أحوال عربيةأخبار

الانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية بين التردد والضرورة

نور كريم راضي

حاول العراق انتهاج نهج (التدويل الداخلي) بعد عام 2003 ودخوله منعطف تاريخي جديد يتمثل بسقوط النظام السابق وإعلان قيام الحكومة الانتقالية عام 2004،حيث اقرت الجمعية الوطنية قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) عام 2005. يسري اختصاص المحكمة الجنائية العراقية العليا الشخصي على كل شخص طبيعي كان عراقي ام غير عراقي مقيم في العراق. اما اختصاصها الموضوعي فيتضمن ارتكاب احدى الجرائم المنصوص عليها في المواد(11-12-13-14) من قانون المحكمة وهي (1/جرائم الإبادة الجماعية 2/جرائم ضد الإنسانية 3/جرائم الحرب4/جرائم انتهاك القوانين العراقية)، وحددت اختصاصها الزمني بالجرائم المشار اليها في المواد سابقة الذكر والمرتكبة من فترة (17/7/1968) الى (1/5/2003) بمعنى انها محددة بالفصل بالقضايا التي أنشئت من اجلها، اما اختصاصها المكاني يكون على الجرائم المرتكبة داخل العراق او أي مكان اخر، ويلحظ ان جرائم المواد(11-12-13) الواردة في قانون المحكمة هي ذاتها جرائم ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية. ما يؤكد ترسيخ الاعتقاد بضرورة ادراج القواعد الدولية داخل التشريع العراقي لغرض سد الفراغ والقصور التشريعي، اذ ان جرائم قانون المحكمة الجنائية العليا غير موجودة في أي تشريع عراقي اخر، وهذا ما يفتقر اليه التشريع العراقي.
لذا اقترحت المفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق بتمديد عمل المحكمة وسريان ولايتها وتعديل قانونها لتنظر بجرائم الجماعات الإرهابية :(داعش)، كون القانون العراقي ينظر الى الأفعال الاجرامية التي ارتكبها التنظيم على انها جرائم تقع تحت طائلة قانون العقوبات العراقي رقم (111) لعام 1969 وقانون مكافحة الإرهاب العراقي رقم (13) لعام 2005، في حين ان الأفعال المرتكبة من قبل التنظيم تصنف على انها جرائم دولية :(جريمة الإبادة الجماعية، جرائم ضد الإنسانية)، كذلك يمكن تطوير عمل المحكمة من خلال الاستعانة بقضاة دوليين من لهم خبرة في مجال المحاكمات الدولية، وذلك استنادا للمادة (3) من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا، من الجدير بالذكر ان مجلس النواب العراقي قد اعد مشروع قانون تعديل قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لعام2010، وتمت القراءة الأولى للمشروع في جلسة النواب المنعقدة بتاريخ 19/9/2020. يمثل موقف العراق المشار اليه أعلاه بمحاولات للتدويل الداخلي الذي يبين رفضه او تردده بالانضمام للمحكمة الجنائية الدولية.

حيث لم يوقع العراق على الميثاق المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية منذ الإعلان عنه عام 1998، أي انه انضم الى قائمة الدول الرافضة لوجود المحكمة منذ البداية تحت مبرر خضوع المحكمة لهيمنة وتحكم مجلس الامن لا سيما أعضائه الخمسة دائمي العضوية، لكن في عام 2005 وقع العراق على الانضمام بشكل اولي، ثم ما لبث ان سحب توقيعه دون ذكر الأسباب والمبررات، وتعد تلك المبادرة الوحيد التي ابداها العراق للانضمام للمحكمة، ولم يبدي بعد ذلك أي مبادرة أخرى بالانضمام لها والانضواء تحت غطاء شرعيتها.
في مقابل التردد أعلاه هنالك من يرى ضرورة في الانضمام التي تجابه الرفض او التردد الحاصل تتمثل تلك الضرورة في العديد من المزايا من أهمها تحقيق مبدأ التكامل والملاءمة الجنائية بين القضاء الداخلي والدولي فالأسبقية تكون للقضاء الجنائي الداخلي للنظر في دعاوى جرائم الميثاق، بينما اختصاص القضائي الدولي المتمثل بالمحكمة الجنائية الدولية يكون ساند وداعم او يكون بديل في حال عجزه الأول او عدم قدرته على النظر بالدعاوى الناشئة عن جرائم الميثاق وهذا ما يؤكد عدم الإفلات من العقاب لاي شخص متهم بارتكاب أي من الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة من خلال التعاون في الإجراءات الجنائية التي تتخذ بحق المتهمين الفارين من العدالة في العراق وإصدار أوامر قبض بحق الشخصيات والتنظيمات تمهيدا لمحاكمتهم امام المحكمة الجنائية الدولية، من جهة أخرى يحقق الانضمام إمكانية محاسبة ومساءلة من يرتكب أي خروقات او جرائم بحق جمهورية العراق باعتبارها عضو من أعضاء ميثاق روما وهذا ما يعزز ويدعم سيادة الدولة، ومن ثم إمكانية الحد من أي الخروقات بحق حدود وسيادة الدولة العراقية من قبل أي دولة من دول الجوار او غير الجوار، حيث اكد رئيس مجلس القضاء الأعلى عند استقباله لرئيس إقليم كردستان على مباحثة الإجراءات القانونية لمنع أي اعمال عدائية تجاه الإقليم ،من جهة أخرى قدمت وزارة الخارجية العراقية شكوى الى مجلس الامن الدولي ضد الجمهورية الإيرانية بعد قصفها الأخير على مدينة أربيل بإقليم كردستان العراق وادى الى قتلى وجرحى حيث اشارت الشكوى المقدمة بأن(هذا العدوان يعد انتهاكا صارخا لسيادة العراق وسلامته الإقليمية وامن الشعب العراقي). ووفقا للمادة (25/4) من الميثاق يحق للمحكمة الجنائية الدولية النظر في مسؤولية الدول وفقا للقانون الدولي استنادا الى مبدأ القاضي بأن الدولة التي ترتكب فعل يعد جريمة دولية تلتزم نتيجة لذلك بتعويض الاضرار المترتبة علية . ومن جانبنا نؤيد اتجاه ضرورة الانضمام تأكيدا على تقوية مركز العراق الدولي و حماية السيادة العراقية من أي خروقات وعدوان خارجي في حال انضمامه للمحكمة الجنائية الدولية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى