقدرة الساحر أو رجل الدين فى هزم وطرد الأرواح الشريرة والسحر والمس والأعمال. بالرغم من أن هذه الأمور أوهام!
وفي الأوساط البدائية يخاف الجميع ساحر القبيلة، ويؤجر بعضهم ساحر القبيلة لإلقاء تعويذة شريرة على أحدهم فيقوم بذلك ويُفاجأ المستهدف بالساحر يلقاه بالطريق ويلقى عليه التعويذة، ولأن المستهدف مؤمن تماماً بمقدرة الساحر الخارقة فعلا يصاب بالمرض ويموت بعد أيام قليلة! ولكن إن كان المستهدف لا يؤمن بهذه الأمور فلن يصيبه أي شيء! فالمُمرض هو عقل الإنسان نفسه، وأيضا هو الشافي!
3- السويداء Hpochondriasis
وأحياناً يطلق على هذا المصطلح فوبيا الصحة، وهو يشير إلى مشغولية أو قلق مفرط من الإصابة بمرض خطير أو بكلمات أخرى؛ توهم لمرض ما يصيب الإنسان. وأناس كثيرون يعانون من هذا الاضطراب، فهم يركزون على إحدى الأعراض الجسمية الخاصة كعامل مساعد لقلقهم، مثل اضطرابات بالمعدة أو الأمعاء ومشكلات بالنبض أو إجهاد للعضلات، ويتوهمون بما أنهم مصابين بهذه الأعراض فهذا دليل على إصابتهم بمرض خطير، وهذا ما يزيد من أعراض المرض، والكثير من أصحاب هذا الاضطراب لا يصدقون ما يقوله الأطباء لهم بأن الامر ليس خطيرًا أو أنه مؤقت، ولذلك فالمتوهمون بالمرض Hypochondriacs يتطلبون تطمينًا دائمًا إما من الاطباء أو الأسرة أو الأصدقاء، وبالطبع دور رجل الدين هنا حيوي!
يمكن أن يظهر خلل السويداء بعدة طرق؛ فبعض الناس لديهم أفكار عديدة دخيلة وإحساسات بدنية تدفعهم للفحص الدائم مع الأطباء أو الأسرة أو الأصدقاء. وآخرون خائفون جداً من أي شئ يذكرهم بالمرض ويتجنبون الأطباء إلى الدرجة التى يصبحون عندها مهملون في صحتهم حينما تقع حالة صحية خطيرة ولا يذهبون للتشخيص!
وهناك بعض الناس يخافون من الإصابة بمرض لأنهم بالفعل مصابون بمرض آخر، وآخرون أيضاً يعيشون فى يأس واكتئاب متأكدين من أنهم يعانون من مرض يهدد الحياة، ولا يمكن لطبيب أن يساعدهم، فهذا المرض فى أعينهم عقاب على أفعال شنيعة ماضية ارتكبوها. وهنا يأتي دور رجل الدين فى مساعدة هذا الإنسان على أن يقتنع أن الله قد سامحه بعد فعل أمور خيرة.
السويداء غالباً ما تكون مصاحبة لبعض الاضطرابات السيكولوجية مثل الاكتئاب واضطراب الوسواس القهري والمخاوف المرضية Phobias والهستيريا، والكثيرون من السوداويون يمرون بحلقة من الأفكار الدخيلة يتبعها فحص قهري للجسم بالتحاليل والكشف وهذا يشبه أعراض الوسواس القهري، ولكن بينما السوداويون يخافون من الإصابة بمرض، فإن مرضى الوسواس القهري يخافون من الإصابة بمرض أو نقل المرض إلى آخرين، وربما يعاني أناس من الاثنين معا.
غالباً ما لا يعرف السوداويون أن الاكتئاب والقلق غالباُ ما ينتجان أعراضًا بالجسم، فيعتبرونها علامات على وجود مرض عضوي خطير. فعلى سبيل المثال: أناس مصابون بالاكتئاب غالباً ما يشعرون بتغيرات فى الشهية وتقلبات فى الوزن والإرهاق وعدم اهتمام بالجنس وفى الحياة بصورة عامة! والقلق المفرط مرتبط بنبض قلب سريع وتعرق زائد وتوتر عضلي واضطراب معدي وتنميل أو تخدير في بعض أجزاء الجسم مثل اليد أو الجبهة وغيرها.
يمكن تلخيص كل ما سبق في هذه العبارة: (الحزن الذي لا يجد منفذاً فى الدموع يجعل أعضاء أخرى فى الجسم تبكي!) إذا كان الشخص مريض بمرض طبي عضوي مثل داء السكري أو التهاب المفاصل، غالباً ما يكون هناك نتائج نفسية مثل الاكتئاب والبعض غالباً ما يحاول الانتحار. وبنفس الطريقة الشخص الذي يعاني من أمور نفسية مثل الاكتئاب أو القلق سيعاني غالباً من أعراض جسمية بسبب هذه التقلبات الوجدانية على شكل أعراض لا يمكن تفسيرها طبياً. هذه الأعراض شائعة مثل الصداع وآلام البطن أو الظهر أو المفاصل أو ألم فى الجهاز البولي والأرق والحكة أو الإسهال أو الدوخة أو مشكلات فى التوازن. والكثير من المصابون بالسوداوية والتي يصاحبها أعراض غير مفسرة طبياً يشعرون أن أطباءهم لا يفهمونهم ويحبطون بسبب فشل أطبائهم فى التعرف على وسيلة لعلاج هذه الأعراض. والشائع فى معالجة السوداوية هو محاولة إقناع المريض بأن يجد طريقة أفضل للتغلب على الأسلوب الذي تتخذه الأعراض الغير مفسرة طبياً فى التحكم بحياتهم والأبحاث الحالية تؤكد على أن هذا القلق المفرط يمكن علاجه إما بدواء مناسب أو علاج نفسي مناسب. ودائما وأبداً ما طرأ بالوهم، يطرد بالوهم!
