“البيرق.. سراة الجبل”..لشريفة التوبي تفوز بجائزة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية
تقوم حبكة الجزء الثاني من ثلاثية “البيرق” لشريفة التوبي، الذي جُعل عنوانه الفرعي”سُراة الجبل” على وقع الحرب التي دارت رحاها في خمسينات القرن العشرين وستينياته، بكل ما دفعه البسطاء من ثمن وتضحية.
في هذا الجزء من رواية “البيرق” الذي فاز بجائزة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية 2024، تنكشف بعض الحقائق المتعلقة بـ”ناصر بن حمد”؛ الرجل الشجاع صاحب الشخصية الغامضة، الذي يشكّل لغزاً في حياته وفي موته أيضاً، وتنكشف مجموعة من الحقائق الأخرى من خلال تفاصيل السرد الذي تدور أحداثه في سجن القلعة والجبل الأشمّ وحارة الوادي.
وجاء الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن في 608 صفحات من القطع المتوسط، وهو الجزء الثاني بعد جزء الثلاثية الأول “حارة الوادي” الذي صدر في عام (2022)، ويشكلان معاً إضافة إلى جزء ثالث تعمل عليه الكاتبة حاليا. كملحمة تاريخية اجتماعية،في سردٍ أدبيّ متخيَّل يرتكز على وقائع تاريخية، يعود القارئ من خلالها إلى زمن الحرب والأيام العجاف والشتات، التي سبقت عام 1970.
ويلتقي القارئ في الجزء الثاني بشخصيات جديدة ومؤثّرة عاشت تلك الفترة العصيبة وكانت وقوداً لنار الحرب المستعرة فيها.
كما تُبرز الأحداث دور المرأة في تلك الفترة عبر شخصية “عويدة” أرملة “ناصر” التي تجد نفسَها وحيدةً تصارع أقدارها وأحزانها بعد مقتل زوجها وموت خادمتها وزوجة ابنها، فتتخذ قرارات شجاعة يكون لها أثرها الإيجابي في حياة أحفادها.
وتمتد الأحداث من حارة الجبل إلى دول عربية عديدة كالسعودية والبحرين ومصر، في إشارة إلى ما كابده كثير من العمانيين في تلك الفترة من غربة ومشاق في سبيل تحقيق عيش كريم..
وتبرز الرواية تآلفهم جميعا وحفاظهم على علاقاتهم، وهويتهم التي تميزهم في مجتمعات اختلطت فيها الهُويّات، وسبقتهم في الانفتاح على العالم وشعوبه.
ومن أجواء الرواية نقتبس ما جاء على الغلاف:
“بحذر شديد، وفي ليلة معتمة لا قمر فيها، تسلّلوا من خلف البيت، نزلوا المدرّجات المزروعة بأشجار الرمّان والورد، باتجاه الوادي حيث أشجار الجوز والتين المتشابكة، ومن ثم صعدوا إلى جهة أخرى، سائرين خلف الرجل نحو طريق جبليّ آخر.
وبعد أن قطعوا مسافة قصيرة، اعترض طريقَهم أحدُ العساكر، أشهر بندقيّته نحوهم، تسارعت دقّات قلوب الصغار، ضمّت “جوخة” طفلها الصغير النائم على حضنها، وأرخت عليه اللحاف، تنازعتها الهواجس بأنّهم قد يتعرّضون لخيانة أو أن يكون الرجل باعَهُم للجيش، وربما يُقتلون جميعاً ولن يعرف أحد عنهم شيئاً، ففي هذه الأيام العصيبة اختلطت الأمور، وما عادوا يعرفون الصديق من العدوّ، الصادق من الكاذب، الثائر من الخائن، وقد يبيع الإنسان أخاه بكسرة خبز، لكن “جوخة” تعلّقت بقشّة واهية في ذلك الليل المتلاطمة أمواجه في قلبها”.
ومن الشخصيات التي أظهرت الكاتبة من خلالها الدور الإيجابي للمرأة العمانية في تلك الفترة المبكرة، وقدرتها على مواجهة الصعاب منفردة مهما كان الخطر الذي يتربص بها؛ شخصية “طويرة”، التي وُصفت في أحد المقاطع بالقول:
“ورغم رقة الأنوثة التي اكتسبتها طويرة في حضور أمها، كانت صلبة وقويّة في حضور أبيها، وما كان تدريبه لها بسيطاً بل شاقّاً وصعباً، ففي كثير من المرات كان يسلّمها البندقية ويجلس بعيداً عنها، وأحياناً يتركها وحدها في الفلاة، لا حارس لها سوى بندقيتها والثقة التي زرعها في قلبها. وما كان يرضيه أن ترمي الطير إلا وهو محلّق في الفضاء، وما تصوّب رصاصتها أو سهمها على حيوان برّي إلا وهو راكض في الصحراء”.
ومن الجدير ذكره أن شريفة التوبي روائية وقاصة عُمانية، صدرت لها منذ العام 2014 مجموعة كبيرة من الأعمال من بينها: “المقعد شاغر”، “نثار”، “سُعاد.. رسائل لم تصل”، “انعكاس”،”سجين الزرقة” التي فازت بجائزة الإبداع الثقافي لأفضل الإصدارات لعام 2021م (الدورة الثانية عشرة)، التي تقيمها الجمعية العمانية للكتاب والأدباء.