الأميرة عائشة بنت الخص .. قصة و سيرة
مباركة بنت الخص هي أميرة من بني عامر، كان أبوها أميراً شهماً، مطاعاً في قومه، ذا شأن عظيم في قبيلته، وقد كانت ابنته ملازمة له في حياته فتعلمت منه الكثير من أمور الحكم، وعند بلوغه الكبر، سلمها مقاليد أموره، وبالرغم من طبيعة القبائل العربية البدوية التي تقوم على سيادة الرجل، فإن حالة الإستثناء هاته توحي بما كانت الأميرة تحظى به من احترام واهتمام كبير من طرف أفراد قبيلتها لذكائها الخارق، وعلمها بأمور الحياة، حيث تركت تراثا عظيما من الحكم لا تزال ترويه الأجيال جيلاً بعد جيل.
ولعلاقة بنت الخص بالأمير المريني أبو الحسن تكون قد عاشت ما بين القرنين الرابع عشر والخامس عشر للميلاد، وذلك لأن محاصرة حصنها الشهير الموجود بمنطقة بريزينة، وبالتحديد في منطقة (القور) من قبل السلطان لكحل حاكم منطقة أربوات أبو الحسن المريني كان في حدود سنة 1331-1351م؛ حيث قُتل هناك على أيدي أحد أبناء الولي الصالح سيدي معمر بلعالية جد البوبكرية.
وأما حدود إمارة بنت الخص فكانت تمتد من منطقة أربوات شمالا إلى مدينة المنيعة جنوبا، وشرقا إلى منطقة العمور، وغربا إلى حدود الوادي الغربي مع حدود إقليم توات.
وإمارة بنت الخص لم تكن ذات نمط عمراني يهتم بالبناء إلا فيما يتعلق بالحصون الدفاعية؛ وذلك لأن قومها كانوا أهل بادية.. ونجد من بقايا حصونها الدفاعية:
- بقايا لآثار حصن بمنطقة القور ، وهو حصن منيع ، لا يمكن الوصول إليه إلا من ممر واحد.
- قصر شامخ فوق أعلى تلة بمدينة المنيعة.
- بعض الآثار بمنطقة جبل بونقطة.
- آثار ساقية تنتسب لبنت الخص، كانت توجد بها أراضي فلاحية يشتغل فيها عمالها.
ويقول الكاتب الفرنسي روني باسيت في كتابه La légende de Bent El Khass إن الأميرة مباركة بنت الخص “لقيت بادئ الأمر رفضا من رجال قومها كونها امرأة غير أنهم رضوا بحكمها بعدما رأوا حكمتها، لقد كانت فتاة بدوية فطنة جدا تميّزت بالشهامة والحكمة، تركت خلفها العديد من الأقوال والأمثال”.
يورد روني باسيت بعض أقوال الأميرة مباركة، بالدارجة الجزائرية، ومنها:
قالت ثلاثة يصفّروا الوجه، وثلاثة يحمّروا الوجه؛ قال لها مَا هما الثلاثة اللي يصفروا الوجه، قالت له: مشية الحفا، ورقود القفا، والمراة التالفة.
قال لها مَا هما الثلاثة اللي يحمّروا الوجه، قالت له: اللي يعرف النسب، والي يعرف بنات الحسب، والي يقنع بالنصيب اللي يكسب.
ومن أقوالها أيضا:
بكّر لحاجتك تقضيها..واصّنّت ما يقول الفال
بنتك قبل الصوم اعطيها..لا يخلق فيها قولة قال.
قصة حصار قصر بنت الخص وخطّتها لانقاذ قومها:
خطب السلطان لكحل أبو الحسن المريني الأميرة مباركة بنت الخص لكنها رفضته، لعلمها بأطماعه في إمارتها، وردّا على هذا حاصر قلعتها الموجودة في ناحية بريزينة.
لم ترضخ بنت الخص للحصار، وكان لها من الطعام والشراب ما يكفي أهل المدينة لمدة عامين، صمدت الأميرة وقومها في وجه الحصار لكن مع مرور الوقت بدأت المؤونة تنفذ فخاف الناس، وهنا ظهرت حكمة الأميرة مباركة وذكاؤها الوقاد.
ووفق خطة مُحكمة، أعطت الأميرة ما بقي من القمح للغنم وغسلت الملابس والأفرشة بمخزون الماء المتبقي ونشرتها على أسوار القلعة، وكل هذا على مرأى السلطان وجنده، وعندما خرجت الغنم من القلعة تلقّفها الجنود وذبحوا بعضها ليأكلوه فوجدوا معدتها مليئة بالقمح فعلموا أن الحصار لن ينتهي؛ لأنّ لدى أهل القلعة من الغذاء ما يكفيهم لسنوات ماداموا يطعمون منه ماشيتهم، وعندما رأوا الملابس والأفرشة على الأسوار قالوا إن ماء القلعة لا ينضب.
أدرك السلطان أنه أضاع أكثر من عام في حصار لا فائدة منه، فعاد يجر أذيال الخيبة إلى إمارته.
أثّر الحصار كثيرا على بنت الخص وقومها فغادروا بريزينة إلى المنيعة، وهناك بنوا قصرا جديدا لا يزال ماثلا للعيان يروي سيرة الأميرة البدوية الحكيمة، وهو المعروف اليوم بـ”قصر بنت الخص”.