4- Nosophobia
وهو خوف مرضي محدد، يعبر عن حالة من الخوف اللاعقلاني فى الإصابة بمرض ما. وهي تأتي من الكلمة اليونانية (Nosos) بمعنى مرض. والمخاوف الشائعة فى هذا النوع من الفوبيا هو الخوف من الإصابة بالسل أو أمراض تناسلية أو السرطان أو أمراض القلب. ونتيجة لخوف المريض المفرط اللاعقلاني فغالباً ما يصاب فعلاً هستيرياً بالمرض الذي كان يخاف منه. فجهاز الهيبوثلاموس لإرجاع التوازن للنفس والبدن يترجم هذه المخاوف السلبية لإصابة عضو معين بمرض معين إلى الإصابة الفعلية لذات العضو بنفس المرض الذى خاف من أن يصاب به.
هذا الأمر صداه يرجع لكلام الله فى الكتاب المقدس فى سفر أيوب الإصحاح الثالث وآية 25 “لأني أرتعاباً أرتعبت فأتاني والذي فزعت منه جاء علي” وفي سفر أمثال 23 والآية 7 “لأنه كما شعر الإنسان فى نفسه هكذا هو” وفي سفر الأمثال 29 والآية 25 “خشية الإنسان تضع شركاً والمتكل على الرب يرفع”.
دائماً الإنسان يتوهم المرض حينما يرتكب أمراً ينافي معتقداته تصوراً بأن هذا الأمر عقاب من الله، ولذلك لابد من إشعار هذا الإنسان أن الله لن يعاقبه أو أنه سيشفى عند إجراء بعض الأمور الإنسانية الخيرة.
5 – الهستيريا Hysteria
مصطلح الهستيريا يشير إلى حالة عقلية لخوف لا يمكن التحكم فيه أو إفراط عاطفي. هذا الخوف بسبب حوادث متعددة في ماضي الإنسان التي تضمنت صراع عنيف يمكن لهذا الخوف أن يتمركز فى أحدى أعضاء الجسم أو يتم تخيل مشكلة فى هذا العضو. ويمكن للمريض بالهستيريا أن يشكو من أعراض جسمية مثل وجع بالظهر أو شلل فى الأطراف بدون سبب عضوي واضح. والبحوث العلمية فى مجال الأعصاب تؤكد على أن هناك نشاط مخي مرتبط بهذه الحالات، وكل هذه الاضطرابات اللاشعورية فهي لا يمكن أن تكون مقصودة من المريض. وتعزي نظرية فرويد للتحليل النفسي الأعراض الهستيرية إلى محاولة العقل اللاشعوري حماية المريض من الضغط النفسي (هذا مثلما يسعل المريض ليطلق الطاقة الناجمة عن الاحتفاظ بسر ما) وغالباً ما يتيح المرض أو أعراضه مكسب للمريض مثل الراحة وعدم الذهاب لوظيفة مكروهة!
6 – Psychosomatic Disorders الاضطرابات النفسجسمية:
الأمراض أو الاضطرابات السيكوسوماتية هي تلك الأمراض العضوية (Soma) التي لها أساس نفسي (Psyche). فهناك عوامل نفسية تؤثر على الأعضاء الجسمية وتتسبب في ظهور أعراض مرضية مثل الذبحة الصدرية والربو الشعبي وجلطة الشرايين التاجية وروماتيزم المفاصل والبول السكري وقرحة المعدة والاثنى عشر والقولون العصبي والصداع النصفي وفقدان الشهية العصبي والتعرق الدائم ودمامل فى الجلد والزغطة (الحزقة) المستمرة.
والأجهزة الحشوية التى بالجسم متصلة وتتغذى بالجهاز العصبي اللاإرادي الذي يحركه الهيبوثلاموس، فى مقدمة المخ، المتصل بمراكز الانفعال حيث يترجم المشاعر إلى أعراض بدنية فإن كانت المشاعر سلبية مثل قلق أو خوف أو غيرها من الانفعالات، تؤدي هذه المشاعر أو الانفعالات إلى تنبيه جهاز الهيبوثلاموس ويترجمها إلى أعراض عضوية فى أحشاء الجسم المختلفة كما يشير إلى أن المريض قد يكبت الانفعال ولا يبدي سوى الأعراض العضوية.
فالحزن الذي لا يجد منفذاً فى الدموع يجعل أعضاء أخرى فى الجسم تبكي! ولعلاج هذه الاعراض يجب أن يتم عكس مسار تأثير الهيبوثلاموس فُنشعر الإنسان بالسلام والطمأنينة، أيّا كانت الطريقة، هذا يجعل جهاز الهيبوثلاموس يلاشي الأعراض البدنية المرضية. وهذا يمكن أن يحدث فى وسط كنسي أو إمام شيخ أو بواسطة عراف أو ساحر أو ممارس علاج روحاني، فكلّ قد علم بالسر المكنون فى أن سعادة الإنسان والتفكير الايجابي يلاشي الأعراض المرضية ويسارع ويحفز الأجهزة المناعية للشفاء من أي مرض!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى