السياسة و الوعود
فوزي مصباح فوزي
–
قبل هذا لم أكن أعرف شيئا عن السياسة؛ فن الممكن أو الخداع. ولا عن رجالها أولئك الذي يفرضون على المواطنين الاصطفاف في طوابير والوقوف لهم والتصفيق طويلا. مع عدم ورفع الأصوات في حضورهم و بحضرتهم، قبل أن يمرّوا بسرعة البرق في مركباتهم الدّاكنة و زجاجها المعتّم.
لم أكن أعرف من هذا سوى ما كنتُ أسمعه من فم والدي عن بعض القادة الثّوريّين أو الأشخاص المكلّفين بجمع الاشتراكات. أو ما كنتُ أتصفّحه في تلك الجرائد على قلّتها التي تنثر ريّاح المواسم صفحاتها وتسترعي انتباهي و أقوم بجمعها قبل أن تعبث بها الرّيح مجدّدا. وأتفحّص ما فيها بداعي الفضول.
ولكن بمرور الوقت تسيّس المجتمع، وصار بإمكان كل واحد فيه الخوض في هذا ”المستنقع“. وكثر القيل والقال مع تسرّب الأخبار وتفشيّي الأسرار، معلنا عن يشكّل الوعي أو الرّاي العام. سيّما مع ظهور وانتشار الوسائل الحديثة.
لقد ساهمت هذه الوسائل التكنولوجية في تشكّل الوعي، مع الانفتاح على العالم، و الذي صار عبارة عن قرية صغيرة. وبقدر ما أسهمت هذه الوسائل في ظهور عديد المواقع والصفحات التي تتسابق محرّكات البحث في نقلها ونشرها، وعكس كل التوقّعات، فإن شريحة واسعة من المستخدمين لهذه الوسائل التكنولوجية والمعرفية الحديثة يفضّلون كل شيء على الخوض في المواضيع ذات الطّابع السياسي؟ فهي ”تشعرهم بالغثيان“. وهذا حسب رأيهم وما جاء في بعض تصريحاتهم.
و لأنّ السيّاسة ”فن“ من الفنون وعلمٌ من العلوم التي تدرّس في المعاهد والجامعات، قبل أن تكون علاقة بين حاكم ومحكوم، صارت في زماننا هذا وسيلة لممارسة الكذب والضحك على الذقون. فلا يجب أن نستغرب هذا العزوف.
والامتناع عن رموزها المنافقين؛ الذين بمجرّد تحقيق مبتغاهم وانتهاء المهمّة، يتنكّرون لكلامهم ”الوردي“ و”المعسول“، ويديرون ظهورهم للشعب معلنين ولاءهم للسّلطة لا للسذّج الذين ركبوا ظهورهم. وإنّ مثل هذا النفاق الصّريح لم يعد يشكّل عقبة أمام حتى أولئك الذين يدّعون الصّلاح.
كم من الوقت يجب الانتظار كي تتحقّق كل تلك الوعود والكلام الورديّ المعسول…؛ كصفحات الجرائد اليومية التي كان التجّار يستعملونها في تغليف بضائعهم، ثم يتم التخلّص منها بعد استهلاك ما بداخلها، لتغدو في مهب الرّيح: ”سقط المتاع“.